بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه وسلم، أما بعد:
ففي البيان الذي نشرته شبكة الشيعة العالمية فقرات ناقشتها في مقال سابق ومن تلكم الفقرات ما يأتي:
"تجدر الإشارة إلى أن المرجعية في العراق أعلنت الحداد لمدة أسبوع كامل تعبيراً عن حزنها العميق ومواساة لصاحب العزاء الإمام الحجة المهدي بن الإمام الحسن العسكري وحفيد الإمام الهادي والمالك الشرعي للبيت الذي دفن فيه أبوه وجده".
أقول:
1- إن الإسلام لم يشرع الحداد إلا للنساء المتوفى عنهن أزواجهن، فعدتهن أربعة أشهر وعشراً، إن كانت غير حامل؛ فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، ولو وضعته بعد موت زوجها بساعة، وعدة المطلقات ثلاثة قروء، أو بوضع الحمل، واليائسات واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر، وإذا كان الميت غير زوج للمرأة فليس لها أن تحد على أحد أكثر من ثلاثة أيام، ولو كان الميت أباها أو أخاها أو ابنها؛ فمن أي شريعة استمدت المرجعية الشيعية هذا الحداد؟!
2 - ويقول البيان إن هذا الحداد يعبر عن الحزن العميق، ومواساة لصاحب العزاء الإمام الحجة المهدي ابن الإمام الحسن العسكري.
ونقول: كيف علمتم أن هذا الإمام على - فرض وجوده - قد حزن على هدم مشهد أمر جده رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدمه وهدم أمثاله(1)؟!
وكيف علمتم أنه يستقبل التعازي والتهاني؟!
إنها والله لخرافات قائمة على خرافات ودجل يعيش عليه ملايين من البشر باسم الإسلام وباسم أهل البيت وباسم المهدي الذي لم يوجد.
ولقد ترتب على إعلان هؤلاء المرجعية للحداد والعزاء والدعوة إلى المظاهرات، بل وتحريض بعضهم على قتل أهل السنة، وإحراق المساجد مآسٍ دامية ذهب ضحيتها أرواح بريئة ومساجد يذكر فيها اسم الله، ومصاحف أحرقت ومزقت، وما أظن أن هذه الفظائع مست مشاعر ولا هزت ضمائر من هيجوا هذه الفتنة العمياء من الآيات الرافضية.
أهل السنة يؤمنون بأن هناك مهدياً يخرج في هذه الأمة في آخر الزمان، يملأ الدنيا عدلاً كما مُلِئَت جوراً، وأنَّ هذا المهدي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, اسمه يوافق اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه يوافق اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن اسمه محمد بن عبد الله لا ابن الحس!!
فهذا المهدي بهذه الصفات يؤمن به أهل السنة والجماعة؛ لأن ذلك قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويكون عند خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام.
ولا يتميز للناس إلا بعمله وجهاده وعدله، وانطباق الصفات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه, لا بالخرافات والأكاذيب التي يبرأ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام والمسلمون.
فهذا المهدي الذي دلَّت عليه الأحاديث الصحيحة وآمن به أهل السنَّة فلا يُؤمن به الشيعة؛ لأنهم لا يُؤمنون بالسنَّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مدارها على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأصحاب محمد عندهم كذابون, بل كفار مخلدون في النار إلا عدداً قليلاً, بل هم يعتبرون القرآن محرفاً حرفه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما يتظاهرون بالإيمان به يتلاعبون بمعانيه, وانظر كتب تفاسيرهم للقرآن ترى العجب العجاب.
أما بخصوص المهدي الذي يزعمون بأنه الإمام الثاني عشر، وأنه ابن الحسن العسكري الإمام الحادي عشر، فهناك من روايات الروافض ما يدل أن هذا المهدي لم يولد ولا وجود له، وذلك أن السلطات في ذلك الزمن(2) جاءت بنساء إلى جواري الحسن العسكري فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل, فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم (خادم الخليفة العباسي) وأصحابه ونسوة معهم... فلما دفن الحسن العسكري أخذ السلطان والناس في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور، وتوقفوا في قسمة ميراثه, ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين بطلان الحمل, فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر [الأصول من الكافي لأبي جعفر الكليني (1/505)](3).
