0
الهجوم الجديد للكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني ككل - وليس غزة فحسب كما يعتبره البعض - جاء في ظروف استثنائية تمر بها الأمة العربية، في ظل الثورتين العراقية والسورية المباركتين على نظامي بغداد ودمشق، والتطورات الجديدة في مصر التي أفقدتها بريق العروبة، فوقفت مع الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وليس ضد حماس كما يتصور البعض. مثلما اعترف (يوفال شطاينتس) وزير المخابرات والشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي في حديث للإذاعة الإسرائيلية العامة: بأن "حماس حركة ضعيفة نتيجة التحولات الجيوسياسية في المنطقة، ونتيجة موقف مصر المعادي لها، وأن هناك علاقات سرية هامة بين تل أبيب والقاهرة بهذه الأيام".
علاوة على تعقد الظروف السياسية في لبنان، والخطر الحوثي الذي يتربص بوحدة اليمن. وفي ظل التقارب بين الفصائل الفلسطينية الذي بانت بشائره في الأفق، علاوة على التطورات الأخرى بعد أن أصبحت فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وانضمامها إلى عدة اتفاقيات ومنظمات دولية، وهي تطورات لا تتناغم مع أهداف الكيان الصهيوني.
إن هذا الهجوم السافر يعتبر أبشع جريمة إبادة جماعية ضد الانسانية، ووصمة عار في جبين الأمم المتحدة، وفقرة مخزية في سجل العالم الذي يسمي نفسه العالم الحر والعالم المتحضر، وعار ما بعده عار لمواثيق حقوق الإنسان ومن يتشدق بها؛ بل هي انهيار للنظام الرسمي العربي الذي ترك المعركة للشعب الفلسطيني فقط وتوارى في الستار مخفياً جيوشه كالدجاجة التي تحتضن بيضها لتفريخه. وما أحداث غزة الأخيرة إلا حلقة في سلسلة الجرائم التي يقوم به الكيان الصهيوني في فلسطين وبقية أرجاء الوطن العربي.
بل إنها حلقة من سلسلة تتوغل في العمق التأريخي، فاليهود كما جاء في التوراة يعتبرون غيرهم من بقية الشعوب أنجاس، وورد في وصاياهم رفض السلام مع الشعوب؛ لأنه لا خير فيهم: "إن الأرض التي تدخلون لتمتلكونها هي أرض متنجسة بنجاسة شعوب الأراضي برجاساتهم التي ملأوها بها من جهة إلى جهة بنجاستهم".
ويوصي اليهود بتعليمات ما أنزل الله بها من سلطان: "فلا تعطوا بناتكم لبنيهم، ولا تأخذوا بناتهم لبنيكم، ولا تطلبوا سلامتهم وخيرهم إلى الأبد".
وهذا ما حذرنا الباري عز وجل منه في القرآن الكريم: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة:82]، ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «ما خلا يهودي قط بمسلم إلا حدث نفسه بقتله».
إن هذا الهجوم الغادر وما صاحبه من غارات جوية بلغت (800) غارة خلال ثلاثة أيام فقط مخلفة ورائها حوالي (700) شخص بين قتيل وجريح علاوة على الخسائر المادية، قد جاء بسبب مبررات سخيفة بحجة اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، بالرغم من عدم اعتراف أي فصيل فلسطيني باختطافهم، فمصدر المعلومات الوحيد هو الكيان الصهيوني نفسه؛ لذا قد تكون القصة كلها مفبركة لشن العدوان، الذي وضع النقاط فوق الحروف مبيناً أن هذا الكيان المسخ الذي يتشدق بالسلام هو نظام عدواني ولا يفهم إلا منطق القوة، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة.
وفعلاً فقد انهالت الصواريخ الفلسطينية لتصب حممها على الرؤوس الخاوية في تل أبيب، محطمة ما يسمى بنظرية الأمن القومي الصهيوني، فلا توجد مظلة عن صواريخ الحق .. كل المناطق التي يحتلها الكيان أمست مكشوفة أمام القوة الصاروخية الفلسطينية من تل أبيب، الخصيرة، أسدود، عسقلان، حيفا وديمونه وغيرها.
وكانت للعملية العسكرية الرائعة التي قامت بها كتائب عز الدين القسام في اقتحام قاعدة زيكيم البحرية رغم شدة الاستحكامات والتحصينات الأمنية مفاجأة صاعقة أذهلت قادة العدو المتغطرس، وجعلتهم يعيدون حساباتهم وتقديراتهم لردة الفعل الفلسطينية تجاه العدوان السافر. حتى المحلل السياسي للإذاعة الإسرائيلية (تشيكو ميناشيه) سخر من أحاديث حكومة نتنياهو حول ضعف حماس، وقال: إنه "يستغرب كيف تقوى حركة ضعيفة على إطلاق الصواريخ إلى تل أبيب وما بعد تل أبيب؟ لقد استخدمت حماس منذ اليوم الأول من المواجهة أوراقاً هامة ومفاجئة، منها الصواريخ، ومنها الأنفاق العسكرية وعملية زيكيم". وعلق المحلل العسكري الإسرائيلي (يوسي ميلمان) قائلاً: "إن العملية كانت مفاجئة، وتركت أثراً كبيراً عليه، وكادت تغير مسار المواجهة الراهنة مع حماس".
