تغيير المناهج التعليمية في العراق
تشغل الحرب الفكرية حيزاً هاماً بين الشعوب المتدافعة , و لعل المناهج الدراسية العنصر الأهم في هذه المعركة الفكرية ، و لكن القضية ليست بهذه البساطة ، فتغيير المناهج يعني أن جدلاً واسعاً سيثار بين مؤيدين ومعارضين، خصوصاً أن الجميع يعلم أن أفكاراً إيرانية و أمريكية ستزرع في المناهج الجديدة بطريقة أو بأخرى، و هذا يعني أن المنظومة القيمية لدى الطالب ستتعرض إلى تشويه و إعادة تشكيل ، كما أن ثقافات جديدة سيحاول المنهج الجديد غرسها في الجيل ، وهذا حدث فعلاً فاستبدل على سبيل المثال ، مصطلح الاحتلال الإسرائيلي بـ الكيان الصهيوني كما أستبدل مصطلح العدو الفارسي و دولة فارس بـ جمهورية إيران الإسلامية.
أصوات تطالب بتغيير المناهج:
ابتدأت قصة تغيير المناهج مع أول يوم للغزو الأمريكي على العراق ، إذ نادت المرجعية العليا في النجف و قيادات في الأحزاب الشيعية بضرورة تغيير المناهج الدراسية، و جاء ذلك على لسان عدد من المسؤولين، حيث صرح خالد النعماني ، نائب رئيس مجلس محافظة النجف إن الشعب العراقي ضحى بكل ما يملك من اجل تغيير النظام السابق وتغيير كافة أفكاره، ومنها تغيير المناهج التي كتبت في زمنه الجائر ,حيث يتطلع أكثر من 35% من الشعب العراقي، وهم من طلبة المدارس إلى التغيير.
الساسة الشيعة ينظرون إلى المناهج العراقية، أنها قامت على الأسس البعثية, أو قل أفكار المذهب الواحد ,وهذا ما أكدته رئيسة لجنة التربية في مجلس محافظة النجف سهيلة الصائغ, حينما طالبت يجب إن يكون هنالك إنصاف, مثل ما هو موجود في بعض المواد التي فيها إسهاب في المدح لبعض الخلفاء والشخصيات مثل المنصور والرشيد والمأمون.. فإننا نريد ذلك أيضا لأئمتنا الذين لهم الباع الطويل والصوت الأول والقلم الأول في كل المجالات حتى في المجالات العلمية, فمثلا جابر بن حيان كان طالبا عند الامام الصادق، وهو اول عالم في الكيمياء لكن لم يشر الى ذلك.
و في نفس السياق قال عضو مجلس محافظة النجف منذر الحاتمي: من حق الانسان الاطلاع على تراثه ودراسة عقيدته ودينه، لكن فترة النظام السابق كانت فترة حصار فكري وعلمي وثقافي وبالأخص للمذهب الشيعي ولا نريد ان نتحدث بالطائفية.
المناهج الجديدة:
شملت التغييرات التي حدثت في المناهج تغيير أكثر من 176 مفردة في 17 منهجا ، معظم هذه التغييرات في مادتي التربية الإسلامية و التأريخ ،جاءت هذه التغييرات بما يتناسب مع أفكار الحوزة في النجف في السطور القادمة سأحاول عرض بعض التغييرات التي حدثت موثقة بالصور فمثلا عند ذكر الخلفاء الراشدين الثلاثة أبو بكر و عمر و عثمان يقال (رضي الله عنه) و عند ذكر الخليفة الرابع علي بن أبي طالب يقال(عليه السلام) ، إضافة إلى حذف الترضي عن الخليفة معاوية بن أبي سفيان ، و تشبيه حكم معاوية بالحكم البعيد عن التقاليد العربية و نعته بالناكث للعهد،(التأريخ العربي الإسلامي للصف الثاني المتوسط).
من التغييرات المهمة في مادة التربية الإسلامية للأول الابتدائي ، إضافة صور تعليم الصلاة على المذهب الجعفري ، حيث يظهر الطفل يصلي وهو مسبل اليدين.
من التغييرات المهمة أيضا ، نعت العثمانيين بـ المحتلين، في حين أستبدل الاحتلال الصفوي على العراق بـ السيطرة الصفوية كما تمت إضافة مبحث كامل في (التربية الإسلامية للخامس الإعدادي) عن الخمس ، يشرح ماهية الخمس و من هم مستحقوه ، وجبايته و مواطن صرفه.
و أضيف أيضا سيرة محمد باقر الصدر في (التربية الإسلامية للسادس الإعدادي) ودوره في التنظير للاقتصاد الإسلامي ، وورد هذا كـ سؤال لطلبة الامتحان المركزي في الصف السادس الإعدادي.
آراء حول تغيير المناهج:
يرى الأستاذ وائل اللهيبي، مدرس مادة التأريخ، أن تغيير المناهج عملية ممنهجة لتغيير التركيبة المذهبية لدى المجتمع العراقي، و تابع اللهيبي، أن المناهج هي المعركة الحقيقية التي يراهن عليها الساسة الشيعة ، فالطالب العربي في كثير من الأحيان يتلقى ثقافته ومعلوماته من المناهج بشكل مباشر، ولذا سيظهر جيل يرى من إيران شريكا لا عدو، ويرى من الصهاينة مستوطنين لا محتلين وكذا، كما عبر عن مخاوفه أن يرى أحداً من أحفاده شيعياً أو يتعاطف مع المظلومية المزعومة ويرى آخرون أن المناهج في العراق تعمل جاهدة على إعادة ترتيب التعليم العراقي بما يخدم مصلحة العراق ككل، بعيدا عن الأجواء المتشنجة والنفس الطائفي .
ختاما ، ما تم ذكره هنا لا يعبر إلا عن غيض من فيض لما تعرض له التعليم في العراق ,و كيف عملت المنظومتان الإيرانية و الأمريكية على تدميره , و من ثم محاولة نسج أفكار جديدة في الجيل الصاعد ، الجيل الذي عايش العديد من التوجيهات الممنهجة و التيارات الفكرية و الصراعات المذهبية.
المصدر: موقع المثقف الجديد.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).