وهذا هو الواقع بأن الإمام الثاني عشر المزعوم لم يولد لا للحسن العسكري ولا لغيره.
مدة غيبة هذا المهدي المنتظر!!
هناك رواية عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر أنه قال: "إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد, يا بني إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به إنما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه, لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه.
قال: فقلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟
فقال: يا بني عقولكم تصغر عن هذا, وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه" [الكافي للكليني (1/336)].
أقول:
وقد عاش ذاك الجيل ولم يدركوه، وعاشت أجيال بعدهم قروناً ودهوراً تقارب مائتي سنة وألف سنة ولم يدركوه، ولن يدركه أحد إلى يوم القيامة, وكيف يدركون من لم يوجد؟!
وروى الكليني بإسناده إلى أصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكراً ينكت في الأرض, فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبة منك فيها؟ فقال: لا والله ما رغبت فيها, ولا في الدنيا يوماً قط، ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً, تكون له غيبة وحيرة, يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون, فقلت: يا أمير المؤمنين! وكم تكون الحيرة والغيبة؟ قال: ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين, فقلت: وإن هذا لكائن؟ فقال: نعم كما أنه مخلوق، وأنى لك بهذا الأمر يا أصبغ! أولئك خيار هذه الأمة مع خيار أبرار هذه العترة, فقلت: ثم ما يكون بعد ذلك؟ فقال: ثم يفعل الله ما يشاء؛ فإن له بداءات وإرادات وغايات ونهايات" [الكافي (1/338)].
يبدو أن هذا النص افتراه الزنادقة عقب موت الحسن العسكري الذي(4) لم يولد له أحد؛ لتخدير عقول الروافض حتى يجدوا لهم حيلة أخرى يمددون بها غيبته إذ الروافض لا عقول لهم ولا دين صحيح تتربى عليه عقولهم ثم، استطاع الدهاة أن يمددوا غيبته إلى يومنا هذا من عام مائتين وستين إلى سبعة وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة والروافض مستعدون لقبول التمديد إلى يوم القيامة التي يبعث فيها الناس ولا يبعث هذا المنتظر؛ لأن الله لم يوجده.
ومن أكاذيب الروافض أن بعضهم يدعي أنه رآه - أي رأى المهدي - وانظر الكافي للكليني [(1/ 328- 332)]، وهناك بعض الروايات تقول إنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه.
قال الكليني: "علي بن محمد عمن ذكره عن محمد بن أحمد العلوي, عن داود ابن القاسم قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن؛ فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك, قال: إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه, فقلت فكيف نذكره؟ فقال: قولوا الحجة من آل محمد عليهم السلام" [الكافي للكليني (1/ 328)].
وهذا من المهازل, إنسان لا يرى شخصه، ولا يحل ذكر اسمه، ويكون هو الحجة الوحيد من آل محمد الذين يعلمون الغيب، ويتصرفون في الكون كما يزعم الروافض؛ بل لهم سلطة تكوينية على كل ذرة من ذرات الكون في دين الروافض؟!
وقال الكليني: "عدة من أصحابنا عن جعفر بن محمد عن ابن فضّال عن الريان ابن الصلت قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: وسئل عن القائم فقال: لا يرى جسمه ولا يسمى اسمه".
وقال الكليني: "محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبد الله قال: صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر" [الكافي (1/333)].
انظر إلى هذه البلايا في دين الروافض, إمامهم العظيم صاحب الأمر من بين أهل البيت بل من بين الأمة كلها لا يرى جسمه، ولا يسمى اسمه؛ بل لا يسميه إلا كافر.
فأي دين هذا الذي يؤمن أهله بهذه الترهات، ويوالون ويعادون عليها, بل يكفّرون الأمة ويستبيحون أعراضهم ودماءهم وأموالهم من أجلها؛ فالأنبياء يذكرون بأسمائهم، فيقال آدم ونوح وموسى عليهم السلام.. وهكذا وهذا المعدوم المفترى لا يجوز ذكر اسمه بل لا يسميه إلا كافر عندهم.
شجاعة المنتظر!!
روى الكليني بإسناده إلى زرارة قال: "سمعت أبا عبد الله يقول: إن للقائم غيبة قبل أن يقوم, قلت: ولم؟ قال: إنه يخاف,- وأومأ بيده - إلى بطنه, يعني القتل" [الكافي (1/338)].
