الفكر العنصري عند الشيعة: عقيدة الطينة أنموذجا
ما
أشبه قوم قوما غيرهم كمشابهة الشيعة لليهود، حيث تشابهت عقائدهم وأوصافهم
وصفاتهم، حتى وصل التشابه إلى اتفاقهم في عداوة العرب والمسلمين، واعتبار
أنفسهم شعب الله المختار وأحبائه وصفوة خلقه.
ومن العقائد البارزة التي شابه فيها الشيعة اليهود عقيدة الاصطفاء، وتعني
أن الله قد اصطفاهم دون خلقه ورفعهم وأعزهم، وهو اصطفاء عنصري قائم على
أساس الجنس لا على أساس الدين والعقيدة في المقام الأول.
وهو اصطفاء عبثي مفاده أن اليهود والشيعة صفوة الخلق وإن أساؤوا وقتلوا
وظلموا غيرهم، وأن غيرهم مغضوب عليهم، ولاحظ لهم ولا نصيب في حسن الجزاء من
الله وإن أحسنوا وأطاعوا.
الاصطفاء بين اليهود والشيعة:
جاء في سفر التثنية: (ثم كلم موسى والكهنة اللاويون جميع إسرائيل قائلين: أنصت واسمع يا إسرائيل اليوم صرت شعبا للرب إلهك) (1).
وجاء
في سفر التثنية أيضا: (لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك، إياك قد اختار الرب
إلهك، لنكون له شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض) (2).
وادعى
الشيعة كما ادعى اليهود من قبلهم (أنهم خاصة الله تعالى وصفوته، وأن الله
تعالى اختارهم من بين كل الناس، وميزهم عن غيرهم بكثير من المزايا، ابتداء
من خلق أرواحهم التي يزعمون أن الله تعالى خلقها من نور عظمته، وانتهاء
بإدخالهم الجنة وخلودهم فيها متنعمين بما أعده الله لهم من النعيم المقيم)
(3).
ومن
الأدلة على ذلك ما جاء في بصائر الدرجات عن أبي عبد الله أنه قال: (إن
الله جعل لنا شيعة، فجعلهم من نوره وصبغهم في رحمته، وأخذ ميثاقهم لنا
بالولاية على معرفته يوم عرفهم نفسه، فهو المتقبل من محسنهم، والمتجاوز عن
مسيئهم، ومن لم يلق الله بما هم عليه لم يقبل الله منه حسنة، ولم يتجاوز عن
سيئة) (4).
عقيدة الطينة عند الشيعة الاثنا عشرية:
يقول
الدكتور ناصر القفاري: (هذه العقيدة من مقالاتهم السرية، وعقائدهم التي
يتواصون بكتمانها حتى من عامتهم، لأنه لو اطلع العامي الشيعي على هذه
العقيدة تعمد أفعال الكبار لحصول اللذة الدنيوية، ولعلمه بأن وبالها
الأخروي إنما هو على غيره)، وكانت هذه المقالة موضع إنكار من بعض عقلاء
الشّيعة المتقدّمين كالمرتضى وابن إدريس، لأنّها في نظرهم وإن تسللت
أخبارها في كتب الشيعة إلا (أنّها أخبار آحاد مخالفة للكتاب والسّنّة
والإجماع فوجب ردّها)، لكن هذه الأخبار تكاثرت على مر الزمن حتى قال شيخهم
نعمة الله الجزائري (ت1112هـ): (إنّ أصحابنا قد رووا هذه الأخبار
بالأسانيد المتكثّرة في الأصول وغيرها، فلم يبق مجال في إنكارها، والحكم
عليها بأنّها أخبار آحاد، بل صارت أخبارًا مستفيضة، بل متواترة(، قال هذا
في الرد على من أنكرها من شيوخهم السابقين) (5).
وملخص
هذه العقيدة كما يقول الشيخ القفاري: (أن الشيعي خلق من طينة خاصة والسني
خلق من طينة أخرى، وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين، فما في الشيعي من
معاصي وجرائم هو من تأثره بطينة السني، وما في السني من صلاح وأمانة هو
بسبب تأثره بطينة الشيعي، فإذا كان يوم القيامة فإن سيئات وموبقات الشيعة
توضع على أهل السنة، وحسنات أهل السنة تعطى للشيعة) (6).
