الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعدُ:
إن
الشيعة يعتقدون أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بنص قرآني من الله -عز
وجل-، وأنه لا يجوز أن يخلو أي عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة، منصوب
من الله -سبحانه -، وليس للبشر حق في اختياره أو تعيينه، بل ليس للإمام
ذاته تعيين من يأتي بعده.
وقد
وضعوا لذلك الروايات المنسوبة إلى أئمتهم؛ منها قول محمد الباقر الإمام
الخامس عندهم (أترون أن هذا الأمر إلينا نجعله حيث نشاء؟ لا والله ما هو
إلا عهد من رسول الله رجل فرجل مسمى حتى تنتهي إلى حاملها)(أصول الشيعة
الإمامية).
والعجيب
أن ابن سبأ الذي نادى بهذا المعتقد الوصية ذهب إلى أن عليًّا -رضي الله
عنه- وصيّ رسول الله من بعده، بيد أن علماء الرافضة عمّموها في ذرية عليَّ
-رضي الله عنه-، بل ذهبوا إلى أن من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة الجاهلية
(أصول الكافي).
وقد
عمد الشيعة الرافضة إلى تلفيق مرويات مكذوبة، وركّبوا لها الأسانيد
والمتون زورًا وبهتانًا لتقرير عقيدة الإمامة بالنص القرآني، واستدلوا
أيضًا بآيات من كتاب الله، فهموها على تأويلهم الفاسد المخالف لفهم سلف
الأمة وصحابة النبي الأبرار، وإليك أخي بعضًا من استدلالهم والرد عليها.
وهذه
الآية تعد من أقوى أدلتهم على عقيدة الإمامة، يقول الطوسي: وأما النص على
إمامة عليّ من القرآن فأقوى ما يدل عليه قوله -سبحانه-: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، وكذا قال الطبرسي، (راجع تلخيص الشافي، ومجمع البيان).
ووجه
الدلالة عندهم أن سبب نزول الآية السابقة هو تصدُّق علي -رضي الله عنه-
مخافتة في حالة ركوعه على سائل فقير، وذهبوا كذلك إلى أن أهل السنة أجمعوا
على أن الآية نزلت في علي -رضي الله عنه-.
فاستدلالهم
بالآية يتعلق بسبب نزولها الذي رواه الثعلبي الذي يصفه أهل السنة بحاطب
ليل؛ لأنه لا يميز بين صحيحٍ وضعيف، وأكثر مروياته عن الكلبي عن أبي صالح،
وهي من أوهى الروايات، وكما هو معلوم عن الشيعة أن الكذب هو الصفة الملازمة
لهم، حيث قالوا إن سبب نزول الآية سابقة الذكر ورد في الكُتب الستة، ويكفي
في الرد على كذبهم قول الحافظ ابن كثير بعد ذكر ذلك السبب وليس يصح شيء
منها بالكلية؛ لضعف أسانيدها وجهالة رجالها.
والسبب
الصحيح لنزول الآية هو أنه لما خافت بنو قينقاع الرسول، وذهبوا إلى عبادة
بن الصامت -رضي الله عنه- ليكون معهم؛ تركهم وعاداهم وتولى الله ورسوله،
فنزلت الآية (راجع تفسير الطبري).
ويوضح
ذلك جليًا الآية السابقة عليها التي نهت المؤمنين عن موالاة اليهود
والنصارى بالود والمحبة والنصرة، وليس المراد بالولاية فيها الإمارة باتفاق
الجميع من أهل العلم، ثم جاءت الآية اللاحقة لها لتبين وجوب موالاة الله
ورسوله والذين آمنوا، يقول جل شأنه: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة].
ثم عقّب -سبحانه– بقوله: {إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة]، أي وحالهم الخضوع لله -سبحانه- في كل شئونهم.
قال
الرازي: لما نهى -سبحانه- عن موالاة الكفار أمر بموالاة من تجب موالاته،
وقال شيخ الإسلام: إنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير خلفًا عن سلف
أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين [منهاج السنة].
ويضيف
أن التصدق أثناء الصلاة ليس بمستحب باتفاق علماء الملة، بل إنه قد يبطل
الصلاة عند بعضهم، ولم خُصّ الركوع دون غيره بالتصدق؟ فضلاً عن أن عليًّا
-رضي الله عنه-: لم يكن ممن تجب عليه زكاة الفضة لعدم ملكيته للنصاب، ثم هل
ينتظر -رضي الله عنه- حتى يأتيه السائل الطالب أم كان يبادر لإخراجها إن
وجبت عليه؟ [المرجع السابق] هذا أولاً.
