بسم
الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم
أما بعد فإن اتفاق كلمة المسلمين ووحدة صفهم وعدم تفرقهم في أصول الدين من
المقاصد العظيمة التي حرصت الشريعة على إيجادها وتأكيدها، لذا كان العمل
على تحقيق ذلك في أرض الواقع من المهام الجليلة التي يعمل لها المحبون
لنصرة هذا الدين، ولظهوره على الدين كله، لكن مع نبل هذا المقصد فقد سلك
بعض الناس لتحقيقه طريقا لا يوصل إلى المراد، وهو الاستجابة لمحاولة
التوفيق بين الحق والباطل وغض الطرف عن المخالفات العقدية بزعم التقريب بين
المختلفين، ومن هذا المنطلق انطلقت دعوى التقريب بين أهل السنة والشيعة
وتوحيد صفهما، ومع كل محاولة من هذه المحاولات المتعددة يتبين خطأ هذا
الطريق وعدم جدواه، وأن دعوى التقريب من جانب الشيعة لم تزد في حقيقتها عن
كونها غطاء وستارا لنشر مذهبهم بين أهل السنة مستغلين في ذلك حسن نية أهل
السنة وحرصهم على جمع الكلمة، وكان الذي ينبغي فعله في ذلك هو كشف زيف
وبطلان العقائد الشيعية وإقامة الحجة عليهم مع دعوتهم إلى اتباع السنة،
وذلك كما فعل الشيخ موسى بن جار الله التركستاني، وهذا بلا شك لو بذل فيه
الجهد لكان أنفع لهم وأجدى من محاولات تقريب- لو نجحت- لم تثمر إلا عن خلط
الحق بالباطل، والمساواة بينهما، أو الإعراض والتغاضي ولزوم الصمت حيال ما
يناقض شريعة الله تعالى، وفي هذا جناية على الحق بتضييعه، وجناية على أهل
السنة بتيسير سبل اختراق صفوفهم.
التمدد الشيعي ودعوى التقريب:
الدعوة
للتقريب ينبغي أن تكون قائمة على أسس من شأنها تؤدي لتحقيق الهدف المنشود،
وهي اتباع كتاب الله وتعظيمه، وتوقير السنة والعمل بها، والتمسك بهدي
القرون المفضلة، وفي غياب مثل هذه الأسس الصحيحة تصبح دعوى التقريب بيئة
خصبة للتمدد الشيعي في المجتمع السني، بل وصل الأمر ببعض أهل السنة أن بالغ
في قبول هذه الدعوى والترويج لها بين أهل السنة، حتى إنه ليصف من يقبل
بهذا التقريب بأنه تيار الاعتدال، ويسم من يكون مستبصرا بالوضع الحقيقي
لموقف الشيعة من أهل السنة-على مدار التاريخ القديم والحديث-بالتيار
المتشدد أو تيار الغلو، لقد بدأت مسيرة التقريب بين السنة والشيعة في العصر
الحديث منذ عدة عقود من الزمان، ولم تسفر عن شيء سوى الغزو الشيعي لبلاد
السنة ونشر الرفض فيها، لذلك فإن كل من سلك طريق التقريب مع الشيعة يتبين
له بعد مشواره الطويل أن لا فائدة متحققة من وراء ذلك، ومن ثم يعلن تراجعه
عما أقدم عليه، وقد مرت دعاوى التقريب بين أهل السنة والجماعة وبين الرافضة
(الشيعة) بعدة تجارب كتجربة د/محمد البهي، والشيخ عبد اللطيف محمد السبكي،
والشيخ محمد عرفة والشيخ طه محمد الساكت وغيرهم مع دار التقريب بين
المذاهب الإسلامية، وكذلك الشيخ محمد رشيد رضا ود/مصطفى السباعي ود/وهبة
الزحيلي وغيرهم، كلها تنتهي إلى النتيجة السابقة، مما يبين أن الهدف
المنشود ما هو إلا وهم من الأوهام وخيال من الخيالات، إذ الخلاف في الأصول
وليس في الفروع، ولن يحدث تقريب حقيقي في هذه الحالة إلا بتخلي أحد الطرفين
عن بعض أصول مذهبه، وهنا يكمن أصل المشكلة.