لماذا ظهرت هذه العقيدة؟
كثرت
شكاوى الشيعة من أحوالهم، حيث رأى عقلائهم تناقضا كبيرا بين حالهم وحال
خصومهم من أهل السنة، ففيهم تكثر الفواحش والموبقات، وفي أهل السنة الذين
يناصبونهم العداء تكثر الطاعات، ولذلك رأي رؤوس الشيعة وجوب تبرير مساوئهم
في مقابل فضائل أهل السنة، ومن هنا جاءت فكرة عقيدة الطينة، وأن أهل السنة
مهما فعلوا فلن يكافؤوا على طاعتهم، وأن الشيعة مهما اجترحوا من السيئات لن
يعاقبوا عليها، بل سيأخذوا حسنات خصومهم، ويأخذ خصومهم سيئاتهم، ويلخص هذا
الأمر ما جاء في الرواية الآتية:
سأل
إسحاق القمي الباقرَ: (جعلت فداك أرى المؤمن الموحد الذي يقول بقولي ويدين
الله بولايتكم، وليس بيني وبينه خلاف، يشرب السكر، ويزني، ويلوط، وآتيه في
حاجة واحدة فأصيبه معبس الوجه، كالح اللون، ثقيلا في حاجتي، بطيئا فيها،
وقد أرى الناصب المخالف لما أنا عليه، ويعرفني بذلك-أي يعرفني رافضي- فآتيه
في حاجة فأصيبه طلق الوجه، حسن البشر، متسرعا في حاجتي، فرحا بها، يحب
قضاءها، كثير الصلاة، كثير الصوم، كثير الصدقة، يؤدي الزكاة، ويستودع فيؤدي
الأمانة).
فأجابه
الباقر: (يا إسحاق ليس تدرون من أين أوتيتم؟ قلت: لا والله جعلت فداك إلا
أن تخبرني، فقال: يا إسحاق، إن الله-عز وجل- لما كان متفردا بالوحدانية
ابتدأ الأشياء لا من شيء، فأجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام
مع لياليها، ثم نضب الماء عنها فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين، وهي طينتنا
أهل البيت، فلو أن طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم،
وسرق، ولا لاط، ولا شرب المسكر، ولا اكتسب شيئا مما ذكرت، ولكن الله-عز
وجل- أجرى الماء المالح على أرض ملعونة من حمإ مسنون، وهي طينة أعدائنا،
فلو أن الله-عز وجل- ترك طينتهم كما أخذها لم تروها في خلق الآدميين، ولم
يقروا بالشهادتين، ولم يصوموا ولم يصلوا، ولم يزكوا، ولم يحجوا البيت، ولم
تروا أحدا منهم بحسن خلق، ولكن الله-تبارك وتعالى- جمع الطينتين- طينتكم
وطينتهم- فخلطها وعركهما عرك الأديم، وخرجهما بالماءين فما رأيت من أخيك شر
لفظ، أو زنا، أو شيء مما ذكرت من شرب مسكر أو غيره، ليس من جوهريته وليس
من إيمانه، إنما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات الذي ذكرت، وما رأيت من
الناصب من حسن وجه وحسن خلق، أو صوم، أو صلاة، أو حج بيت، أو صدقة، أو
معروف فليس من جوهريته، إنما تلك الأفاعيل من مسحة الإيمان اكتسبها وهو
اكتساب مسحة الإيمان).
قال إسحاق القمي: قلت: (جعلت فداك فإذا كان يوم القيامة؟)
قال
لي: يا إسحاق أيجمع الله الخير والشر في موضع واحد؟ إذا كان يوم القيامة
نزع الله-عز وجل- مسحة الإيمان منهم فردها إلى شيعتنا، ونزع مسحة الناصب
بجميع ما اكتسبوا من السيئات فردها على أعدائنا، وعاد كل شيء إلى عنصره
الأول).
قال إسحاق القمي: قلت: (جعلت فداك تؤخذ حسناتهم فترد إلينا، وتؤخذ سيئاتنا فترد إليهم؟
قال: إي والله الذي لا إله إلا هو) (7).
روايات الطينة: الكافي للكليني أنموذجا(8):
أفرد الكليني في كتابه الكافي بابا لسرد روايات عقيدة الطينة وتمييز الشيعة وأئمتهم عن خلق الله في أصل النشأة والخلق.
قال الكليني: باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم عليهم السلام:
الرواية الأولى:
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن الله خلقنا من عليين وخلق أرواحنا من
فوق ذلك وخلق أرواح شيعتنا من عليين وخلق أجسادهم من دون ذلك، فمن أجل ذلك
القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحن إلينا).
الرواية الثانية:
أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن
شعيب، عن عمران بن إسحاق الزعفراني، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سمعته يقول: (إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا
من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقا
وبشرا نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، وخلق أرواح
شيعتنا من طينتنا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم
يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا للأنبياء، ولذلك صرنا نحن
وهم: الناس، وصار سائر الناس همج، للنار وإلى النار).
