يقول: "وأوصيك
أيها الأخ الأعز، أن لا تسيء الظن بهؤلاء العرفاء والحكماء، الذين هم من
خُلَّص شيعة علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين عليهم السلام، وسلَّاك
طريقتهم، والمتمسكين بولايتهم، وإياك أن تقول عليهم قولاً منكراً، أو تسمع
إلى ما قيل في حقهم؛ فتقع فيما تقع، ولا يمكن الاطلاع على حقيقة مقاصدهم
بمجرد مطالعة كتبهم، من غير الرجوع إلى أهل اصطلاحهم".
يزعم أن هؤلاء العرفاء والحكماء من الشيعة.
والشيعة تدعي أن أصل الحكمة منهم، وأن التصوف بجميع شعبه يرجع إليهم.
يقولون: كان
معروف الكرخي - وهو من أئمة الصوفية القدامى المشهورين - نصرانياً رقيقاً
عند علي الرضا، ثم دخل في الإسلام وأصبح من الأولياء الكاملين؛ لأنه عرف عن
طريق الإمام بعض الأسرار، ثم أصبحت قاعدة عندهم أن كل من أراد أن يدعي
التصوف، ويدعي أنه ولي، فلا بد أن تكون بدايته أن يدعي أنه من آل البيت.
فـعبد القادر
الجيلاني له نسب إلى آل البيت، لذلك يعظم ويعبد من دون الله - عياذاً بالله
- ولهم عبارات ينسبونها إليه في ذلك، ويأتي أحمد التيجاني فينتسب إلى آل
البيت، وكذا أحمد الرفاعي، والشاذلي، وأحمد البدوي، فيدعون الانتساب إلى آل
البيت في أول الأمر، ثم يدعون دعوى الولاية والكمال والعصمة والمعرفة.
ولذلك يقول
الخميني: لا تعترض عليهم لمجرد أنك تقرأ في كتبهم مثل عبارة: سبحاني
سبحاني.. ما أعظم شأني! -تعالى الله عن ذلك- وما في الجبة إلا الله؛ لأنك
لا تعرف اصطلاحهم، فلا تنكر عليهم.
ولهذا كان بعض
أوليائهم - عياذاً بالله - يفعل الفاحشة بالحمير على الطريق، والناس يرون
ذلك، والمريدون يقولون: لا تعترضوا على الشيخ؛ لأن من اعترض عليه يصاب
بكذا،
وكم من قبائح ينسبونها إلى مشائخهم لا يفعلها أحد من الناس، وهذا موجود في كتبهم كما في طبقات الشعراني وفي كتب النبهاني.
يقول: "ولا يمكن
الاطلاع على حقيقة مقاصدهم بمجرد مطالعة كتبهم من غير الرجوع إلى أهل
اصطلاحهم، فإن لكل قوم لساناً، ولكل طريقة تبياناً، ولولا مخافة التطويل،
والخروج عن المنظور الأصيل، لذكرت من أقوالهم ما يحصل لك به اليقين" لولا
أنه لا يريد أن يطيل علينا لذكر من أقوالهم ما يدل على أن القوم لهم
اصطلاحات عالية لا يفهمها كل أحد، فهو يترك هذه الأشياء ليعود للحديث عن
الإمامة والخلافة.
منزلة الإمامة عند الشيعة:
يقول: "فإن الولاية هي القرب أو المحبوبية أو التصرف، أو الربوبية أو النيابة، وكلها حق".
الجغرافيا
القديمة تقول: إن الأرض سبعة أقاليم -مع العلم أنه قبل اكتشاف الأمريكيتين
واستراليا والقطبين ما كان الأولياء يدرون بوجودها، وهم مع هذا يزعمون أنهم
يطلعون على الغيب واللوح المحفوظ -فقد كانت الأقاليم عندهم سبعة (إقليم
الهند - وإقليم الصين - وإقليم الروم - وإقليم الحجاز - وإقليم إفريقيا -
وإقليم الشام).
وهم يقولون: إن
الله تعالى استدعى الأولياء السبعة، وأعطى كل واحد منهم مفتاحاً لإقليم،
ليتصرف فيه كما يشاء، وهؤلاء الأولياء منهم أحمد الرفاعي، وعبد القادر
الجيلاني وأمثالهم من الأوائل، فلما ظهر أحمد البدوي، ادعى أتباعه أنه أخذ
المفاتيح السبعة من الأولياء كلهم، وصار هو الذي يتصرف في الأقاليم كلها.
