0

حين نتحدّث عن العلاقة بين حزب الله اللبناني وألمانيا فإننا نتحدّث عن علاقة قديمة ومتجذّرة، فألمانيا بالرغم من حساسية تعاطيها مع الشأن الإسرائيلي وما يخصّ مسألة المحرقة (الهولوكوست)، وبالرغم من تحكّم إسرائيل في الكثير من قراراتها الداخلية والخارجية من خلال قوى الضغط الموجودة، فإنّها تمتلك علاقة قوية جدّاً مثيرة للريبة مع حزب الله، إلى درجة تشعرك أنّه لا يمكن لها إقامة علاقات كهذه بغير مباركة إسرائيليّة، فقد كانت ألمانيا صوت الحزب في الغرب ووسيطه في عمليتي تبادل للأسرى في 2003،2004.

كما ذهب الحزب إلى أبعد من ذلك إلى درجة قيامه بتجنيد بعض المواطنين الألمان مثل (ستيفان مارك) للقيام بعمليات تخدم حزب الله والذي لم يحاسب في ألمانيا بعد الإفراج عنه.

هذا عن تاريخ العلاقة القديم والذي تعمل عليه جالية الجنوب اللبناني في ألمانيا.

ولكن بعد الثورة السوريّة وأزمة اللاجئين السوريين في أوروبا أصبح للوبي حزب الله في ألمانيا مهمّة أعمق وأخطر بكثير، فالحزب بحكمه عدوا رئيسيا للشعب السوري يدرك أنّ معظم اللاجئين السوريين هم من فئة الشباب الثائر الذي لم يخرج إلّا ليعود ويُخرج من أخرجوه من بلاده بغير حق، فالأسبقيّة التي يمتلكها مواطنو الحزب في ألمانيا منحتهم تفوّقاً كبيراً على الجالية السورية الغضّة، فهم لا يحملون الرضا النفسي الذي يحمله السوريون كما أنّهم مرتاحون ماديّاً ويتقنون اللغة الألمانيّة بحكم طول تجربتهم ومعرفتهم لخبايا القوانين الألمانيّة، فبدؤوا يدخلون في عمق المجتمع اللاجئ يعملون المستحيل لإفشال تجربته الجديدة، وابتدؤوا بصغائر الأمور كأن شجعوا بعض السوريين على ترك تعلّم اللغة للعمل (بالأسود) كأُجراء درجة عاشرة بأجور سخيفة.

كما أخذ عناصر الحزب الطائفي بحكم اطلاعهم على أسواق السيارات والعقارات باستصدار شهادات سياقة مزورة وأوراق رسمية أخرى مقابل مبالغ مادية كبيرة وسيطروا على سمسرة البيوت في أوساط اللاجئين وهم يعلمون أنّ همّ اللاجئ الأوّل هو الحصول على بيت حتّى وصلت مبالغ السمسمرة إلى 3000 يورو وأكثر وسببت أزمة عقارية طالت المواطن الألماني نفسه مما أشاع بين أوساط المجتمع الألماني أنّ السوريين جاؤوا إلى بلادنا وجلبوا الفساد في حقائبهم في هذه النقطة.

لم يكن السوري بريئاً في تواطئه مع فساد هذه الفئات التي تريد ما هو أبعد بكثير من أوراق مزورة أو عمل غير نظامي، فالمواطنون من جالية الحزب بمعظمهم يحملون الجنسية الألمانيّة إلى جانب إتقانهم للغة مما أهلهم ليكونوا مترجمين في معظم جلسات المحاكمة (المقابلة) التي تحدد مصير اللاجئ من استحقاقه للجوء أو حيازته على الحماية المؤقتة وهو أسوأ حكم قضائي يمكن للسوري الحصول عليه.

فالمترجم هنا هو من يوصل أقوال السوري الذي لا يفقه شيئاً في اللغة للقاضي على أنّ السؤال الأهم الذي يحدد أحقيّة وجودك في ألمانيا (لماذا ترغب في اللجوء؟) ومن البديهي أنّ مصابي الحرب والمعتقلين والملاحقين سياسيّاً وأمنيّاً هم أحق الناس بالحصول على الإقامة.

