0
دول ابتلعتها إيران-3- كردستان


سلسلة تتناول البلدان والأقاليم التي احتلتها إيران حديثا وجعلتها ضمن دولتها، والمعاناة التي تكبدتها الشعوب جراء ذلك، وطرق مقاومتها للاحتلال الإيراني.

هيثم الكسواني – كاتب أردني

المصدر: موقع الراصد

3- كردستان

ينبغي التنويه في البداية (وكما سبق أن نبّهنا في الحلقتين السابقتين عن الأحواز وبلوشستان) إلى أن احتلال إيران لكردستان، وإن كان قد سبق قيام الثورة الخمينية ودولة الملالي سنة 1979م، إلاّ أن دولة الملالي لم تبادر إلى تصحيح الأخطاء أو الخطايا التي اقترفتها الدولة التي سبقتها، والتي ثارت عليها بحجة أنها دولة ظالمة لا تلتزم شرع الله عز وجل، ولم تبادر إلى نصرة المظلومين والمستضعفين كما زعمت ثورتُها والشعارات التي أطلقتها، بل على العكس من ذلك تماما، رسّخت احتلالها لهذه الأقاليم والبلدان، ونهبت خيراتها، وأمعنت في مسخ هويتها، واضطهاد أهلها وإذلالهم، خاصة إذا كانوا من أهل السنة.

نبذة تاريخية وجغرافية

تتوزع بلاد كردستان (يفضل الأكراد استعمال: كوردستان) بشكل أساسي بين أربع دول هي: تركيا وإيران والعراق وسوريا، إضافة إلى أذربيجان وأرمينيا، وتتجاوز المساحة الإجمالية لكردستان 400 ألف كيلومتر مربع، أي بمساحة العراق كاملاً، أما الجزء الذي تحتله إيران من كردستان فمساحته تبلغ 124950 كم2، فيما يصل عدد سكان هذا الجزء المحتل الواقع في غرب إيران إلى حوالي 10 ملايين نسمة، يدينون –بأغلبيتهم الساحقة- بالإسلام ومذهب أهل السنة.

ودخل الإسلام بلاد الكرد في وقت مبكر، وكان للأكراد إسهامات كثيرة في التاريخ والحضارة الإسلامية، فظهر منهم العلماء والمحدثون والمجاهدون والقادة العسكريون، ويكفي هنا أن نورد اسم القائد المجاهد صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله- الذي حرّر القدس من الصليبيين ودافع عن بلاد المسلمين، وقضى على الدولة العبيدية الفاطمية، صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي، وأعاد مصر وغيرها من البلدان إلى مذهب أهل السنة وحظيرة الدولة العباسية.

معاناة الأكراد مع التشيع وإيران

أما معاناة الأكراد مع الشيعة والتشيع فليست وليدة اليوم، بل تعود إلى زمن الدولة الصفوية التي قامت في سنة 906هـ/ 1501م، وفرضت التشيع في إيران وما جاورها من بلدان، بعد أن كانت إيران دولة سنية طيلة 900 سنة، أي منذ الفتح الإسلامي وحتى سيطرة الصفويين الشيعة عليها.

ومنذ السنوات الأولى لقيام دولتهم، حاول الصفويون إخضاع القبائل والإمارات الكردية تحت نفوذهم، وأدت هذه المحاولات إلى صراعات دموية انتهت بهزيمة الأكراد. وعقابا لهم قام الصفويون أثناء حكم طهماسب الأول (1514 – 1576م) بتدمير معظم القرى الكردية وتهجير ساكنيها إلى منطقة جبال البرز وخراسان.

وتعتبر معركة قلعة دمدم من المعارك التي يخلّدها الأكراد ليومنا هذا، حيث قام الأمير الكردي خان لبزيرين ومعناه بالعربية (الأمير ذو الكف الذهبي) بترميم وتطوير قلعة دمدم الواقعة في شمال غرب كردستان إيران للحفاظ على استقلالية المنطقة وحمايتها من شرور الأعداء.

ورأى الصفويون وملكهم الشاه عباس في هذه المبادرة خطرا على نفوذهم في المنطقة فقاموا بتحشيد جيش ضخم وفرضوا حصارا طويلا على القلعة من شتاء عام 1609 إلى صيف عام 1610م وانتهى الحصار بهزيمة الأكراد، وقام الصفويون بعد ذلك بحملة إبادة وتهجير للأكراد في تلك المنطقة .

