عقيدة الشيعة بالأنبياء والرسل
وعقيدة
الشيعة في الأنبياء والرسل تختلف اختلافا جذريا عن عقيدة أهل السنة
والجماعة, فبينما يؤمن أهل السنة بجميع الأنبياء والمرسلين ولا يفرقون بين
أحد منهم, ويحفظون لهم مكانتهم ومنزلتهم التي خصهم الله بها, فالعصمة لهم
وحدهم دون سواهم من البشر مهما علا شأنه أو سمت مكانته, والوحي المنزل من
الله إليهم لا يتعداهم إلى غيرهم مهما كان صالحا أو تقيا, والمعجزات اختصهم
الله بها ليصدقهم أقوامهم ولا يمكن أن تجري على يد غيرهم.
إذا كان اليهود هم أكثر من انتهك حرمة الأنبياء والرسل, من خلال تكذيبهم
لأنبيائهم وتطاولهم على رسلهم الذي وصل إلى حد القتل كما ذكر القرآن
الكريم, قال تعالى: {لَقَدْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا
كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا
كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة/70], وقال تعالى: {وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ
وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ
الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ
اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة/87], فإن الشيعة لم يكونوا أقل جراءة من اليهود على حرمة الأنبياء, ولا أدنى درجة منهم في انتهاك مكانتهم ومنزلتهم.
وعقيدة
الشيعة في الأنبياء والرسل تختلف اختلافا جذريا عن عقيدة أهل السنة
والجماعة, فبينما يؤمن أهل السنة بجميع الأنبياء والمرسلين ولا يفرقون بين
أحد منهم, ويحفظون لهم مكانتهم ومنزلتهم التي خصهم الله بها, فالعصمة لهم
وحدهم دون سواهم من البشر مهما علا شأنه أو سمت مكانته, والوحي المنزل من
الله إليهم لا يتعداهم إلى غيرهم مهما كان صالحا أو تقيا, والمعجزات اختصهم
الله بها ليصدقهم أقوامهم ولا يمكن أن تجري على يد غيرهم.
نرى
الشيعة يخالفون كل ذلك, فيدعون أن أئمتهم يوحى إليهم كالأنبياء, وينسبون
العصمة للأئمة كالرسل, وقد ابتدعوا لأئمتهم معجزات ما أنزل الله بها من
سلطان, بل إن بعضهم بالغ في الضلالة حين زعموا أن الأنبياء عليهم السلام هم
أتباع علي رضي الله عنه, وأن منهم من عوقب لرفضه ولاية علي –والعياذ
بالله-, وقد جاء في أخبارهم: (أن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: إن
الله عرض ولايتي على أهل السماوات وأهل الأرض, أقر بها من أقر وأنكرها من
أنكر, أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها) (1)
وفي
هذا التقرير سيكون التركيز بإذن الله تعالى على أبرز نقطتين في عقيدة
الشيعة بالأنبياء والرسل, ألا وهما: تفضيل الشيعة أئمتهم على الأنبياء
والرسل, والزعم بأن أئمتهم أتوا بالمعجزات –كالأنبياء- لإقامة الحجة على
الناس.
1-أما تفضيل الشيعة لأئمتهم على الأنبياء والمرسلين.
فلا بد أولا من بيان أنهم كانوا منقسمين بشأن هذه المسألة إلى عدة فرق:
• ففرقة تقول بأن الأنبياء أفضل من الأئمة, غير أن بعض هؤلاء جوزوا أن يكون الأئمة أفضل من الملائكة.
• وفرقة يزعمون أن الأئمة أفضل من الأنبياء والملائكة.
• وفرقة يفضلون الأنبياء والملائكة على الأئمة. (2)
•
وأضاف صاحب أوائل المقالات مذهبا رابعا وهو: أفضلية الأئمة على سائر
الأنبياء ما عدا أولي العزم منهم, إلا أنه لم يبح بذكر المذهب الذي يعتمده
من هذه المذاهب, زاعما توقفه للنظر في ذلك (3).
ويظهر
أن كل هذه المذاهب قد تلاشت بسعي شيوخ الدولة الصفوية, وقد استقر المذهب
على الغلو في الأئمة, حتى أن الخميني يعتقد بذلك ويجاهر بها, وقد قررها في
كتابه (الحكومة الإسلامية).