وما حدث مع ناشط ثوري اسمه (شادي إدريس) وهو مواطن من مدينة الرستن هو العكس تماماً، حيث كان مترجمه من جنوب لبنان، قام شادي بالتحدث عن اعتقاله وكشف عن آثار التعذيب التي أورثته عاهات دائمة وهو يظنّ أنّ البديهة تفرض أنّه الأحق باللجوء ولكنّ القاضي كان يزيد تجهماً كلّما أضاف المترجم جملة جديدة وصدر الحكم القضائي بالحماية المؤقتة ورفض الطعن بها.

كما أنّ المواطن (محمد شاهين) وهو سائق سيارة شحن -من جهة أخرى- قام بمحادثة عابرة مع المترجم حيث قال له المترجم اللبناني "أنتو خربتو بلدكن كان عندكم أحسن بلد وأحسن رئيس" فردّ عليه محمد "نزيل عيش بظل حكم هالملاك إذا عاجبك" ثم كانت جلسة المحاكمة فتحدّث للقاضي أنّ شبيحة مصياف سرقوا سيارته و اختطفوه وأنّه لا يشعر بالأمان على نفسه وأهله بعد ذلك وكان حكم القاضي سلبيّاً غير قابل للطعن، وهنا لسان الحال يقول ماذا كان القاضي ينتظر لمحمد أكثر من الخطف والسرقة لكي يجده مستحقاً للجوء، وأصبحت الحوادث كهذه شائعة إلى حدّ أصبح اللاجئون يتداولون جمل كـ (قلن بالمحكمة إنّك هربان من الحرب) (أوعك تقول إنك معتقل أو معارض) (قلن أنّك ضد الإرهاب) (قلن إنك مو مع حدا).

وبالفعل ما من سوريّ عبر عن موقفه المؤيّد لمطالب أمته بالتحرر من الطغمة الحاكمة إلّا نال حكماً قضائيّاً سيئاً، والأسوأ من ذلك أنّ لهؤلاء المترجمين أعمالا استخباراتيّة فبإمكانهم نقل أقوال اللاجئين للحزب أو غيره، كما ظهرت مؤخراً بعد الانتهاء من معظم مقابلات اللجوء ظاهرة جديدة وهي ظاهرة الاستفزاز، إذ لم يعد هذا اللوبي مضطراً للتخفي فلا مقابلات يتستر بها السوري بعد الآن، فصاروا يمشون في شوارع المدن والقرى الألمانية يمرّون أمام مخيمات اللاجئين ويرفعون صوت سياراتهم باللطميات الطائفية (المد العلوي تفجّر) (إحنا شيعة للأبد) (يا حسين حان الثار) مستغلين حريّة التعبير عن الرأي في ألمانيا.

.

كما أنّهم يفتعلون نقاشات طائفيّة ومشاجرات يحتمون فيها بجنسيتهم الألمانيّة وبوضع السوري الحساس قانونيّاً، والموضوع أخطر مما يظنّ القارئ فقد اكتشفت شرطة إيسين مجموعة تابعة لحزب الله تقوم بعمليات غسيل للأموال عن طريق الأعمال غير المشروعة، والأخطر من ذلك أنّ وزير الداخليّة الألماني هانز بيتر دق جرس الإنذار باكتشاف الاستخبارات الألمانيّة وجود ألف عنصر من حزب الله في ألمانيا و أن 175 عنصر خطيرون ونشيطون جدّاً، ومن الطبيعي أنّ يقودنا الشك إلى ضلوع حزب الله بعمليات التخريب والإرهاب التي تحدث في ألمانيا بمساعدة لوبي الشبيحة الذي يتبع النظام السوري والذي يتعامل بتبعية مع لوبي الحزب هذا لو تغاضينا عن عناصر (لواء فاطميون) الأفغان الذي نهب عناصره وقتلوا في سوريا وتوجهوا للجوء في ألمانيا، وهذا الاستنتاج لو صح فإنّه ينذر بأن حزب الله ومن يعينه من شبيحة في ألمانيا لن يتركوا للاجئ السوري فرصة الهناء لأنّهم يعلمون أنّ أنظار السوري مازالت ترقب بلاده وتترقب العودة والحريّة،

وهذا كلّه يثبت النظرية التاريخيّة التي تقول: "إذا هربت من عدوّك بدلَ مواجهته فاعلم أنّه سيلحق بك حتى آخر الأرض ليؤذيك حتّى في منفاك".
المصدر اورينت نت

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top