إذا ما عمل العرب على إحياء مصلحتهم في أن يكونوا أمة واحدة،
كما هي حقيقتهم التاريخية، فإن إيران ستكون مضطرة إلى مراجعة سياساتها بعد
أن تفشل في إدامة حروبها التي تشمل الجميع.
تشيع إيران وإن بطريقة غير مباشرة أنها بصدد تلطيف وتحسين علاقتها بالمملكة العربية السعودية، كما لو أن القيام بذلك الأمر من شأنه أن يشكل بوابتها على العالم الذي بات يضع يده على قلبه، في انتظار ما سيفعله الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في مجال تنفيذ وعده بقطع أجنحة إيران.
السعودية من جهتها تبدو غير معنية بالموضوع، فهي لم تعلق على المساعي الإيرانية لا لأنها لا تصدق المزاعم الإيرانية فحسب، بل وأيضا لأن تلك المساعي في الجزء الأكبر منها هي عبارة عن محاولات لجس النبض لمعرفة طبيعة التفكير السياسي السعودي في شأن أي علاقة محتملة.
مشكلة إيران أنها لا تريد أن تعترف بأن الآخرين، ومن ضمنهم السعودية، صاروا على دراية بأساليبها في تفخيخ العلاقات وابتكار الوسائل التي تعتقد أنها تبيح لها القيام بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بما يكشف عن عدم احترامها للقوانين الدولية.
ولأن إيران دولة أزمات فإنها لا ترتاح لرؤية محيطها الإقليمي مستقرا.
لذلك يمكن القول إن العرب قد ارتكبوا خطأ فاحشا حين سمحوا بانزلاق العراق إلى هاوية انتهت به إلى فوضى، يبدو الخروج منها اليوم أمرا مستحيلا.
تدهور الأمور في العراق الذي بدأ بتحطيم دولته الوطنية شكل بالنسبة إلى إيران هبة لا يمكن أن يجود بها الدهر لتنفيذ مشاريعها في المنطقة. تلك المشاريع التي لا تهدف سوى إلى فرض الحصار الإقليمي على السعودية ودول الخليج من خلال خلخلة المحيط الطبيعي الذي هو المجال الحيوي لتلك الدول.
بعد العراق كشف الإيرانيون عن خارطتهم الرملية التي ضمت سوريا واليمن ولبنان. وهي في حقيقتها خارطة هشة منحها العرب نوعا من المصداقية، حين صدقوا الادعاءات الإيرانية وصاروا يتصرفون كما لو أن تلك الادعاءات هي حقائق لا يمكن سوى أن يرضخوا لها. لم يكن رد الفعل العربي مناسبا حين تخلوا عن سوريا ولبنان بعد العراق. أما حين ذهبوا مضطرين إلى اليمن فكانت حيلتهم ضعيفة. ذلك لأن الحوثيين الذين تعتمد عليهم إيران هناك لا يشكلون إلا الجزء الأصغر من المشكلة اليمنية، وهي مشكلة لم يكن حلها معقدا لولا أن العرب صدقوا مجموعة الأوهام الإيرانية التي بالغت بعض الأطراف اليمنية في تضخيمها.
من مصلحة إيران أن تقوم حروب من حولها، لذلك فإن المواجهة العربية ينبغي أن تقوم على أساس السعي إلى إطفاء نار تلك الحروب والتوجه إلى إعمار الحياة، بدلا من هدر الأموال في ما لا طائل منه سوى الخراب.
ما يوقف إيران عند حدها لا يقتصر على مواجهتها بحقيقة مشروعها المعادي للعرب، بل يتخطى تلك المواجهة إلى محاولة رأب الصدع الذي شق العرب إلى أمتين. أمة ضربتها إيران بأذرعها الطائفية وشلت قدرتها على اتخاذ قرارها المستقل، وأمة أخرى تعيش تحت هاجس الخوف من تمدد المشروع الإيراني الذي باتت أطراف دولية عديدة تنظر إليه باعتباره واقع حال.
من شأن التفات العرب إلى أحوالهم الداخلية بدلا من الاكتفاء بردود الأفعال المتشنجة، أن يقلب أصول اللعبة وينهي المعادلة التي تقوم على أساسها حروب إيران غير المباشرة.
لقد بات جليا بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج أن علاقات سوية بالجار الإيراني لا يمكن أن تقوم في ظل تمسك الإيرانيين بمشروعهم التوسعي القائم على أساس تمزيق الجسد العربي وإشاعة الفتنة وصنع تاريخ بديل عن ذلك التاريخ العربي المشترك.
تلك القناعة التي يجب ترسيخها باعتبارها نوعا من الفهم لا يمكن أن تكون فاعلة إلا إذا سعى العرب إلى إعادة التفكير في استرجاع ما فقدوه خلال العقود الثلاثة الماضية من مصادر قوتهم.
إذا ما عمل العرب على إحياء مصلحتهم في أن يكونوا أمة واحدة، كما هي حقيقتهم التاريخية، فإن إيران ستكون مضطرة إلى مراجعة سياساتها بعد أن تفشل في إدامة حروبها التي أثبتت الوقائع أنها تشمل الجميع ولا تستثني أحدا.