الشيخ القرضاوي والتقريب:
وخلال
العقدين الماضيين تبنى الشيخ يوسف القرضاوي، هذه الدعوى وبذل في سبيل ذلك
الكثير مما يسوغ، ومما لا يسوغ كالزعم بأن الخلاف مع الشيعة خلاف في الفروع
لا يتعدى الخلاف الموجود بين مذاهب أهل السنة، ومع ذلك فلم يكن حظه في ذلك
بأحسن ممن سبقه، وبعد ما يقارب عقدين من الزمان يكتشف زيف هذه الدعوى،
وأنه لا فائدة منها في ظل إصرار الشيعة على التمسك بعقائدهم الفاسدة،
ويتبين له حقيقتها الكامنة في محاولة نشر التشيع بين أهل السنة تحت غطاء
التقريب، ومن هنا فقد جهر الشيخ بالتحذير من التمدد الشيعي في المجتمع
السني وما يترتب على ذلك من خطورة على الدين والأمة، وقد لقي تحذير الشيخ
ترحيبا من المخلصين الفاقهين الحريصين على المصلحة الشرعية، وإن كانت مع
الأسف لم ترق لبعض الغافلين، حيث دعوا- كالمعتاد- إلى تنحية الخلافات بين
السنة والشيعة، والتوحد أمام الهجمة الصهيونية والأمريكية (وهو ما لم يسبق
حدوثه)، لقد أظهر هذا الموقف مدى التغلغل الشيعي داخل أدمغة بعض النخب
المحسوبة على الاتجاه السني ، فقد عارض موقف الشيخ من عارضه ممن كان يظن به
متابعته له، كما صمت عن نصرته من صمت، حيث لا يصلح الصمت في مكان ينبغي
فيه الجهر، ولا شك أن موقف الشيخ يوسف القرضاوي الأخير وثبات موقفه وعدم
تراجعه عنه، قد حرك الماء الراكد الآسن في هذه القضية، مما يستوجب متابعة
الموضوع وعدم الوقوف به عند حدود موقف الشيخ القرضاوي.
الاختراق الشيعي:
تمكن
الشيعة من اختراق مجتمعات أهل السنة سواء عن طريق مغفلي أهل السنة، أو عن
طريق العصرانيين والعلمانيين وكل مناوئ لأهل السنة مادة الإسلام وأهله، حتى
ظهرت في بلاد أهل السنة المقولات الرافضية وانتشرت في وسائل الإعلام
المتعددة.
وفي
ظل ضعف وهزال كثير من أنظمة الحكم في بلاد أهل السنة وانشغالها بتحقيق
مصالحها الشخصية، إضافة إلى خوفهم ورعبهم من المارد الإيراني تمكن الشيعة
من تحقيق مكاسب على الأرض وصار لهم وجود محسوس في بلاد لم يكن لهم فيها
موطئ قدم، لكن ينبغي أن يعلم أن كثرة الحديث من بعض رموز أهل السنة عن
ضرورة الجمع بين أهل السنة والشيعة، وتهوين مسائل الخلاف معهم وعدها من
قبيل الاختلاف في الفروع أو المسائل التاريخية التي لم يعد لها وجود في
العصر الحاضر، والتنقص ممن يحذر من ضلال القوم، بل وعده ممن تصب جهودهم في
صالح أعداء الأمة، سهل بشكل كبير من تحسين صورة الشيعة عند عوام المسلمين
مما سهل عمليات الاختراق المتعددة.
أصول الشيعة والتقريب :
تأبي
أصول الشيعة إيجاد أي تقارب حقيقي مع أهل السنة، إذ هما ضدان لا يلتقيان
أبدا، والناظر في أصول الفريقين يدرك ذلك بأدنى نظرة حيال بعض الأصول
المعروفة لدى القوم :
1-الشيعة وتحريف القرآن: القرآن الكريم كتاب الله الذي تكفل بحفظه فقال في تأكيد مجزوم به: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
وهو ما يقطع بأن الذكر محفوظ، وقد انعقد إجماع المسلمين على ذلك، والقرآن
هو أصل الأصول وإليه المرجع في أمر الشريعة كلها، والقول بتحريفه يسقط
الحجة به، ويسقط في الوقت نفسه جدية الحديث عن التقريب، إذ كيف يمكن
التقريب بين من يرى أن القرآن أصل الأصول وبين من يرى أنه محرف مبدل، أو
أنه ناقص غير كامل.
2-الشيعة والغلو في الأئمة:
الإمام
سواء كان إماما في الدين أو إماما في الإمارة والسياسة له مكانة كبيرة في
الإسلام، لكن مكانته عند الشيعة تفوق مكانة الأنبياء والملائكة حيث لهم
اطلاع على علم الغيب، وهم معصومون، لا يتصور منهم الخطأ فضلا عن المعصية
فكان مثلهم مثل أهل الكتاب الذين قال الله عنهم: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}،
فقد بوب الكليني الشيعي في كتابه الكافي-الذي يناظر صحيح البخاري عند أهل
السنة-عدة أبواب تدل على ذلك، فقال: (باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي
نزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها)، (باب أن الله
عز وجل لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين (ع) وأنه شريكه
في العلم)، (باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة
والأنبياء والرسل)
3-الشيعة وتكفير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن
الناظر في كلام الشيعة المدون في مذهبهم وكتبهم في حق أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يجد الحكم بكفرهم وردتهم إلا نفرا يسيرا، وتصويرهم بأقبح
صورة وكأنهم مجموعة من الأشرار أو قطاع الطريق الذين لا هم لهم غير التكالب
على الدنيا، ولا شك أن هذا بجانب كونه ذما لهؤلاء الصحابة الأطهار الذين
لا مثيل لهم في عالم البشر، والذين قام الإسلام على أكتافهم ولم يصل إلينا
كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم إلا عن طريقهم، هو ذم أيضا
في حق صاحب الرسالة إذ كيف يحيط به أمثال هؤلاء ويدنيهم منه ويثني عليهم،
ولا يتبين له حالهم رغم عشرته لهم سنوات متطاولة.