وظل الأكراد في نضال دائم للتخلص من الاحتلال الإيراني، ومن الذين برزت أسماؤهم في هذا المجال: الزعيم الكردي إسماعيل آغا الشكاكي، الشهير بـ "سمكو"، فقد قاد عدة ثورات ضد النظام الإيراني بين عامي 1920 – 1930م، واستطاع أن يؤسس دولة عرفت باسم "آزاد ستان" أي جمهورية الحرية، لكنها لم تلبث سوى عدة أشهر، ثم انتهت حياة سمكو نفسه سنة 1930، فقد استطاع الإيرانيون إقناعه بالقدوم إلى مدينة شنو للتفاوض، وهناك تم قتله بأسلوب المكر والخديعة، تماما كما فعلت إيران قبل ذلك بخمس سنوات عندما تم أسر الشيخ خزعل الكعبي، حاكم الأحواز، بالخديعة، ثم نقله إلى طهران، وقتله في السجن بعد ذلك.

ولأكراد إيران تجربة أخرى مع الاستقلال والتخلص من الاحتلال الإيراني لبلادهم، ففي كانون الثاني/ يناير 1946م، أعلن قاضي محمد استقلال كردستان إيران، وعُرفت هذه الدولة بـ "جمهورية مهاباد"، وقد استفاد قاضي محمد من الظروف الدولية آنذاك لإعلان الدولة الكردية، في مقدمتها حالة الفراغ التي كانت تعيشها إيران نتيجة الاحتلالين الإنجليزي والسوفييتي لها خلال الحرب العالمية الثانية.

ولم تدم جمهورية مهاباد سوى 11 شهرا، بسبب تغير الظروف الدولية وانسحاب السوفييت من إيران، وتنكرهم للوعود التي قدّموها للأكراد بدعم حق تقرير المصير للأقليات، وبعد أن رتبت إيران أوضاعها، قامت بالهجوم على "مهاباد" في الشهر الأخير من العام، وتم قتل أكثر من 15 ألفا من الأكراد، واعتقال رئيس الجمهورية قاضي محمد، وإعدامه مع عدد من أقربائه وأتباعه في 30/3/1947، وفي نفس الساحة التي أعلن منها الاستقلال.

وكما فعلت مع العرب الأحوازيين والبلوش، بعثرت إيران الأكراد في 4 محافظات هي: أذربيجان الغربية وكردستان وكرمنشاه وعيلام. والسبب في ذلك يعود إلى الرغبة في إضعافهم وتمزيقهم، وتقليل التواصل فيما بينهم، وبالتالي سهولة السيطرة عليهم.

أسباب احتلالها

يأتي على رأس الأسباب التي دفعت إيران لاحتلال كردستان النهج القومي والعنصري لشاه إيران رضا بهلوي، الذي أخذ يوسع حدود بلاده باتجاه الإمارات والأقاليم المجاورة، ويُخضع الشعوب غير الفارسية لسلطان إيران، مستفيدا من تواطؤ بريطانيا التي كانت تؤيد قيام دولة قوية في إيران تكون حائلا أمام طموح الشيوعيين السوفييت ومحاولات وصولهم إلى المياه الدافئة.
يضاف إلى ذلك ما تتمتع به كردستان من موقع جغرافي وثروات معدنية ووفرة مياه.

ممارسات إيران العنصرية والقمعية في كردستان

1- إعدام واغتيال علماء أهل السنة ودعاتهم بعد تلفيق التهم لهم، ويعتبر الشيخ أحمد مفتي زاده من أبرز الشخصيات الكردية السنية التي قام النظام الإيراني بقتلها، رغم أنه كان في بادئ الأمر من المؤيدين لثورة الخميني سنة 1979، ظنّا منه أنها ستأتي بالحرية والكرامة للشعب الإيراني بمكوناته المختلفة، ورغم أنه لم يحمل السلاح في وجه النظام، بل شارك في وضع دستور إيران بعد الثورة، لكن في سنة 1982، اعتقل نظام الخميني الشيخ زادة وحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات بحجة أنه يشكل خطرا على أمن البلاد، وظل محبوسا خمسة أعوام أخرى، تعرض خلالها للتعذيب الشديد والحبس الانفرادي، وأصيب بالعمى، وعندما أوشك على الهلاك أخرجوه من السجن ليموت في بيته بعدها بحوالي أسبوعين، وتحديدا في 9/2/1993.