يقول: "الولاية
هي القرب أو المحبوبية أو التصرف أو الربوبية" فلم يكتفوا بنسبة الألوهية
لهم؛ بل أضافوا إليها الربوبية، "أو النيابة" أي أنه ينوب عن الذات في كل
شيء يقول: "وكلها حق" يعني: هذه العبارات حق، وإن اختلفت "والحقيقة وسائر
المراتب ظل وفيء لها" أي: أن الحقيقة والمراتب الأخرى ظل وفيء لهذه
الولاية.
إذاً أيهما أفضل
الولي أم الرسول؟ الجواب: الولي؛ لأن الحقيقة المحمدية ما هي إلا ظل وفيء
لهذه الولاية التي هي الربوبية والنيابة والتصرف، ومن هنا ظهرت تلك البدعة
التي ابتدعها الحكيم الترمذي أولاً، وهي: ختم الولاية، ثم جاء بعده في ذلك
ابن عربي، ثم جاء بعده محمود محمد طه الذي ظهر في السودان.
والصوفية وأشباههم إلى اليوم، يثبتون أن الولي أفضل من النبي، وأن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، ولذلك يقولون البيت المشهور:
مقام النبوة في برزخ * * * فويق الرسول ودون الولي
فأعلى شيء عندهم
الولي، ثم بعد ذلك النبي، وبعد ذلك أدنى شيء هو الرسول، وهذا عكس المعروف،
فكل من يقرأ كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أن أفضل الخلق
جميعاً هم الرسل، وبالذات أولي العزم، ثم بعد ذلك الأنبياء، ثم بعد ذلك
الأولياء، وعباد الله الصالحون، ممن ليسوا بأنبياء.
يقول: "وهي رب الولاية العلوية التي هي متحدة مع حقيقة الخلافة المحمدية في النشأة: الأمر، والخلق ".
فماذا قال الله تعالى عن الخلق والأمر: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ [الأعراف:54]؟ فالأمر والخلق له وحده سبحانه وتعالى، وهؤلاء جعلوا لله شركاء فيه.
يقول: "حقيقة
الخلافة والولاية بمقامها الغيبية التي لا يتعين بتعين ولا يتصف بصفة، ولا
يظهر في مرآة، لا يكون لهما هيئة روحانية أصلاً، وأما بمقام ظهورها في صور
الأسماء والصفات، وانعكاس نورهما في مرائي التعينات هما على هيئة كرات" أي:
الحالة الأولى: لا يطلع عليها أحد، أما الحالة الثانية: التجلي يكون في
المرآة، ويكون شكلها على هيئة كرات "يحيط بعضها ببعض، "ولكن الأمر في
الكرات الإلهية والروحانية على عكس الكرات الحسية، فإن الكرات الحسية قد
أحاط محيطها على مركزها" وهذا هو الأصل؛ فإن لكل كرة محيطاً يحيط بها
ومركزاً هو في وسطها، لكنه يقول: "وفي الكرات الإلهية والروحانية أحاط
مركزها على محيطها، بل المحيط فيها عين المركز باعتبار، والفرق بين الكرات
الإلهية والروحانية أن الأولى كانت مصمتة والثانية مجوفة بالتجويف
الإمكاني، ومن كون الكرات الإلهية مصمتة، كانت إحاطتها بالكرات المحاطة
الإلهية والنازلة الروحانية أتم".
ثم يقول: "لا
تتوهمن أن الإحاطة في تلك الكرات كالإحاطة في الكرات الحسية، من كون بعضها
في جوف بعض، وتماس سطوح بعضها بسطوح بعض، فإن ذلك توهم فاسد، وظن باطل" أي
أنك ستشرك بالله إذا اعتقدت أن الإحاطة في كل الكرات مثل بعض "فإن ذلك توهم
فاسد، وظن باطل، فاخرج عن هذا السجن، واترك دار الحس والوهم، وارق إلى
عالم الروحانيات، وابعث نفسك عن هذه القبور الهالك سكانها، الظالم أهلها".
فهم يرون ما نحن
فيه من قراءة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفتها، أنه
عالم القبور الأموات المظلم، فإذا رقيت إلى عالم الروحانيات رأيت هذه
الكرات التي مركزها ومحيطها وشكلها وسطوحها مجوفة أو مصمتة بهذا الشكل الذي
يسطره لك الخميني.