الرواية الثالثة:
علي بن إبراهيم، عن علي بن حسان، ومحمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب وغيره،
عن علي بن حسان، عن علي بن عطية، عن علي بن رئاب رفعه إلى أمير المؤمنين
عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إن لله نهرا دون عرشه
ودون النهر الذي دون عرشه نور نوره وإن في حافتي النهر روحين مخلوقين: روح
القدس وروح من أمره وإن لله عشر طينات، خمسة من الجنة وخمسة من الأرض، ففسر
الجنان وفسر الأرض، ثم قال: ما من نبي ولا ملك من بعده جبله إلا نفخ فيه
من إحدى الروحين وجعل النبي صلى الله عليه وآله من إحدى الطينتين، قلت لأبي
الحسن الأول عليه السلام ما الجبل فقال: الخلق غيرنا أهل البيت، فإن الله
عز وجل خلقنا من العشر طينات ونفخ فينا من الروحين جميعا فأطيب بها طيبا).
وروى
غيره، عن أبي الصامت قال: (طين الجنان جنة عدن، وجنة المأوى، وجنة النعيم،
والفردوس، والخلد، وطين الأرض مكة، والمدينة، والكوفة، وبيت المقدس،
والحائر).
الرواية الرابعة:
عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن أبي نهشل قال:
حدثني محمد بن إسماعيل، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه
السلام يقول: (إن الله خلقنا من أعلى عليين، وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا،
وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا، لأنها خلقت مما خلقنا، ثم
تلا هذه الآية: {كَلاَّ
إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّين، وَمَا أَدْرَاكَ مَا
عِلِّيُّون، كِتَابٌ مَّرْقُوم، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون}(9)،
وخلق عدونا من سجين وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك،
فقلوبهم تهوي إليهم، لأنها خلقت مما خلقوا منه، ثم تلا هذه الآية: { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّين، وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّين، كِتَابٌ مَّرْقُوم}(10).
نقد عقيدة الطينة عند الشيعة:
لقد
فاقت عقيدة الطينة عند الشيعة كل كذب، حيث لم يقل بما قالوا أحد من
العالمين، وعقيدتهم هذه مليئة بالمخالفات، فالقول بأن حسنات المسلمين
المخالفين للشيعة تعطى للشيعة وموبقات الشيعة تعطى لمخالفيهم أمر مخالف
لعدل الله، ولا يتفق مع أي عقل صحيح أو فطرة سوية، ونصوص الكتاب والسنة
متواترة على النص على أن كل إنسان مسئول عما اجترح وأتي، وليس عليه وزر
غيره.
يقول الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(11)، وقال عز وجل: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}(12)، وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(13)، وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه}(14)، وقال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}(15).
من
ناحية أخرى فالروايات التي تعلل عقيدة الطينة تنسب كل شر وموبق للشيعي،
وفي مقابل ذلك تنسب كل خير وحسن لخصومهم من أهل السنة، والسؤال هنا، كيف
تكون طينة الشيعي كثير الفساد والإفساد أطهر من طينة المسلم من أهل السنة
المشهود له- بحسب رواياتهم- بحسن الخلق والطيبة؟
كما
أن هذه العقيدة تناقض مذهب الشيعة في مسألة القدر، فهذه العقيدة تأسس
لمذهب الجبر وتؤيده، أي أن العبد مجبر على فعل الأشياء التي تناسب طينته،
وهو قول مناقض لمعتقد الشيعة في القدر حيث يؤمنون بأن العبد يخلق أفعاله.
ـــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) الإصحاح السابع والعشرون الفقرة: (9).
(2) الإصحاح السابع الفقرة: (6).
(3) بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود: (2/526).
(4) بصائر الدرجات للصفار: (ص:70)، وبحار الأنوار للمجلسي: (67/74).
(5) أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، للدكتور ناصر القفاري: (2/955).
(6) المرجع السابق: (2/956).
(7) علل الشرائع للشيخ الصدوق: (489-491)، وكذلك في بحار الأنوار للمجلسي: (2/247-248).
(8) الكافي للكليني: (1/389-390).
(9) سورة المطففين، الآيات: (18إلى21(
(10) سورة المطففين، الآيات: (7إلى9)
(11) سور: الأنعام:164، وفاطر:18، والزمر:7.
(12) سورة الطور، الآية: (21).
(13) سورة المدثر، الآية: (38).
(14) سورة الزلزلة، الآيات: (7-8).
(15) سورة غافر، الآية: (17).
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).