بل
إن المجلسي ذهب في الغلو بعيدا فقال: (إن أولي العزم إنما صاروا أولي
العزم بحبهم صلوات الله عليهم –أي الأئمة-) ولا يستثني في ذلك أحدا من
المرسلين, حتى محمد صلى الله عليه وسلم (4).
ولم
يكتف المجلسي بذلك, بل أورد نصوصا تعقد مقارنة بين رسول الله محمد صلى
الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه, وتنتهي أن لعلي فضل التميز على رسول
الله بزعمهم, حيث شاركه علي في خصائصه –كما يزعمون– وانفرد بفضائل لم
يشاركه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
ولم
يكن المجلسي وحده من وصل إلى هذه الدرجة من الغلو, بل إن الكافي وغيره
أيضا ذكروا نصوصا كثيرة تقول بأن لعلي والأئمة من الفضل ووجوب الطاعة كرسول
الله صلى الله عليه وسلم, ثم ما تلبث تلك الكتب أن تنتقل بالقارئ إلى أن
الأئمة أفضل من رسول الله –والعياذ بالله- بل تذهب الروايات إلى القول بأن
عليا والأئمة انفردوا بخصائص لا يشاركهم فيها أحد من الخلق, وهي في الحقيقة
بعض صفات الله تعالى (6).
ويبدو
أن ما نبه عليه عبد القادر البغدادي في كتابه أصول الدين, والقاضي عياض في
الشفاء, وشيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة, من أن تفضيل الشيعة
لأئمتهم على الأنبياء والمرسلين هو مذهب غلاة الشيعة, قد أصبح اليوم أصلا
من أصول الشيعة الاثني عشرية, بعد أن تلاشت تلك المذاهب ولم يبق إلا الغلو
والتطرف.
فقد
قرر صاحب الوسائل أن تفضيل الأئمة الاثني عشر على الأنبياء من أصول مذهب
الشيعة التي نسبها للأئمة, ذاكرا أن الروايات عندهم في ذلك أكثر من أن تحصى
(7).
وعقد
المجلسي بابا بعنوان: (باب تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء وعلى جميع
الخلق...) وذكر في هذا الباب (88) حديثا من أحاديثهم المنسوبة للاثني عشر,
كما قرر شيخهم ابن بابويه في اعتقاداته هذا المبدأ فقال: (يجب أن يعتقد –أي
الشيعي– أن الله عز وجل لم يخلق خلقا أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم
والأئمة, وأنهم أحب الخلق إلى الله وأكرمهم وأولهم إقرارا به لما أخذ الله
ميثاق النبيين في الذر.....) وقد عقب المجلسي على هذا النص بعد أن نقله
بقوله: (اعلم أن ما ذكره –رحمه الله- من فضل نبينا وأئمتنا صلوات الله
عليهم على جميع المخلوقات, وكون أئمتنا أفضل من سائر الأنبياء هو الذي لا
يرتاب فيه من تتبع أخبارهم عليهم السلام على وجه الإذعان واليقين, والأخبار
في ذلك أكثر من أن تحصى)(8).
ولم
يكتف الشيعة بتفضيل أئمتهم على الأنبياء والمرسلين, بل زادوا على ذلك
بزعمهم أن الأنبياء ما استحقوا ما هم فيه من فضل إلا بسبب الولاية – حسب
زعمهم, وقد صرح بهذه الفرية إمامهم المجلسي بقوله: (ما استوجب آدم أن يخلقه
الله بيده وينفخ فيه من روحه إلا بولاية علي عليه السلام, وما كلم الله
موسى تكليما إلا بولاية علي عليه السلام, ولا أقام الله عيسى بن مريم آية
للعالمين إلا بالخضوع لعلي عليه السلام, ثم قال : أجمل الأمر : ما استأهل
خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية لنا ) (9).
2-بأن أئمتهم أتوا بالمعجزات –كالأنبياء- لإقامة الحجة على الناس.
بينما
يعتقد أهل السنة أن المعجزات لا يمكن أن يأتي بها أحد إلا الأنبياء
والمرسلون, يدعي الشيعة أن علامة الإمام صدور المعجزة منه, حيث يعتقد
الشيعة أن الإمامة استمرار للنبوة, فكما أن الله تعالى يختار من يشاء من
عبادة للنبوة والرسالة ويؤيده بالمعجزات.. فكذلك يختار للإمامة (10).