وروى مرة أخرى بإٍسناد آخر إلى زرارة بن أعين قال: قال أبو عبد: الله لا بد للغلام من غيبة, قلت: ولم؟ قال يخاف وأومأ بيده إلى بطنه وهو المنتظر، وهو الذي يشك الناس في ولادته فمنهم من يقول: حمل ومنهم من يقول مات أبوه ولم يخلف ومنهم من يقول ولد قبل موت أبيه بسنتين" [الكافي (1/342)].
أقول:
فهل سمعت أذن أو رأت عين في تاريخ الإنسانية أجبن من هذا الرجل الذي استولى عليه الخوف والهلع قرابة ألف ومائتي عام مضيعاً لإمامته, وأمانته ومسؤوليته فلا يحكم بما أنزل الله ولا ينهى عن منكر، ولا يأمر بمعروف، ولا يجاهد في سبيل الله، ولا يدعو إلى الله, وقد تفرقت الأمة إلى فرق متناحرة تسفك فيها الدماء وتنتهك الأعراض ويستولي عليهم النصارى واليهود والهنادك وقبلهم التتار وهو مختبئ في الظلام ترتعد فرائصه طوال هذه المدة خوفاً على نفسه.
هذا حاصل ما يعتقده الروافض في هذا المهدي المزعوم؛ فهل هناك عقيدة تهين أهل البيت مثل هذه الإهانة؛ هذا لأنهم يزعمون أن هذا الرجل من أئمة أهل البيت.
برَّأ الله أهل البيت من هذا الهلع والجبن؛ فإنهم من أشجع الناس، ولا يفرون إذا لاقوا, أليس في بعض هذه الغيبة ما يدل على أنَّ شيوخ الروافض أكذب الناس وأشدهم دجلاً، وأن الأتباع من أحط الناس عقولا وإدراكاً، وأن هذا المنتظر لم يوجد من الأساس.
ألا يكف شيوخ الرفض عن الضحك على البلهاء وأكل أموال الناس والسيطرة على عقولهم باسم أهل البيت؟!
الأرض كلها للإمام بل للروافض!!
قال الكليني: "باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام"، وساق عدداً من الروايات، ومنها بإسناده إلى أبي جعفر قال: "وجدنا في كتاب علي عليه السلام: أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين, أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون, والأرض كلها لنا فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤدِ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها..." [(1/407)].
أقول:
حاشا علياً رضي الله تعالى عنه أن يفتري على الله هذا الافتراء العظيم، وبرأه الله من الروافض.
والقرآن ذكر الله فيه هذا النص من قول موسى عليه الصلاة والسلام, والمقصود بالمتقين الأنبياء وأتباعهم قبل موسى وبعده ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، ومنهم صالحوا أهل البيت، وصالحوا سائر المؤمنين من هذه الأمة، وحظ الروافض من هذا التقية لا التقوى؛ لأنهم أعداء لأهل التقوى.
ثم لا ندري ما هو الواجب في الأراضي التي تكون بأيدي اليهود والنصارى والوثنيين؟ وما هو سر السكوت عن حكمها؟
قال الكليني: محمد بن يحيى, عن محمد بن أحمد, عن أبي عبد الله الرازي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه, عن أبي بصير, عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قلت له: أما على الإمام زكاة؟ فقال: أحلتَ يا أبا محمد! أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء, ويدفعها إلى من يشاء, جائز له ذلك من الله, إن الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبداً ولله في عنقه حق يسأله عنه" [الكافي: 1/ 408-409].
هكذا يفتري الروافض على أبي عبد الله أنه يقول: أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء, ولقد نزَّلوا الإمام منزلة رب العالمين الذي يقول: ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى﴾ [الليل:13]، ويقول تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الحديد:1-2]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ [الحديد:5].
والقرآن مليء بتقرير هذه العقيدة العظيمة، وعليه إجماع المسلمين الذين يؤمنون بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر، والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا﴾ [الجن:21]، ويأمر رسوله أن يقول: ﴿قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف:188]، ولم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيره من الأنبياء هذه المنزلة التي أعطاها الروافض لهذا الإمام المزعوم، وبرأ الله علياً وذريته من هذا الإفك الذي يلصقه بهم هؤلاء الغلاة من الروافض.