وثانيًا:
إن المراد بالولاية في الآية هي المحبة والنصرة المخالفة للعداوة، وليس
المراد بها الإمارة كما يزعمون؛ لأن هذا الفهم لا يتفق مع السياق، فإن الله
-سبحانه- لا يمكن وصفه بأنه أمير على عباده وهو الخالق الرازق الملك الذي
له الخلق والأمر، -سبحانه عما يشركون-.
والركوع
في الآية يعني الخضوع والانقياد والخشوع والتواضع، وهذا هو المعنى اللغوي
للركوع، وليس المراد الركوع في الصلاة؛ إذ لو كان مستحبًا لفعله رسول الله،
ولا يجوز الاشتغال بإعطاء السائل والمرء في صلاته.
وأخيرًا:
فإن استدلالهم بأداة الحصر إنما على ولاية علي -رضي الله عنه- تدل على نفي
الإمامة عن المتقدمين عليه، وكذا على سلبها عن المتأخرين؛ فلزم سلبها عن
أئمتهم بعد علي -رضي الله عنه-(راجع أصول مذهب الشيعة).
ووجه الدلالة عند الشيعة في الآية أنها دلت على فضل علي - رضي الله عنه - من وجوه:
أحدها: أن موضوع المباهلة لتمييز المحق من المبطل، وذلك معناه القطع بطهارة باطن عليّ، وهي عقيدته.
وثانيها:
أن النبي جعل عليًّا كنفسه، أو المراد بـ أبناءنا الحسن والحسين، وبـ
نساءنا فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-، وبـ أنفسنا النبي وعلي -رضي الله
عنه-، وذاك فضل لا يقاربه ولا يدانيه فضل.
واستدلالهم
بآية المباهلة على عقيدة الإمامة أوهى من خيط العنكبوت لو كانوا يعقلون،
فليس في الآية تصريح أو تلميح على خلافة علي -رضي الله عنه-، وكذا فإن
المراد بالنفس في القرآن الأخ، وشاهده قوله - سبحانه -: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور]، أي على إخوانكم، وقوله -سبحانه-: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور]، أي بإخوانهم من أهل الإيمان والطاعة، وقوله جل شأنه: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة] أي يقتل بعضكم بعضًا، فالمراد بالأنفس الإخوان في النسب أو الدين مختصر منهاج السنة، بل إن قوله -سبحانه-: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة]،
فيه حجة بالغة على الشيعة بأن النفس لا تعني التماثل والتطابق؛ إذ الخطاب
فيها لكفار مكة، فهل نفس الرسول تماثل نفوسهم، نعوذ بالله من ذلك، وهذا لا
يقول به عاقل، لكن الشيعة لحماقتهم جعلوا نفس عليّ كنفس النبي في كل شيء
إلا النبوة، والسؤال لهؤلاء الحمقى أين كان النبي ومقامه من سائر الناس،
فالنبي لا يساويه أحد من البشر، لا علي ولا غيره، فمقام النبوة له هيبته
ومكانته، وذلك اعتقاد علي - رضي الله عنه -، لكن الشيعة لا يفقهون.
ثم
هل قضايا الاعتقاد المهمة لا تحتاج إلى نص صريح قطعي حتى يذهب الشيعة إلى
نصوص محتملة في قضية القضايا عندهم، وهي الإمامة؟ لكنه الإفلاس العقدي
والتخبط الفكري.
جـ- آية الشورى:
وهي قوله - سبحانه -: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى]،
ووجه الدلالة في الآية عند الشيعة أن النبي حدّد قرابته بعلي وفاطمة
والحسن والحسين، وهذا يدل على أفضليتهم، ووجوب مودتهم وطاعتهم، واتخاذهم
أئمة دون غيرهم انظر: (ثم أبصرت الحقيقة).
ولنقض هذا الاستدلال نقول إن آية الشورى، نزلت قبل ميلاد الحسن والحسين اللذين وُلدا سنة هـ، فكيف نوفّق ونجمع بين تفسيرهم والواقع؟
إن
ترجمان القرآن ابن عباس -رضي الله عنهما- بيّن معنى تلك الآية بقوله: (لا
أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش أجرًا على أمري، ولكن أسألكم أن تصلوا
القرابة التي بيني وبينكم) (منهاج السنة).
إن
الحديث الذي جعلوه مفسرًا للآية السابقة في حصر قرابة رسول الله في علي
وفاطمة والحسن والحسين فقط دون غيرهم حديث كذب وموضوع، وضعه شيعي محترق
اسمه حسين الأشقر، بيّن ذلك الحافظ ابن كثير، والحافظ ابن حجر، -رحمهما
الله- (راجع تفسير ابن كثير، وفتح الباري).
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).