يقول: "قد وقع في
كلام معلم الصناعة الحكيم أرسطوطاليس، أن الحقائق البسيطة على هيئة
استدارة حقيقية، وبرهن عليه العارف الجليل القاضي سعيد القمي رضوان الله
عليه، فقال في الخوارق الملكوتية " فكأنه يقول: إنهم ليسوا مقلدين لـأرسطو،
بل عندهم من أئمة الكفر من زاد على كفر أرسطو بأن وضح وبرهن على ما قاله
أرسطوطاليس، يقول: "الحقائق البسيطة سواء كانت عقلية أو غيرها، يقتضي
بذاتها استدارة حقيقية على حسب سعة الدرجة وضيقها، وكل يعمل على شاكلتها؛
وذلك لأن نسبتها إلى ما دونها من محيطتها لا يختلف بجهة دون جهة؛ فلو كانت
غير مستديرة لاختلفت النسبة، وهذا خلف لا يمكن" اهـ.
يقول: "وهذه مرقاة لفهم حقائق الأسماء الإلهية، وإن كان الفرق بينهما ثابتاً كما أشرنا إليه".
ثم يقول: "هذا
الذي أشرنا إليه أنموذج لأرباب الأسرار، وإياك أن تهتك سراً عند الأغيار"
يعني: إياك أن تفشي هذه الأسرار، وتهتك أسرار القوم عند الأغيار، فإن
الصوفية يسمون غيرهم -حتى لو كانوا رسلاً وأنبياء- أغياراً، لأنهم يعدون
أنفسهم من الذات، والأغيار عندهم من كانوا من غير الذات، وهم الجهلة أو
المحجوبون أو العمي الذين لا يعرفون النور الذي يزعمونه.
حقيقة النبوة والولاية عند الشيعة
يقول: "مصباح؛ إن
النبوة الحقيقية المطلقة هي إظهار ما في غيب الغيوب في الحضرة الواحدية،
حسب استعدادات المظاهر، بحسب التعليم الحقيقي والإنباء الذاتي، فالنبوة
مقام ظهور الخلافة والولاية، وهي مقام بطونها" إلى أن يقول في مصباح آخر:
"إن الإنباء والتعليم بحسب نشأة الوجود، ومقامات الغيب والشهود، مختلف
المراتب، فإن لكل قوم لساناً: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم:4]".
واللسان المعني
في هذه الآية هو اللغة؛ (بلسان قومه) أي: بلغتهم؛ ليقيم الحجة عليهم،
والخميني يؤولها بأن لكل قوم لساناً، أي: مرتبة ودرجة.
ثم يقول: "فمرتبة
منها ما وقع لأصحاب سجن الطبيعة"، فيزعم أننا نحن نعيش في سجن الطبيعة،
"وأرباب القبور المظلمة في عالم الطبيعة، ومرتبة منها ما وقع لأهل السر من
الروحانيين والملائكة المقربين".
ثم يقول: "ومنها
ما وقع في الحقيقة الإطلاقية من حضرة الاسم الأعظم، رب الإنسان الكامل،
ومرتبة منها ما وقع للأعيان الثابتة في حضرة العين الثابت المحمدي، ومرتبة
عالية منها ما وقع لحضرة الأسماء في مقام الواحدية -أي: أسماء الله تعالى
في مقام واحديته- والنشأة العلمية الجمعية من حضرة الاسم الأعظم لمقامه
الظهوري، وفوق ذلك لا يكون إنباءً وظهوراً بل بطون وكمون" ثم يقول: "هل
بلغك إشارات الأولياء عليهم السلام، وكلمات العرفاء رضي الله عنهم، أن
الألفاظ وضعت لأرواح المعاني وحقائقها، فهل تدبرت في ذلك؟ ولعمري إن التدبر
فيه من مصاديق قوله عليه السلام: "تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة"، فإنه
مفاتيح المعرفة وأصل أصول فهم الأسرار القرآنية".
يريد أن يقول:
إذا أردتم أن تفقهوا كلام الأئمة أو الأولياء، فتدبروا على طريقتهم وعلى
منوالهم، هذا هو المشار إليه في العبارة المنسوبة إلى علي رضي الله عنه،
فبهذا التدبر يصل المرء إلى حقيقة معرفة مقام هؤلاء الأولياء.