وفي هذه الفرية الكبرى تأليه للإمام - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً - فالله هو الذي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا شريك له في ذلك.
وهذا الحق لم يُعطَ لا لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لأحد غيره من الأنبياء، فحتى الشفاعة يعتذر عنها آدم عليه الصلاة والسلام ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى أولوا العزم وأفضل الرسل، ويقول كل واحد منهم: «إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله اذهبوا إلى غيري».
ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا بعد أن يأذن الله له ويحدَّ له حداً، ثم بعد شفاعة محمد يأذن الله لمن شاء من أنبيائه والملائكة والمؤمنين، ويحد لكل منهم حداً لا يتجاوزه، ولا يقبل الله شفاعة أحد في الكافرين؛ فهل الإمام أفضل من الأنبياء والملائكة؟
عند الروافض: نعم! وقد صرحوا بأن للأئمة منزلة عند الله لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل, بل قالوا: إن للإمام سلطة تكوينية لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل. وهذا من أغلظ أنواع الكفر, وهذا يدلك أن دين الروافض دين مناقض للإسلام ومهدّم لأصوله وعقائده وقواعده وما قالوه في هذا النص "جائز له ذلك من الله... إلخ إنما هو من الخبث والخداع وذر الرماد في العيون وتغطية لاعتقادهم غلاتهم بألوهية الأئمة.
قال الكليني: "محمد بن يحيى, عن محمد بن أحمد, عن محمد بن عبد الله بن أحمد عن علي بن النعمان عن صالح بن حمزة عن أبان بن مصعب, عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس, قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال: إن الله تبارك وتعالى بعث جبرائيل عليه السلام وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض, منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشّوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات, فما سقت أو استقت فهو لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه شيء إلا ما غصب عليه وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه يعني بين السماء والأرض, ثم تلا هذه الآية "قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا (المغصوبين عليها) خالصة (لهم) يوم القيامة "بلا غصب" [ص409].
نسأل الشيعة لماذا يتحدث الإمام عن البلدان التي فتحها الخلفاء الثلاثة الراشدون وبنو أمية وكلهم من قريش ولم يتحدث هذا الإمام عن أنهار أوروبا وإفريقيا وأمريكا وأستراليا؛ بل لم يكتشف القارتين أمريكا وأستراليا للشيعة؟!
ولعلَّ هذا تسامح مع أصدقاء الشيعة؛ فلا يعد سُكَّان هذه البلدان مغتصبين وليس عليهم خراج!
ونسي كذلك أن يتحدث عن مناطق البترول، أو هو تسامح من هذا الإمام وعليه فلا يجوز المطالبة بهذه المناطق!
ثمَّ أقول:
إنَّ هذا لمن افتراء الروافض، وحاشا أهل البيت ومنهم أبو عبد الله الصَّادق أن يفتري على الله هذا الافتراء الجسيم وأن يُفسِّر كتاب الله بهذا التفسير السخيف.
إنَّ هذا والله لمن افتراء الروافض الذين لا يُروى ظمؤهم من سفك دماء المسلمين وسلب أموالهم.
ومن الأدلة على أن هذا من إفكهم قولهم: "وما كان لنا فهو لشيعتنا..." وهذا بيت القصيد.
وقولهم: "وإنَّ ولينا لفي أوسع فيما بين ذه وذه بين السماء والأرض..." الخ.
وهذا بيت القصيد أيضاً.
واعتقادهم أنَّ ما بأيدي المسلمين مغصوب منهم من أعظم دعاويهم الكاذبة الدَّالة على تكفيرهم المسلمين وحقدهم عليهم.
ما هذا الجشع يا شيوخ الروافض؟ وما هذا الهوس والأنانية؟! أنهار الدنيا كلُّها التي افتتحتها قريش للإسلام تعتبرونها لكم! بل تعتبرون أنَّ الأرض كلَّها وما بين السماء والأرض لكم, وأنَّ المسلمين مغتصبون لأراضيكم وحقوقكم، والظاهر أنكم تتسامحون مع غير المسلمين فلا تعتبرون ما بأيديهم من الأراضي مغصوبة منكم لأسرار تعلمونها!!