وقد
يظن البعض أن الأمر لا يعدو اختلاف في الاصطلاح بين ما يسميه أهل السنة
والجماعة كرامة للأولياء من خلقه, وبين ما ينسبه الشيعة لأئمتهم من معجزات,
إلا أن من يقرأ في كتب الشيعة ومراجعهم, يتبين له أنهم يعتقدون أنها
معجزات لإثبات الإمامة وإقامة الحجة على الخلق –كما يزعمون– لأنهم يعتبرون
الأئمة هم الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض كالأنبياء تماما
(11).
كما
أن شيخ الشيعة القزويني عرف المعجزة التي تحصل للأئمة بنفس تعريف المعجزة
التي تحصل للأنبياء والمرسلين فقال: المعجزة للأئمة ما كان خارقا للعادة أو
صارفا للقدرة عند التحدي مع عدم المعارضة, والمطابقة للدعوى (12).
ومن
نصوصهم التي تظهر غلوهم في أئمتهم, وادعائهم ظهور المعجزات على أيديهم,
والتي تصل في بعض الأحيان إلى تجاوز حدود المعجزات إلى الاقتراب من صفات
الله تعالى, قول الكليني على لسان علي رضي الله عنه: (لقد أعطيت خصالا ما
سبقني إليها أحد قبلي, علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب, فلم
يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني...) (13).
وقد
عنون المجلسي في كتابه بحار الأنوار بابا: ( إنهم –أي الأئمة– يقدرون على
إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء) وأورد فيه جملة
من أحاديثهم.
ولقد
صنف الشيعة في معجزات أئمتهم المصنفات والكتب الكثير ومنها: (عيون
المعجزات)لشيخهم حسين بن عبد الوهاب (من القرن الخامس الهجري) وكتاب
(ينابيع المعاجز وأصول الدلائل) لشيخهم هاشم البحراني, وكذلك كتاب ( مدينة
المعاجز) للبحراني أيضا, وقد ورد في هذه الكتب غريب الحكايات وأساطير
الروايات عن معجزات أئمتهم, والتي هي أقرب إلى الخيال أو السحر منها
للحقيقة والواقع.
ومن
أعجب أساطير رواياتهم عن معجزات أئمتهم حتى بعد مماتهم: ما ينسبونه للغائب
المنتظر من معجزات وخوارق ينقلها جملة من شيوخهم الذين يزعمون الصلة به,
كادعاء ابن المطهر الحلي أن الغائب المنتظر نسخ له كتابا كاملا استعاره
لليلة واحدة –والنسخ كان كتابة في زمنه– بتلك الليلة (14).
ومن
أشنع الافتراءات التي ينسبونها لأئمتهم ويسمونها معجزات: حصول الخوارق عند
قبور أئمتهم, فقد أورد المجلسي بابا سماه: (ما ظهر عند الضريح المقدس من
المعجزات والكرامات), ويذكر عن كل إمام معجزاته المزعومة, والتي تتحدث عن
شفاء أضرحة الأئمة للأمراض المستعصية كعودة نظر الأعمى بمجرد مجاورته
للضريح (15 (
وفي
الختام لا أظن أن القارئ بحاجة لسرد آراء علماء أهل السنة والجماعة في حكم
من يدعي أمثال هذه الأقوال الكفرية, ومع ذلك فلا بأس بذكر قول الإمام محمد
بن عبد الوهاب: (أن من اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم أو مساويا
لهم فقد كفر, وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء) (16).
ـــــــــــــــ
الفهارس
(1) بحار الأنوار للمجلسي 26/282 .
(2) مقالات الإسلاميين للأشعري 1/120
(3) أوائل المقالات ص42 .
(4) بحار الأنوار ص615
(5) بحار الأنوار 39/89
(6) أصول الكافي1/197
(7) الفصول المهمة في أصول الأئمة/151
(8) بحار الأنوار 26/267 و 26/297 و اعتقادات ابن بابويه ص106
(9) بحار الأنوار26/294
(10) أصل الشيعة وأصولها ص58
(11) أصول الكافي1/192 .
(12) قلائد الخرائد ص72
(13) أصول الكافي 1/196
(14) بحار الأنوار 51/361 .
(15) بحار الأنوار 42/311 – 317
(16) رسالة في الرد على الرافضة ص29
ومن
أهم مراجع التقرير : أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية للدكتور ناصر
بن علي القفاري , ومجمل عقائد الشيعة في ميزان أهل السنة للشيخ ممدوح
الحربي .ومع الاثني عشرية في الأصول والفروع للأستاذ الدكتور علي أحمد
السالوس .
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).