يقول: "اعلم أن
الإنباء في تلك الحضرة، هو إظهار الحقائق المستكنة في الهوية الغيبية على
المرائي المصقلة المستعدة لانعكاس الوجه العيني فيها حسب استعداداتها
النازلة من حضرة الغيب بهذا الفيض الأقدس، فاسم الله الأعظم أي: مقام ظهور
حضرة الفيض الأقدس، والخليفة الكبرى والولي المطلق، هو النبي المطلق
المتكلم على الأسماء والصفات، بمقام تكلمه الذاتي في حضرة الواحدية، وإن لم
يطلق عليه اسم النبي، ولا يجري على الله تعالى اسم غير الأسماء التي وردت
في لسان الشريعة؛ فإن أسماء الله توقيفية"، كيف تكون أسماء الله توقيفية
وهو يقول: الله هو النبي؟!!
فالنبي عندهم هو الله -تعالى الله عما يقولون- ومع ذلك يقول: أسماء الله توقيفية، وإلا لأطلقه عليه، فهذه هي النبوة عندهم.
يقول: "قد ظهر
شأن النبي صلى الله عليه وسلم وآله في كل نشأة من النشآت، وعالم من
العوالم، حفظ الحدود الإلهية، والمنع عن الخروج عن حد الاعتدال، والزجر عن
مقتضى الطبيعة، أي: إطلاقها لا على الإطلاق؛ فإن المنع على الإطلاق خروج من
قول الحكمة، وقصر في الطبيعة، وخلاف العدل في القضية، وهو خلاف النظام
الأتم، والسنة الجارية؛ فالنبي هو الظاهر باسمي: الحكم، العدل؛ لمنع لإطلاق
الطبيعة، والدعوة إلى العدل في القضية.. وخليفته مظهره ومظهر صفاته، وهذا
أحد معاني قوله عليه السلام في حديث الكافي والتوحيد: "وأولو الأمر
بالمعروف والعدل والإحسان" أي اعرفوهم بكذا، إلا أن في الكافي: بالأمر
بالمعروف، وليس هنا مقام تحقيق الحديث، وقد أشبعوا الكلام المشايخ العظام
فيه".
والخميني - كما
قال في كتابه الحكومة الإسلامية: "إن لأوليائنا مقاماً أو مرتبة وخلافة
كونية تخضع لها جميع ذرات الوجود" - فهو أيضاً يقول هنا: "إن شأن النبي صلى
الله عليه وسلم في كل نشأة من النشآت وعالم من العوالم، هو حفظ الحدود
الإلهية على حد الطبيعة التي يريدها الله تعالى"، فهو إذاً الذي يدبر أو
يصرف هذا الكون، ومعه الأئمة، فهو الظاهر باسمين من أسماء الله: الحكم
والعدل.
يقول: "قال كمال الدين عبد الرزاق الكاشاني في مقدمات شرحه على قصيدة ابن الفارض".
وابن الفارض هذا وابن عربي شقيقان وتوأمان في الكفر والضلال والإلحاد.
يقول: "قال كمال
الدين عبد الرزاق الكاشاني في مقدماته شرحه على قصيدة ابن الفارض: النبوة
بمعنى الإنباء، والنبي هو المنبئ عن ذات الله وصفاته وأسمائه وأحكامه
ومراداته، والإنباء الحقيقي الذاتي الأولي ليس إلا للروح الأعظم الذي بعثه
الله تعالى إلى النفس الكلية أولاً".
والنفس الكلية
قال بها الفلاسفة قال: "ثم إلى النفوس الجزئية ثانياً، لينبئهم باللسان
العقلي عن الذات الأحدية، والصفات الأزلية، والأسماء الإلهية، والأحكام
القديمة، والمرادات الحسية".
إن الخلاف بيننا وبينهم ليس في أنهم يحبون علياً أكثر منا كما يقول البعض، بل هو خلاف بين الشرك والتوحيد، وبين الباطنية والإسلام.
إذاً: قول شارح
العقيدة الطحاوية رحمه الله: "والرافضة المتأخرون جعلوا الأصول أربعة..."
يبين أن للرافضة أصولاً أربعة، وبالرغم من ذلك فهم يعدون الإمامة هي الركن
الركين والأصل الأصيل من بين أصولهم هذه.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).