خروج القائم وماذا سيحصل منه من الانتقام المُهلك في نظر الروافض:
كما يصورونه!!
قال الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله في كتاب "الشيعة وأهل البيت" [ص (218-220)]: "ومن أكاذيبهم على أهل البيت: أنهم نسبوا إليهم الأقوال والروايات التي تنبئ بخروج القائم من أولاد الحسن العسكري الذي لم يولد له مطلقاً في آخر الزمان، وإحيائه أعداء أهل البيت، وقتله إياهم حسب زعمهم. كما أورد الكليني - محدث القوم وبخاريهم - عن سلام بن المستنير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يحدث إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب؛ فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه، أو يؤدى الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة, ويشد على وسط الهميان ويخرجهم من الأمصار إلى السواد(5).
وليس هذا فحسب, بل أورد الصافي مفسر القوم رواية عن جعفر أيضا أنه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائهم(6).
هذا ولا يكتفي على قتل ذراريهم, بل يحيى آباءهم ويقتلهم كما روى المفيد كذباً على جعفر بن الباقر أنه قال: إذا قام القائم من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم فأقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم, ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم, ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات(7).
ولقد أورد العياشي أنه يقتل أيضاً يزيد بن معاوية وأصحابه كما يقول: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن على عليه السلام وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو القذة بالقذة(8).
ولم يقتنع القوم بهذه الأكاذيب, ولم يشف غليلهم حتى بلغوا إلى أقصاه, فافتروا على محمد الباقر أنه قال: أما لو قام قائمنا ردت الحميراء (أي أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها) حتى يجلدها الحد, وحتى ينتقم لابنة محمد صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام منها, قيل: ولم يجلدها؟ قال: لفريتها على أم إبراهيم, قيل: فكيف أخره الله للقائم (ع)؟ قال: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله رحمة, وبعث القائم عليه السلام نقمة(9).
كما أنهم حكوا روايات كثيرة باطلة, ونسبوها إلى أئمتهم نذكر منها واحداً أن أبا جعفر الباقر قال: كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والمؤمنون بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد... وأول من يبايعه جبرائيل(10).
التعليق على كلام الشيخ إحسان رحمه الله:
أقول:
1- لا وجود لهذا المهدي الذي يفتريه الروافض، ولكن لا بد من مناقشة هذا الفكر الشعوبي المجوسي الحاقد على الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى الإسلام، والحاقد على أهل بيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه وأزواجه والمسلمين؛ ذلكم الحقد الأسود الذي لا نظير له والذي يتستر أهله بأهل البيت.
2- قولهم: إذا قام القائم عرض الإيمان على كل ناصب؛ فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه، أو يُؤدِّي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة, ويشد على وسطه الهميان، ويخرجهم من الأمصار إلى السواد.
أقول: الذين يُسمِّهم الروافض: "بالنواصب" هم المسلمون حقاً, ورفضهم لدين الروافض هو الحق الذي لا يجوز غيره.
3- وقتله المزعوم للذراري قتلة الحسين بعد مئات السنين بفعال آبائهم لا يجوز إلا في دين الروافض، وهو من أكبر الأدلة على أن مفتريه رافضي حاقد متعطش لسفك الدماء وليس له أي صلة بالإسلام وأحكامه, بل لا صلة له بالشرائع كلِّها. فالله تعالى يقول: ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الإسراء:15]، وهذا في ملة إبراهيم ومن بعده من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا سيما محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.
4- وقتله المزعوم لأكثر من ستة آلاف من قريش على رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لا يجوز إلا في دين الروافض, وهذا الكلام يدل على أنَّ واضعه رافضي شعوبي حاقد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعشيرته الأقربين.
وهذا ضد معاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش, لقد أكرمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة غاية الإكرام, الأمر الذي دفعهم إلى الدخول في الإسلام عن بكرة أبيهم, وأكرمهم يوم حنين غاية الإكرام, ومع أنه فتح مكة عنوة لم يغنم أموالهم وعقارهم ولم يقسمها إكراماً لهم.
ولما ارتدَّ كثير من العرب كانوا من أثبت الناس على الإسلام، ومن أشدِّ الناس على أهل الردة الذين يدافع عنهم الروافض ويطعنون في الصحابة وفي جهادهم للمرتدين.