ومن العلماء الذين قتلهم النظام الإيراني كذلك: الشيخ ناصر سبحاني، في سنة 1992، بعد تعذيب شديد.

كما لم تقتصر الاغتيالات على الداخل، إذ قامت إيران باغتيال عدد كبير من المعارضين في الخارج وسط تواطؤ الدول التي تم فيها الاغتيال، مثل اغتيال المعارض عبد الرحمن قاسملو، في العاصمة النمساوية (فيينا) سنة 1989.

2- هدم مساجد أهل السنة ومدارسهم أو إغلاقها، مثل هدم مدرسة ومسجد نور الإسلام في مدينة جوانرود، ومسجد حاج أحمد بيك في مدينة سنندج، مركز محافظة كردستان، ومسجد الإمام الشافعي في محافظة كرمانشاه، ومسجد آقا حبيب الله في سنندج، ومدرسة خليل الله في سنندج أيضا.

3- محاربة اللغة الكردية، ومنع استخدامها في التعليم، خلافا لما ينصّ عليه الدستور الإيراني، وإغلاق الصحف الكردية، ومنع نشر الأدب الكردي.

4- تهميشهم في المناصب والوظائف وحكم مناطقهم، وإعاقة تشكيل الأحزاب الكردية.

5- الإفقار المتعمد لمناطقهم، وإهمال التعليم والخدمات الصحية.

الدور الإسلامي في قضية كردستان

وقعت كردستان ضحية المؤامرات الدولية في مطلع القرن العشرين الميلادي، وتم تقسيمها بين عدة دول، منها إيران، التي عاملت الأكراد بمنتهى القسوة، شأنهم شأن بقية الشعوب غير الفارسية، الذين يُطلق عليهم أيضا (الشعوب المقهورة في إيران)، ما يستوجب على الدول الإسلامية مدّ يد العون لهم، ومساندتهم للتخلص من الاحتلال الإيراني.

إن مما يجب على الدول الإسلامية إثارته فيما يتعلق بكردستان قضايا هدم المساجد والإعدامات والاغتيالات وانتهاك حقوق الإنسان، ومساندة أهلها في تحقيق استقلالهم أو إقامة إقليمهم الخاص أو الحكم الذاتي، أسوة بأكراد العراق الذين ساندهم العالم لتحقيق هذا الحلم، وينبغي للدول الإسلامية فعل ذلك دون خوف من إيران، فإيران لم تترك شبرا من أراضيهم إلاّ وغمرته بالاحتلال والإرهاب والتخريب وزرع الخلايا النائمة والمتحفزة، الأمر الذي يوجب على الدول الإسلامية الانتقال من خانة الدفاع إلى الهجوم.

وممّا يمكن للدول الإسلامية عمله زيادة التواصل مع أبناء كردستان المقيمين في إيران، وربطهم بالعالم الإسلامي وأهل السنة، وتقديم المنح الدراسية لهم، وتسهيل قدومهم لأداء الحج والعمرة.

كما على المسلمين تفعيل دور الإعلام، وإبراز معاناة الأكراد في إيران والتعريف بقضيتهم في مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل، ولا بأس هنا بإعادة ما ذكره الناشط السياسي الإيراني المعروف الشيخ أبو منتصر البلوشي فيما يتعلق بأهمية الإعلام، إذ أنه يأتي في مقدمة ما يجب على المسلمين والخليجيين أن يقوموا به لدعم أهل السنة في إيران إذ يقول: "الدعم الأهمّ والأول يتمثل في إنشاء محطات إعلامية فضائية باللغة الفارسية، توجّه إلى إيران، فوالله إنها لتفعل فعل السحر في تلك البلاد، التي ستحفظ من جهة إخوتنا من القوميات العربية السنية من الذوبان في القالب الصفوي الفارسي، ومن جهة أخرى سيتسنّن كثيرون من عقلاء الشيعة عندما تتبيّن لهم الحقائق، وتدحض الشبهات والمقولات الباطلة التي يغذيها الإعلام الإيراني ويشوّه بها أهل السنة ومذهبهم، وكذلك الساسة العرب".

المراجع

مواقع وصحف ومجلات ومنتديات: الراصد، ويكيبيديا، الاتحاد الكردستانية، كردستان الجديدة، بوكميديا، باهوز، كوليلك، إيلاف، العربية نت.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top