لذا أسرعت حكومة (النتن ياهو) إلى تعزيز قواتها العسكرية باستدعاء (10000) آلاف من الجنود الاحتياط، ممن لا يكون لهم تأثير كبير على سير المعارك، سيما بعد أن راهن الفلسطينيون على مطاولة الحرب مما ينهك القوات المعادية التي ترجح العمليات القصيرة الأمد. ومع دخول الجناح العسكري في حركة فتح إلى ميدان المواجهة، بالإضافة إلى إعلان كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس عن إطلاق عملية العصف المأكول للتصدي للهجوم البري المزمع، ستتعزز القوة الفلسطينية - بعون الله - وتشير مصادر وثيقة بأن أية مغامرة صهيونية برية طائشة ستكون وبالاً على حكومة بنيامين (النتن ياهو).
والذي يهمنا في هذا الظرف الخطير هو انكشاف أوراق المتاجرين بالقضية الفلسطينية، فالرئيس بشار الأسد الذي يصفوه الأوباش ببطل المقاومة والتحدي والصمود - بالرغم من أنه لم يطلق رصاصة واحدة لحد الآن على العدو الصهيوني - قد غير مسار طائراته لقصف الأنبار والموصل بدلاً من تل أبيب أو الجولان على أقل تقدير.
ونظام الملالي الحاكم في طهران أرسل طائراته لقصف المناطق المحررة في العراق، ودفع بقوات (فيلق القدس) للقتال في العراق بدلاً من غزة؟ بالرغم من كون العلاقة بين نظام الملالي وحركة حماس علاقة مميزة يفترض أن ترتقي إلى مستوى أفضل، لكن ردة الفعل الإيرانية لم تكن بمستوى أبواقها الإعلامية في دعم القضية الفلسطينية.
وربما يعتب علينا البعض معتبراً الموقف الإيراني أفضل من معظم المواقف العربية! نقول هذا صحيح، ولكن هذه الحكومات لا تطبل لفلسطين كما يطبل حكام ومراجع إيران! ومن هنا يأتي نقدنا لموقف إيران الحالي. فلم يدعِ حاكم عربي إزالة الكيان الصهيوني من الخريطة، ولا تدمير تل أبيب خلال (11) ساعة.
منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية طرح موضوع القضية الفلسطينة كأحدى أبجديات الثورة، وبدأ الإعلام الإيراني يعزف سيمفونية تحرير فلسطين لاستمالة مشاعر العرب بخطط حماسية منبرية لا تتناسب مع حجم الفعل، لكنها تتناغم مع أسماع أولئك الذين انبهروا بشعارات الثورة، وتناسوا حقيقة خطيرة، وهي: أن من يحتل أرضاً عربية لا يمكن أن يساهم في تحرير أرضٍ عربية أخرى! وأن من يساعد على احتلال أراضي عربية لا يمكن أن يحرر أراضي عربية كما جرى في العراق. وأن من يهدد الإمارات والبحرين ويدعي بعائديتهما له لا يمكن الوثوق بشعاراته في التحرير. وأن من يستعبد شعب عربستان لا يمكن أن يحرر شعب فلسطين.
أما نصر الله! وما أدراك ما دجل هذا النصاب! هذه هي الساحة مفتوحة أمامه وأمام حزبه اللعين - الذي يقاتل العراقيين والسوريين - ليحقق شعاره الإمامي: "نحن شيعة علي ابن أبي طالب في العالم، لن نتخلى عن فلسطين ولا عن شعب فلسطين ولا عن مقدسات الأمة في فلسطين". بلا شك أن فتح جبهة أخرى على الكيان الصهيوني من شأنها أن تربك قواته وتشتتها وتغيير حساباته العسكرية، ولكن كما يبدو أن الكيان الصهيوني، إما متأكد من أن حسن نصر الله سوف يبقى متفرجاً على المأساة دون أن يجرؤ على تحقيق شعاره، أو أن هناك تفاهم تحت المنضدة بين الجانبين، ولتسقط الشعارات!
هذه المعركة هي الفيصل الحاسم بين من يناصر القضية الفلسطينية بالكلام، وبين من يناصرها بالفعل، وشتان ما بين الأول والثاني. لقد أشبعنا النظام العربي بالكلام وترهلنا بسببه، ونريد اليوم فعلاً يرتقي إلى مستوى التهديد الذي يتعرض له شعبنا الفلسطيني الصامد.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top