فهذا الذي يقوله الروافض من أكبر الأدلة على عداوتهم لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعشيرته, وعلى حقدهم على الإسلام والمسلمين, ولو كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عندهم أدنى احترام لما خطر على بالهم ولا تحركت شفاههم وأقلامهم بهذه الأفاعيل التي يريدون أن ينزلوها بعشيرته الأقربين.
إنَّ تاريخ العبيديين والقرامطة والبويهيين والصفويين لَمِن أكبر الشواهد على عداوة الروافض للإسلام والمسلمين، ولشدة مكرهم تراهم يُغطُّون هذه العداوة بتسترهم بأهل البيت. ووالله ما أساء أحد مثلهم إلى أهل البيت!
فهم الذين اخترعوا الرفض، واخترعوا هذا المهدي؛ ثمَّ يُصوِّرُونه في هذه الصورة الهمجية تقصداً منهم للإساءة إلى أهل البيت وتشويههم.
فهذه الصورة الوحشية الانتقامية يرفضها ويُدِينُها أضلُّ الناس وأجهلهم فضلاً عن أهداهم وأعقلهم وما تُنسب إلى أهل البيت وإلى الإسلام إلا للتشويه الذي لا يفعله إلاَّ أشد الناس عداوة للإسلام ولأهل البيت.
5- وقولهم: "أما لو قام قائمنا ردت الحميراء" - أي أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها - حتى يجلدها الحد, وحتى ينتقم لابنة محمد صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام منها".
قيل: ولم يجلدها؟ قال: لفريتها على أمِّ إبراهيم, قيل: فكيف أخره الله للقائم (ع)؟ قال: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله رحمة, وبعث القائم عليه السلام نقمة".
أقول:
عائشة رضي الله عنها المؤمنة الصادقة أم المؤمنين الشريفة الطيبة النزيهة التي اختارها الله لرسوله فكانت أحب أزواجه إليه ومات في بيتها وبين حاقنتها وذاقنتها لحبه إياها وإكرامه لها, برأها الله من فوق سبع سماوات في عشر آيات يتلوها المؤمنون من عهد نزولها في مشارق الأرض ومغاربها.
قال الله تبارك وتعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النور:11-20].
فالمؤمنون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا يُحسنون الظن بأم المؤمنين قبل أنفسهم، ويقولون فيما رميت به هذا إفك مبين، ويقولون عند تلاوة هذه الآيات ردّاً على الأفَّاكين: (سبحانك هذا بهتان عظيم).
أمَّا أعداء الله تعالى فيحبُّون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا، ويُؤكدونها بافتراءاتهم على عرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
والمؤمنون من عهد نزول هذه الآيات إلى يومنا هذا يؤمنون ببراءة عائشة زوج رسول الله الطاهرة رضي الله عنها ويحبونها ويعتبرونها أم المؤمنين وأفضل زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهن وأتقاهن, ويختلف العلماء أيهما أفضل عائشة أو خديجة رضي الله عنهما.
والله يقول في سورة النور: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور:26]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الطيبين، وزوجه عائشة من أفضل السيدات الطيبات بشهادة الله لها، وإبرائه إياها, والذي يطعن فيها إنما يقصد الطعن في رسول الله، ويقصد تكذيب الله وما أنزل الله في شأنها من قرآن، ولا يطعن في عرض رسول الله إلا المنافقون أخبث الخبثاء والخبيثات.
فانظر هذا الحط على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والطعنُ فيه, فعائشة رضي الله عنها طعن فيها المنافقون وبرأها الله ووراثهم يطعنون فيها.
قال القمي [في تفسيره (2/99)]: "وأما قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ فإنَّ العامة - ويقصد بهم الصحابة وأهل السنة - رَوَوْا أنَّها نزلت في عائشة وما رُمِيَت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة.
قال: وأما الخاصة - ويقصد بهم الروافض - فإنَّهم رَوَوْا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة (والمنافقات)" اهـ.
والظاهر أنه يقصد بالمنافقات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق قصة مكذوبة على عائشة رضي الله عنها مدارها على زرارة الرافضي الأفاك عن أبي جعفر يعني محمد بن علي بن الحسين وحاشاه من هذه الفرية.
