0
من درس: الرافضة (الحلقة الأولى)
قال المصنف رحمه الله:
"والرافضة المتأخرون جعلوا الأصول أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة" اهـ.
الشرح:
تحدثنا عما ابتدعه المبتدعون في أصول الدين وأساسياته، فـالفلاسفة جعلوا للأصول تفسيراً خاصاً، والمعتزلة جعلوها أصولاً خمسة، وهي التي تحدثنا عن آخرها وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرافضة جعلوا أصول الدين أربعة، لكن أي رافضة هم المعنيون؟ قال رحمه الله: " الرافضة المتأخرون" فهنا وقفتان: الأولى: حول اسم الرافضة؛ من هم؟ وما حقيقتهم؟ والوقفة الثانية: كلمة (المتأخرون) ما مقصوده بها؟
فنقول: إن الرافضة سموا بذلك لأنهم رفضوا زيد بن علي، ويطلق عليهم الآن اسم الشيعة، فـالشيعة اسم يطلق على طوائف وملل وفرق شتى منها الرافضة.
أصل نشأة الشيعة:
الشيعي هو من شايع علياً رضي الله تعالى عنه، وماذا كانت عقيدة علي رضي الله عنه ومن معه؟ لقد كانت عقيدتهم السنة والتوحيد والحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد كان أهل العراق الذين مع علي رضي الله عنه، وأهل الشام الذين مع معاوية رضي الله عنه.. كانوا كلهم على مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى الحق، ولا اختلاف بينهم في هذا، وإنما النزاع بينهم في مسألة الطاعة والدخول في البيعة، فكان يقال لمن كان مع علي رضي الله عنه: الشيعة بمعنى أنهم شايعوا علياً أي ناصروه، وليس له أي مفهوم عقائدي.
ولكن لما ظهرت الخوارج، ظهرت في مقابلها فئة من الشيعة تميزوا بالغلو في علي رضي الله عنه، فكان في القرن الأول إذا قيل: شيعي، أو فيه تشيع، أو من الشيعة، فإنه يطلق بعدة اعتبارات، منها: إطلاقه على من يفضل علياً على عثمان رضي الله عنه، وهذا نجده عند كثير من أهل الرواية، ففي كتب الرجال كـالتقريب، والتهذيب كثيراً ما يقال: كان فلان شيعياً، أو فيه تشيع، بالرغم من أن بعضهم علماء أجلاء، لكن كان فيهم هذا المغمز، وهو أنهم يرون أفضلية علي على عثمان رضي الله عنهما، وهذا الأمر مع أنه هين جداً بالنسبة إلى ما قالته الطوائف الغالية، لكنه عظيم عند السلف الصالح رضوان الله عليهم، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه كلمة عظيمة في هذا، قال: "من فضل علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار" أي: جعل عقله أقوم من المهاجرين والأنصار، فأزرى بهم وحط من شأنهم؛ لأنهم أجمعوا - ومعهم علي رضي الله عنه - على بيعة عثمان؛ فإن أهل الشورى الذين اختارهم الخليفة الراشد العادل عمر رضي الله تعالى عنه، اختاروا عثمان من بين الستة - وكان منهم علي رضي الله عنه - وأجمعت الأمة عليه؛ فمن تجاوز ما أجمعت الأمة عليه بأن فضل علياً على عثمان، فقد أزرى بهم وحط من مقامهم، وادعى أنه أعلم منهم بالرجال، وأعلم منهم بمصلحة الأمة.
طوائف الشيعة:
مع أن اسم الشيعة كان يطلق على هذا المعنى - تفضيل علي على عثمان - إلى القرن الثاني أو الثالث ونحو ذلك عند طائفة من العلماء، وكان هذا هو مرادهم من هذه التسمية؛ إلا أن التتبع التاريخي لفرق الشيعة وأفكارهم يكشف حقيقة هامة.
ذلك أن الشيعة الذين ظهروا في زمن علي رضي الله عنه، واستمروا بعد ذلك، ثم أصبحوا يدَّعون أنهم الشيعة، وغلب عليهم هذا الاسم، انقسموا إلى ثلاث طوائف بحسب الوصف، وليست منهم الطائفة التي ذكرناها آنفاً.
