0

الشبهة:

قال ابن تيمية في منهاج السنة : [ وقد أنزل الله تعالى في علي: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [سورة النساء: 43] لما صلى فقرأ وخلط ].

منهاج السنة ( 7/237)
وهذا طعن في علي رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين بنسبة شرب الخمر له.

الجواب :

أولا: فلنذكر الرواية:
أخرج أبو داود والترمذي عن علي بن أبي طالب عليه السلام: أن رجلا من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمهم علي في المغرب، فقرأ (قل يا أيها الكافرون) فخلط فيها فنزلت (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون).
صححه الألباني والأئمة من قبله.
ثانيا: معرفة المراحل التي مر بها حكم شرب الخمر والتدرج في تحريمه معلومة من الخاصة والعامة، فلا داعي لتفصيل القول فيها.
ثالثا: وعليه فإتيان ما لم يحرمه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لا إثم فيه، ولا يُنسب للمتلبس به أي طعن أو تجريح، وتوضيح هذا من توضيح الواضحات.
رابعا: قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ).
قال القرطبي (خص الله سبحانه وتعالى بهذا الخطاب المؤمنين، لأنهم كانوا يقيمون الصلاة وقد أخذوا من الخمر وأتلفت عليهم أذهانهم فخصوا بهذا الخطاب، إذ كان الكفار لا يفعلونها صحاة ولا سكارى).
فالله تعالى يخاطب المؤمنين بهذه الآية مبينا لهم الحكم الجديد في الخمر، فأي إساءة تحملها هذه الآية لعلي أو لغيره !!.
خامسا: هل افترى ابن تيمية هذا القول على علي من عنده ؟
إن القائل بأن ابن تيمية يطعن في علي إما كاذب أو جاهل، فابن تيمية يذكر ما رواه المفسرون والمحدثون في سبب نزول هذه الآية، ولم يبتدع من عنده شيء، وقد تقدم أن هذا كان قبل التحريم المطلق لشرب الخمر، فأين الطعن وأين الافتراء.
أليس المفتري من ينسب لابن تيمية هذا الكلام !.      
سادسا: وهو أهم الوجوه، سيقول الرافضي: سلمنا بكل ما سبق، ولكن ما الداعي لأن يذكر ابن تيمية هذا الكلام في غير سياقه سوى أن نيته التقليل من شيء علي وازدرائه.
والجواب: أن هذا الإشكال يندفع بذكر كلام ابن مطهر الرافضي وجواب ابن تيمية عليه، لنعلم مقصود ابن تيمية في كلامه.
قال ابن المطهر: (" البرهان الثامن والعشرون": ما رواه أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال: ليس من آية في القرآن: {ياأيها الذين آمنوا} إلا علي رأسها وأميرها، وشريفها وسيدها، ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد في القرآن، وما ذكر عليا إلا بخير. وهذا يدل على أنه أفضل، فيكون هو الإمام ).
فابن مطهر يقرر ما يلي:
1-      أن أحمد روى هذه الفضيلة لعلي عن ابن عباس.
2-      وأن الله ذم الصحابة في القرآن ولم يذكر علي إلا بخير.
3-      وأن ما من آية فيها (يا أيها الذين آمنوا) إلا كان علي على رأس المقصودين بالآية.
وجوابا على هذا الهراء يقرر ابن تيمية ما يلي:
1-      أن هذا الأثر لم يخرجه أحمد ولكنه من زيادات القطيعي، وفي إسناده زكريا بن يحيى الكسائي، قال فيه الدارقطني: (متروك). فلاحظ كذب وجهالة ابن مطهر ولاحظ علمية ودقة ابن تيمية.
2-      ذكر ابن تيمية في معرض جوابه أكثر من آية فيها (يا أيها الذين آمنوا ) لا تحمل معاني المدح، كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تعلمون)، فهل كان علي على رأس هذه الآية وأميرها وسيدها وشريفها أم لا.
ولاحظ أيضا جهالة ابن المطهر بالقرآن كحال أسلافه الرافضة.
3-      أن عليا في الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) يأتي على رأسها وهو أميرها وسيدها وشريفها، طالما أنها بدأت بـ (يا أيها الذين آمنوا).
ولاحظ كيف يورط ابن المطهر نفسه في دركات الجهل والكذب.
4-      بناء على ما تقدم وخاصة زَعْم ابن المطهر بأن الله ذم الصحابة ولم يذكر علي إلا بخير، ذكر ابن تيمية بعد جواب طويل، ما صح عن علي نفسه في سبب نزول الآية في تحريم شرب الخمر.
فابن تيمية لم يقصد التقليل من شأن علي لأنه يعلم ألا مطعن فيما ذكر، فضلا عن اعتقاده بحرمة ذكر الصحابة بسوء لا سيما الخلفاء الراشدين، وكتبه طافحة بتقرير هذا الحكم.
وغاية ما فيه أنه أراد إبطال ما ادعاه ابن المطهر في حق الصحابة من جهة وفي حق علي من جهة أخرى.
ومن خلال نظر ابن تيمية الطويل في كتب الرافضة وخبرته في كشف أكاذيبهم وفضح جهالاتهم، فإنه يعاملهم بنفس طريقتهم في تقرير المسائل، فجوابه هذا كان في مقام الجدل والتنزل وفي باب المناظرة.
وهذا أسلوب يعلمه من له أدنى معرفة في علمي الجدل والمناظرة.
سابعا: أن ابن تيمية ذكر في نفس الجواب قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، وذكر أن المقصود بها هما أبو بكر وعمر، فهل كان ابن تيمية طاعنا بهما أيضا.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top