وسب
الصحابة والطعن فيهم مفض لضياع الدين لأن القدح فيهم مانع من قبول ما
يروونه من أحكام الشرع، بينما الصحابة عند أهل السنة هم خير القرون كما ثبت
بذلك الحديث وهم الذين تلقوا الإسلام عن رسول الله علما وعملا ونقلوه إلى
من بعدهم كما تلقوه، وهم الذين مدحهم ربهم في القرآن وأثنى على جماعتهم
فقال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}،
فبينما يترضى أهل السنة على الصحابة نجد الشيعة يكفرونهم ويلعنونهم، ولم
ينج من هذا الحكم حتى أفضل الناس بعد نبيهم أبي بكر رضي الله تعالى عنه ولا
عمر بن الخطاب، ولا أم المؤمنين عائشة رضي الله عن الجميع وأرضاهم، فكيف
يحدث تقارب في ظل هذا التعارض الشديد في هذا الموقف؟
4-الشيعة وتكفير أهل السنة:
تقوم نظرة الشيعة إلى أهل السنة على تكفيرهم لهم، ومن ثم نجدهم على مدار
التاريخ يعاونون الكفار الأصليين عليهم، ولم تكن هذه مجرد حالة طارئة أو
استثنائية بكل كانت منهجا متبعا، ولعل ما حدث في وقتنا الحاضر من معاونة
الشيعة للعدو النصراني ومساعدته في احتلال أفغانستان والعراق دليل واضح على
ذلك، بل بلغ من طغيانهم واستخفافهم بأهل السنة أنهم يعلنون ذلك ولا
يستترون به
5-الشيعة والتقية:
من الأصول المعتمدة لدى الشيعة مسألة التقية وهي أن يظهر غير ما يبطن في
أمر الدين، فلا تحصل لهم الثقة في أقوال علمائهم ولا يكونون على يقين من
أحكام عباداتهم إذ كل قول من أقوالهم يحتمل أنه قيل تقية، والتقية تذهب
الثقة بكل كلام يقال وتصبح قضية التقريب مجرد حيلة للتغلغل في وسط أهل
السنة، فهو يظهر نقيض ما يبطن، وإذا احتج عليهم محتج بمخالفة أئمة أهل
البيت لما هم عليه، قالوا: إنما فعلوا ذلك أو قالوه تقية، وإذا كان الأمر
كذلك فكيف توجد الثقة في أقوال الشيعة وتصرفاتهم حيال أهل السنة، ولعل ما
يظهرونه من وفاق وائتلاف من قبيل التقية، وحينئذ يبطل كل أثر للتقريب، لأنه
قائم على إمكان الأمر ونقيضه في آن واحد.
إلى
غير ذلك من الطوام الكثيرة كالغيبة والبداء والرجعة وغيرها، التي يخالف
بها الشيعة أهل السنة، والتي لا يجوز تصنفيها على أنها خلاف في الفروع،
ويتبين لنا من كل ما تقدم أن الحديث عن إمكان التقريب في ظل احتفاظ كل فريق
بأصوله، وهم من الأوهام وخيال من الخيالات لعدم إمكان حدوثه وتحققه، وخدعة
من الخدع إذ المقصود منه إيجاد القبول للشيعة عند أهل السنة مما يترتب
عليه نشر التشيع والرفض بين أهل السنة، فالأصول متناقضة والجمع بين
النقيضين لا يتصور إمكانه إلا ناقصو العقول، والتمسك بالوهم في ظل إصرار
الطرف المقابل على التمسك بأصوله لا يكون له نتيجة سوى المزيد من التغلغل
الشيعي في ديار أهل السنة، فهل يعي المفتونون بقضايا التقريب بهذه الأمور ،
وهل نجد لهم وقفة جادة في بيان أصول الشيعة التي خالفوا فيها أهل السنة
ونقدها وإظهار ما فيها من خطأ أو ضلال، وهل نجد الجد والثبات في الشهادة
على المبتدعة الضلال أنهم أهل بدعة وضلالة، وننتصر لكتاب الله تعالى وسنة
رسوله الأمين وأصحابه الغر الميامين، ولا نجعل السياسة اللاشرعية بمصالحها
الوهمية هي الحاكمة على تصرفاتنا في مثل هذه القضايا المصيرية؟ لعل ذلك
يكون، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل
معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر .
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).