فالطائفة الأولى من هذه الطوائف:
هي المفضِّلة، وهي تسمية لها بحسب وصفها، كما سماها شيخ الإسلام رحمه الله - وهي التي سميت فيما بعد بـالزيدية - وهم الذين يفضلون علياً على الشيخين أبي بكر وعمر، وهذا هو الاختلاف بينهم وبين أولئك العلماء أو الرواة الذين وصفوا بالتشيع في بادئ الأمر، فإن تشيعهم كان يتمثل في تفضيل علي على عثمان، أما هؤلاء فأهل بدعة واضحة؛ حيث إنهم فضلوا علياً على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
الطائفة الثانية:
هم المسمون بـالسبابة؛ لأنهم لم يكتفوا بأن يفضلوا علياً على أبي بكر وعمر؛ بل زادوا على ذلك سب الشيخين أبي بكر وعمر، وقد كان شعار الدولة العبيدية الفاطمية: (من شتم وسب فله كيلة وإردب)، فكان الواحد يأخذ من بيت المال بقدر ما يسب الشيخين رضي الله تعالى عنهما، وقد غلوا في السب حتى أصدر الخميني وبعض آيات الضلال دعاء صنمي قريش، جعلوا فيه أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما صنمي قريش، ولعنوهما ولعنوا من والاهما.
الطائفة الثالثة:
المؤلهة، وهم الذين يكفرون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وفي المقابل يؤلهون علياً رضي الله عنه؛ فلذلك سموا بـالمؤلهة.
فالشيعة من جهة علاقتهم بـعلي رضي الله عنه ثلاث طوائف: الأولى: يفضلونه. والثانية: يسبون الشيخين من أجل تفضيله عليهما. والثالثة: يؤلهونه.
إذاً: الطائفة الثالثة اسمها المؤلهة، وهم الذين ينسبون إلى عبد الله بن سبأ اليهودي، وهؤلاء هم الزنادقة الذين أحرقهم علي، وقال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً * * * أجَّجت ناري ودعوت قنبرا
وهي الحادثة التي ذكرها الشاعر الآخر بقوله:
لترم بي المنايا حيث كانت * * * إذا لم ترم بي في الحفرتين
ولما حفر، وأوقد النار، وألقاهم فيها، اعترض عليه عبد الله بن عباس رضي الله عنه؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن التعذيب بالنار.
وقد حكم علي رضي الله عنه على هذه الطوائف الثلاث هو بنفسه: فـالمؤلهة حكم فيهم أنهم كفار مرتدون يحرقون بالنار، وأنفذ فيهم هذا الحكم. والمفضلة حكم فيهم بقوله: "لا أوتين برجل فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد الفرية"، أي: حد القذف، وهو ثمانون جلدة، وورد أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم فيمن يفضله على أبي بكر بحد الفرية، فيكون لـعلي رضي الله عنه أيضاً أسوة في عمر.
والسبابة أراد أن يقتلهم، فغلظ العقوبة عليهم أكثر من المفضلة؛ لأن جريمتهم أشنع بلا ريب، حتى إنه أراد أن يقتلهم وحكم عليهم بالنفي، والنفي أعظم عقوبة من الجلد. فهذا حكمه رضي الله عنه في هذه الطوائف الثلاث، وسيأتي تفصيل ذلك عند شرح رسالة شيخ الإسلام رحمه الله في حكم الرافضة، وهي في الجزء (28) من الفتاوى.