المصدر العرب - فاروق يوسف
تشيع إيران وإن بطريقة غير مباشرة أنها بصدد تلطيف وتحسين علاقتها بالمملكة العربية السعودية، كما لو أن القيام بذلك الأمر من شأنه أن يشكل بوابتها على العالم الذي بات يضع يده على قلبه، في انتظار ما سيفعله الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في مجال تنفيذ وعده بقطع أجنحة إيران.
السعودية من جهتها تبدو غير معنية بالموضوع، فهي لم تعلق على المساعي الإيرانية لا لأنها لا تصدق المزاعم الإيرانية فحسب، بل وأيضا لأن تلك المساعي في الجزء الأكبر منها هي عبارة عن محاولات لجس النبض لمعرفة طبيعة التفكير السياسي السعودي في شأن أي علاقة محتملة.
مشكلة إيران أنها لا تريد أن تعترف بأن الآخرين، ومن ضمنهم السعودية، صاروا على دراية بأساليبها في تفخيخ العلاقات وابتكار الوسائل التي تعتقد أنها تبيح لها القيام بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بما يكشف عن عدم احترامها للقوانين الدولية.
ولأن إيران دولة أزمات فإنها لا ترتاح لرؤية محيطها الإقليمي مستقرا.
لذلك يمكن القول إن العرب قد ارتكبوا خطأ فاحشا حين سمحوا بانزلاق العراق إلى هاوية انتهت به إلى فوضى، يبدو الخروج منها اليوم أمرا مستحيلا.
تدهور الأمور في العراق الذي بدأ بتحطيم دولته الوطنية شكل بالنسبة إلى إيران هبة لا يمكن أن يجود بها الدهر لتنفيذ مشاريعها في المنطقة. تلك المشاريع التي لا تهدف سوى إلى فرض الحصار الإقليمي على السعودية ودول الخليج من خلال خلخلة المحيط الطبيعي الذي هو المجال الحيوي لتلك الدول.
بعد العراق كشف الإيرانيون عن خارطتهم الرملية التي ضمت سوريا واليمن ولبنان. وهي في حقيقتها خارطة هشة منحها العرب نوعا من المصداقية، حين صدقوا الادعاءات الإيرانية وصاروا يتصرفون كما لو أن تلك الادعاءات هي حقائق لا يمكن سوى أن يرضخوا لها. لم يكن رد الفعل العربي مناسبا حين تخلوا عن سوريا ولبنان بعد العراق. أما حين ذهبوا مضطرين إلى اليمن فكانت حيلتهم ضعيفة. ذلك لأن الحوثيين الذين تعتمد عليهم إيران هناك لا يشكلون إلا الجزء الأصغر من المشكلة اليمنية، وهي مشكلة لم يكن حلها معقدا لولا أن العرب صدقوا مجموعة الأوهام الإيرانية التي بالغت بعض الأطراف اليمنية في تضخيمها.
من مصلحة إيران أن تقوم حروب من حولها، لذلك فإن المواجهة العربية ينبغي أن تقوم على أساس السعي إلى إطفاء نار تلك الحروب والتوجه إلى إعمار الحياة، بدلا من هدر الأموال في ما لا طائل منه سوى الخراب.
ما يوقف إيران عند حدها لا يقتصر على مواجهتها بحقيقة مشروعها المعادي للعرب، بل يتخطى تلك المواجهة إلى محاولة رأب الصدع الذي شق العرب إلى أمتين. أمة ضربتها إيران بأذرعها الطائفية وشلت قدرتها على اتخاذ قرارها المستقل، وأمة أخرى تعيش تحت هاجس الخوف من تمدد المشروع الإيراني الذي باتت أطراف دولية عديدة تنظر إليه باعتباره واقع حال.
من شأن التفات العرب إلى أحوالهم الداخلية بدلا من الاكتفاء بردود الأفعال المتشنجة، أن يقلب أصول اللعبة وينهي المعادلة التي تقوم على أساسها حروب إيران غير المباشرة.
لقد بات جليا بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج أن علاقات سوية بالجار الإيراني لا يمكن أن تقوم في ظل تمسك الإيرانيين بمشروعهم التوسعي القائم على أساس تمزيق الجسد العربي وإشاعة الفتنة وصنع تاريخ بديل عن ذلك التاريخ العربي المشترك.
تلك القناعة التي يجب ترسيخها باعتبارها نوعا من الفهم لا يمكن أن تكون فاعلة إلا إذا سعى العرب إلى إعادة التفكير في استرجاع ما فقدوه خلال العقود الثلاثة الماضية من مصادر قوتهم.
إذا ما عمل العرب على إحياء مصلحتهم في أن يكونوا أمة واحدة، كما هي حقيقتهم التاريخية، فإن إيران ستكون مضطرة إلى مراجعة سياساتها بعد أن تفشل في إدامة حروبها التي أثبتت الوقائع أنها تشمل الجميع ولا تستثني أحدا.
المصدر العرب - فاروق يوسف
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).