وأهداف الروافض من هذه القصة:
1- أن عائشة ما زالت متهمة بالزنا عند الروافض؛ لأن هذه الآيات العشر لم تنزل في براءتها وإنما نزلت في براءة مارية التي قذفتها عائشة كما يفتري عليها الروافض.
2- الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدرجة الأولى؛ لأن عائشة بقيت في عصمته ست سنوات إلى أن مات في بيتها وهي في عصمته، وهذا رمي من الخبثاء لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرفه وكرامته ورسالته ورجولته؛ إذ من عنده أدنى رجولة وشهامة لا يبقي في عصمته امرأة رميت بالزنا ولم تثبت براءتها، وهذا ما يهدف إليه الروافض, وهذا حالها عند الروافض؛ فأي طعن خبيث في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم يفوق هذا الطعن؟!
3- وما اكتفى الخبثاء حتى افتروا على عائشة أنها قذفت مارية بالزنا ليصوروا للناس - بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر بيت على وجه الأرض - بأنه شر بيت فيه شر النساء ألا ساء ما يزرون وما يأفكون، فزوجات رسول الله قال الله فيهن: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ [الأحزاب:32]، فكنّ رضوان الله عليهن أفضل النساء تقوى وأخلاقاً، وسماهن الله بأمهات المؤمنين تكريماً لهن قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ﴾ [الأحزاب:6]، وقال تعالى فيهن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:28-29].
فما كان منهن رضي الله عنهن لما عرض عليهن رسول الله هذا التخيير إلا أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة, وعلى رأسهن وفي مقدمتهن عائشة رضي الله عنها.
والروافض تغيظهم هذه المكرمة العظيمة لزوجات رسول الله الشريفات المطهرات ولا يعترفون بها.
وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضائل عائشة رضي الله عنها، «وأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام», وفضائلها كثيرة، وكانت أعلم نساء العالمين، وكان الصحابة يعظمونها ويعترفون بمنزلتها العلمية، ويرجعون إليها فيما يشكل عليهم ويختلفون فيه, ويثقون بحديثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية الثقة.
4- مما يبطل فرية الروافض في أن قول الله تعالى في سورة النور: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ... ﴾ الآيات العشر. إنما نزلت في تبرئة مارية مما قذفتها به عائشة (وحاشاها ألف مرة): أن حديث الإفك ونزول هذه الآيات كان في غزوة بني المصطلق سنة أربع أو خمس أو ست على أقوال وأرجحها أنه كان في سنة خمس، وأن بعث المقوقس بمارية القبطية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عام مكاتبة رسول الله ملوك الأرض سنة سبع أو ثمان أرجحهما أنه كان سنة ثمان، وذلك بعد غزوة بني المصطلق التي حصل فيها القذف، والتي سلف آنفاً تاريخها، فنزول الآيات في براءة عائشة كان قبل مجيء مارية بحوالي ثلاث سنوات؛ فكيف ينزل في شأنها قرآن وهي في مصر على دين قومها؟ وكيف حصل هذا القذف المزعوم وهي في بلادها من وراء السهول والبحار.
وإذاً فالقرآن والسنة والواقع التاريخي وإجماع الأمة كلها تفضح الروافض، وترد كيدهم وإفكهم على أفضل رسول، وأفضل وأطهر بيت عرفه التاريخ وعرفته الدنيا. فهذا موقف الإسلام وما يدين به المسلمون من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه، وتنزيه عرضه مما يدنسه أو يمسه من قريب أو بعيد، وإكرام أهل بيته وأزواجه وصحابته الكرام.
وذلك ضد وخلاف ما يرتكبه الروافض من بهت وإفك وتشويه بالطرق الواضحة والخفية والملتوية, والله لهم ثم المؤمنون بالمرصاد يفضحون مكائدهم وحربهم على الإسلام والمسلمين بشتى الطرق ومختلف الأساليب.