سبب تسمية الرافضة بهذا الاسم:
أما تسمية الرافضة، فقد ظهرت وشاعت عندما قام زيد بن علي بن الحسين بدعوته؛ فحين دعا إلى الخروج على الدولة الأموية، امتحنه أصحابه -وكان منهم أولئك الغلاة الذين اندسوا منذ زمن علي رضي الله عنه بين الشيعة الدعاة إلى حكم آل البيت- وقالوا له: لا نتبعك إلا إذا كفرت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: "كيف أكفرهما وهما وزيرا جدي؟!" يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن من كفرهما، فقد ألحق أعظم التهمة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كيف يتخذ وزيرين كافرين؟! وقد كانا أكثر الناس قرباً منه ودنواً واطلاعاً على حال الأمة، وتسييراً لها بعده، فلو أن رجلاً كان لديه وزيران أو مستشاران كافران.. ألا يقدح ذلك في عدالته؟! فقالوا لـزيد بن علي: إذاً نرفضك، فقال: "رفضتموني"، فسموا الرافضة، هذا من أوضح ما قيل في سبب التسمية.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: "الرافضة رفضوا الإسلام"، قد يريد بذلك سبب التسمية، وقد يريد أن وصفهم وحالهم هو أنهم في الحقيقة رفضوا الإسلام؛ لأنه لا القرآن ولا السنة ولا شيء من أقوال الصحابة وأفعالهم يشهد لما ذهبوا إليه من تكفير أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فحقيقة الرافضة أنهم رفضوا الإسلام، ورفضوا دعوة زيد، مع أن زيداً تبعته الزيدية وقالوا بجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل؛ وعللوا ذلك بأنه كيف يمكن أن يكون أبو بكر وعمر - فضلاً عن عثمان - كفاراً منافقين مرتدين وعلي وزير لهم؟! وكيف يرضى وهو الشجاع الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم أن يكون وزيراً ومستشاراً لصنمي قريش؟! بل إنه يبلغ به الحال إلى أن يزوج عمر ابنته، هذا أمر لا يفعله إنسان مسلم.
لكن الرافضة ردوا هذا القول بقولهم: إنه فعل هذا الأمر تقية.. فيقال لهم: ما الداعي للتقية؟! وأين الصدع والجهر بالحق؟! وأي تقية تصل إلى حد موالاة الكفار وتزويج المسلمة من الكافر؟!
إن هذا الأمر وصمة عار تبين بطلان قول الشيعة جميعاً، فـالزيدية تخلصوا من هذا الإشكال بقولهم: إن الأحق بالإمامة هو علي، وإمامة أبي بكر وعمر صحيحة، وذلك لأنه تجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل. وقالوا: حتى الآن لو بايع المسلمون خليفة مع وجود الأفضل، فإن البيعة تتم للمفضول وتستقر الأمور مع وجود الفاضل.
تأثر الرافضة المتأخرين بعقيدة المعتزلة:
قال المصنف رحمه الله: "والرافضة المتأخرون" فأورد قيداً هنا وهو قوله: (المتأخرون) ذكر المتأخرين؛ لأن الرافضة القدامى كانوا على مذهب التمثيل، فإذا قيل: هذا رافضي، فالأصل في عقيدته أنه من أهل التمثيل والتشبيه، ومنهم هشام بن الحكم الرافضي الذي هو عنوان لأهل التمثيل الذين يقولون: إن الله تبارك وتعالى مثل المخلوقين - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - وسبب التمثيل عند الرافضة: هو أن أصل دينهم مأخوذ عن اليهودية، والتوراة المحرفة فيها تمثيل لله تعالى بخلقه، وقد قام عبد الله بن سبأ بنقل ما في التوراة المحرفة، ثم أخذته عنه الرافضة، وجاء هشام بن الحكم وأمثاله، فكانوا على هذا المذهب المنحرف الخبيث، ثم تحولت الرافضة إلى العدل والتوحيد -أي: إلى الاعتزال- في القرن الرابع تقريباً، لأنه في آخر القرن الثالث كانت فتنة القول بخلق القرآن، ثم نصر الله تبارك وتعالى السنة وأهلها، وأظهر الله الإمام أحمد رحمه الله على أعدائه، فعمت السنة العالم، فانحاز أعداء السنة وتقوقعوا وتجمعوا، وحصل بينهم التلاقح والتلاقي الفكري، فانضم الرافضي إلى المعتزلي، وتكتلت طوائف الشيعة مثل: الضرارية، والنجارية، والبكرية، وغيرها من الطوائف ممن كانت لهم صولة وجولة في أيام المأمون، وناظروا الإمام أحمد رضي الله عنه.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top