0

البداء عند الرافضة والندم عند اليهود (2)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

أوجه الشبه بين عقيدتي البداء والندم:

إن المتأمل في معنى الندم والبداء، يجد التقارب الواضح بين اللفظين، مما يدل على أن أصل فكرة البداء عند الرافضة قد أخذت من أسفار اليهود، فالندم يعني تغير الرأي في الأمر بعد حصول العلم الذي لم يكن يعلمه قبل ذلك، وهذا هو معنى البداء عند علماء اللغة، ومما يؤكد التشابه بين المعتقدين ما ورد في أسفار اليهود وكتب الرافضة من نصوص تتشابه إلى حد كبير، ومن أمثلة ذلك:

1- يدعي اليهود أن الله تعالى نصب شاول ملكًا على بني إسرائيل، ثم ندم على ذلك.

2- يدعي الرافضة أن الله تعالى قد عين إسماعيل بن جعفر، وأبا جعفر محمد بن علي إمامين للرافضة، ثم بدا له فغيرهما.

3- يزعم اليهود أن موسى عليه السلام راجع الله عندما أراد أن يهلك بني إسرائيل فرجع رب العالمين عن ذلك.

4- تدعي الرافضة أن جعفر الصادق راجع الله في موت إسماعيل ابنه فأطرق الله مرتين.

5- يزعم اليهود أن الله أراد هلاك بني إسرائيل، ثم ندم وكفَّ عن ذلك.

6- يدعي الرافضة أن الله أراد إهلاك الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم بدا له فرجع عن إهلاكهم.

7- يدعي اليهود أن صفة الندم لا تنفك عن الله تعالى فهو دائمًا يندم على الشر.

8- يزعم الرافضة أن الله اشترط لنفسه البداء، فالندم والبداء يقتضيان مدحًا وتعظيمًا لرب العالمين عند اليهود والرافضة.

ولا شك أن مضمون الندم والبداء واحد ويفضي في النهاية إلى نتيجة واحدة، وهي نسبة عدم العلم إلى الله سبحانه ، فهو لا يعلم بعض الأمور والمصالح إلا بعد حدوثها. تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.

ومن الذين لاحظوا هذا الشبه الكبير بين المعتَقَديْن موسى الجار الله مصنف كتاب(الوشيعة في نقد عقائد الشيعة)، ومحمد مال الله في كتابه (موقف الشيعة من أهل السنة).

إبطال ذلك المعتقد الفاسد:

لقد دلت الأدلة النقلية والعقلية على فساد معتقد اليهود والرافضة في نسبة الندم والبداء لرب الأرض والسماء، أما الأدلة النقلية فمنها ما ورد في الكتاب، ومنها ما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

أ- أدلة الكتاب:

بيّن القرآن الكريم أن رب العالمين سبحانه له صفة العلم التام، فهو سبحانه يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، يقول جل شأنه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]، ويقول سبحانه : {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7].

ويقول تبارك وتعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ: 2]، وكذا دلت الآيات على تقدير الله تعالى للكون قبل أن يخلقه وذلك بناء على علمه السابق به قبل وجوده، يقول جل شأنه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر}ٍ، ويقول سبحانه: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}، فما من شيء في الكون يخرج عن تقدير الله وتدبيره سبحانه ولا يخرج عما قدره الله وكتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، وقصة آدم عليه السلام تبين أن رب العالمين يعلم ما سيكون قبل أن يكون، يقول جل شأنه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، قال ابن مسعود رضي الله عنه : (أعلم ما لا تعلمون من شأن إبليس). وقال مجاهد: (علم من إبليس المعصية وخلقه لها).

فكل ما حدث من آدم وإبليس معلوم عند الله تعالى، ومقدر قبل وجودهما كما بينت الآيات.

2- بيّن سبحانه أن من الصفات التي يجب ألا تنسب إليه جل شأنه النسيان، فقال سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} ، قال سبحانه: {لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى}.

3- إن دعوى الرافضة في أن الله كتب الموت على إسماعيل ثم أخره لطلب جعفر الصادق منه سبحانه أن يؤخر يعارض قوله سبحانه: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، وقوله جل شأنه: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 11].

4- إن استدلال الرافضة على عقيدة البداء بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ فيه من الجهل ما فيه}؛ إذ أن مقصود الآية أن التغيير قد يقع في الصحف التي بيد الملائكة وأما ما في اللوح المحفوظ فلا تغيير فيه ولا زيادة.

ب- أدلة السنة:

وقد وردت الأحاديث من السنة المطهرة تثبت صفة العلم لله عز وجل منها:

1 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين». [رواه البخاري، كتاب القدر].

2- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء». [مسلم، كتاب القدر].

3- ما رواه البخاري في كتاب التفسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ».

وختامًا فإن العقل الصحيح يدل على إثبات صفة العلم لله سبحانه ، فيستحيل خلق الأشياء مع الجهل، لأن الخلق يستلزم الإرادة والإرادة تستلزم تصور المراد، وتصور المراد هو العلم به، فضلاً عن أن الإتقان والإحكام في الخلق يدل على علم الخالق جل وعلا ، لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير عالم، هذا مع علمنا أن العلم صفة كمال والجهل صفة نقص، فهل يمكن أن نصف الخالق بصفات النقص، أم أنه العمى والضلال؟

سبحانك هذا بهتان عظيم. والله من وراء القصد.

المصدر: موقع المختار الإسلامي

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top