ولم يكتف الروافض بهذا البهتان العظيم؛ بل أضافوا إلى ذلك أن جعلوا عائشة رضي الله عنها طاعنة في عرض رسول الله الآخر مارية أم إبراهيم، ويهدفون من ذلك إلى رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقر هذا الطعن، ولا يقيم الحد؛ لأنه كما زعموا جاء بالرحمة لتمرير طعنهم فيه, وتناسوا أنه أشد الناس غيرة لمحارم الله وأقوم الناس لحدود الله على من يستحق أن يقام عليه الحد، حتى قال لأسامة حِبه وابن حِبه: «أتشفع في حدٍ من حدود الله؟! والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها!»، ويزعم هؤلاء الروافض أن إمامهم المعدوم المزعوم أنه سيقيم الحد عليها الذي لم يقمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهل ترى أشدَّ منهم حقداً وافتراءً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشد طعناً فيه وفي أهل بيته؟!
فقبح الله وأخزى الروافض الحاقدين على رسول الله والطاعنين فيه, ووالله ما يقصدون بالطعن في أصحاب رسول الله وزوجاته بل الطعن في القرآن إلا الطعن في رسول الله ورسالته العظيمة.
وأما العداوة التي يفتعلها الروافض بين فاطمة وعائشة رضي الله عنهما فيدحضها موقف عائشة رضي الله عنها البريء الشريف من فاطمة رضي الله عنها وروايتها لفضائلها.
قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء عن فراس عن عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مرحباً يا ابنتي». ثم أجلسها عن يمينه - أو عن شماله - ثم أسر إليها حديثاً فبكت فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت, فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن. فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم, حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها، فقالت: «أسر إليَّ إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي, فبكيت فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة - أو نساء المؤمنين - فضحكت لذلك» [صحيح البخاري، المناقب (3623) (3624) وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة برقم (2450) وبالرقم الخاص 97-98-99 وأحمد في المسند (6/ص282)].
فانظر إلى هذه الفضائل العظيمة التي ترويها لنا عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها ما تصف به فاطمة عن قناعة بها.
كما روت عائشة رضي الله عنها فضائل خديجة، ومن ذلك: «بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ببيت بالجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب» [رواه الترمذي المناقب عن رسول الله - فضل خديجة رضي الله عنها (3876) وقال: هذا حديث صحيح, وقال عقبه من قصب: إنما يعني به قصب اللؤلؤ].
فهذا من أعظم الأدلة على منزلة فاطمة وأمها عند عائشة وحبها وتقديرها لهما ونقول مثل ذلك في فاطمة رضي الله عنها أنه تحب عائشة وتقدرها.
ولا يفتعل العداوة بينهما إلا الروافض كما يفتعلون العداوة بين أهل البيت وبين الصحابة وتاريخ الجميع الصحيح يفضح الروافض أعداء الجميع ويكفي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه تزكية الله وتزكية رسوله لهم وشهادة الله لهم بالجنة والرضوان وتعظيم المسلمين حقاً لهم ولا يضرهم حقد وأكاذيب الأعداء ومن على نهجهم.
اللهم إنا نشهدك أننا نحب رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وزوجاته الشريفات وأهل بيته الكرام فنسألك اللهم التوفيق لطاعة هذا الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم في كل أمورنا وإتباعه في عقائدنا ومناهجنا وأخلاقنا.
ونسألك أن تُثبِّتنا على ذلك إنَّك جواد كريم وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
م
م
(1)
استنكرت أنا في مقال السابق هدم مشهد الهادي من حيث مراعاة المصالح
والمفاسد التي يجب مراعاتها عند إرادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,
ولا شك أن هدم هذا المشهد قد أدى إلى مفاسد عظيمة عرفها الناس.
(2) زمن وفاة الحسن العسكري.
(3) وهذا الكتاب عندهم بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة.
(4) ويذكر بعض المؤرخين أن مخترع اختفاء المهدي المنتظر هو محمد بن نصير الذي اتخذه النصيرية إماماً بعد افتراقهم عن الإمامية.
(5) الروضة من الكافي " ج 8 ص 227.
(6) ـ " تفسير الصافي " سورة البقرة ج 1 ص 172.
(7) ـ " الإرشاد للمفيدة " ص 364.
(8)
ـ " تفسير العياشي " ج 2- ص 280 تحت قوله تعالى: " ثم رددنا لكم الكرة
عليهم " أيضاً البرهان " ج2 ص408,أيضاً " الصافي " ج1 ص959.
(9)
ما هذه المنزلة التي حظي بها هذا الإمام المتستر خوفاً ما يقارب ألف
ومائتي عام ولم يحظ بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا علي رضي الله
عنه.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).