0

بين جبريل عليه السلام والصحابة رضي الله عنهم (3)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا المقال تتمة للمقالات السابقة في سرد فوائد الآية:

6- أنَّ من كان معادياً لجبريل فينبغي أن نقول له كما أمرَ الله نبيه أن يقول:

{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.

و معاداة جبريل عليه السلام موجبة للكفر بالله تبارك وتعالى؛ لأنه هو الواسطة بين الله تبارك وتعالى وبين محمد صلى الله عليه وسلم.

ففي مذمته ذمٌ وسبٌ للرب تبارك وتعالى، فقوله سبحانه وتعالى: {للكافرين} أي: فإن الله عدوٌ لهم لقصد الدلالة على أن هذه العداوة موجبة لكفر من قعت منه (1).

و قال الرازي: "فقوله {عَدُوٌّ للكافرين} أراد عدو لهم إلا أنه جاء بالظاهر ليدل على أن الله تعالى إنما عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة كفر" (2).

قال الألوسي - رحمه الله – : "والمعنى أنَّ من عاداه منهم فقد خلع ربقة الإنصاف أو كفر بما معه من الكتاب بمعاداته إياه لنزوله عليك بالوحي لأنه نزل كتاباً مصدقاً للكتب المتقدمة، أو فالسبب في عداوته أنه نزل عليك" (3).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "... ومن سب الصحابة أو أحداً منهم واقترن بسبه أن جبريل غلط في الرسالة فلا شك في كفره بل لا شك في كفر من توقف في كفره ومن قذف عائشة فيما برأها الله عنه كفر بلا خلاف، إلى أن قال: وأما من زعم أن الصحابة ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر وانهم فسقوا فلا ريب أيضا في كفر قائل ذلك بل لا ريب في كفر من لم يكفره" انتهى كلامه (4).

7- وفي هذه الآية دليل على شرف جبريل عليه السلام، وارتفاع منزلته عندالله تبارك وتعالى، وأنه لا وجه لمعاداة اليهود له حيث كان منه ما ذكر من تنزيل الكتاب على قلبك أو من تنزيل الله له على قلبك.

وهذا هو وجه الربط بين الشرط والجواب أي من كان معادياً لجبريل منهم فلا وجه لمعاداته له فإنه لم يصدر منه إلا ما يوجب المحبة دون العداوة أو من كان معاديا له فإن سبب معاداته أنه وقع منه ما يكرهونه من التنزيل وليس ذلك بذنب له وإن نزهوه فإن هذه الكراهة منهم له بهذا السبب ظلم وعدوان لأن هذا الكتاب الذي نزل به هو مصدق لكتابهم وهدى وبشرى للمؤمنين(5)

ولكن الذي ينبغي السؤال عنه هو:هل هناك من يعادي جبريل الآن غير اليهود؟.

نعم، فالرافضة تشبهوا باليهود فوقعوا في سب رسول الله جبريل عليه الصلاة والسلام.

8 - يتضح مما سبق مشابهة الرافضة لليهود في سب جبريل عليه السلام.

وهذه المشابهة ليست هي في هذا الوجه فحسب.

بل إن بعضَ أهل العلم أرجعَ أصول الرافضة إلى اليهودية(6)

قال أبو صالح الشيخ عبدالقادر الجيلاني - رحمه الله -: "وقد أشبهت مذاهب الروافض باليهودية"؛ قال الشعبي: محبة الروافض محبة اليهود(7) قالت اليهود: لا تصلح الإمامة إلاَّ لرجل من آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلاَّ لرجل من ولد علي بن أبي طالب.

وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال، ينزل بسبب من السماء، وقالت الروافض: لا جهادَ في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي منادٍ من السماء.

وتؤخر اليهود صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الروافض يؤخرونها.

واليهود تزول عن القبلة شيئاً، وكذلك الروافض.

واليهود تنورّ في الصلاة، وكذلك الرافضة.

واليهود تسدل أبوابها في الصلاة، وكذلك الروافض.

واليهود تستحل دم المسلم وكذلك الروافض.

واليهود لا ترى على النساء عدة، وكذلك الرافضة.

واليهود لا ترى في الثلاث الطلاق شيئاً وكذلك الروافض.

واليهود حرفت التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن؛ لأنهم قالوا: القرآن غُيرَّ وبُدلَّ، وأحيل بين نظمه وترتيبه، وأحيل عما أنزل عليه، وقرئ على وجوه غير ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه قد نقص منه وزيد فيه.

واليهود يبغضون جبريل عليه السلام ويقولون هو عدونا من الملائكة، وكذلك صنفٌ من الروافض يقولون غلط جبريل عليه السلام بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما بعث إلى علي رضي الله عنه وكذبوا تباً لهم إلى آخر الدهر(8)

وفي الختام: ليعلم القارئ أنَّ اليهود حينما وقعوا في جبريل عليه السلام أرادوا بذلك؛ نقض شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ونقض الإسلام؛ لأنه إذا بطلَ الواسطة بينه عليه السلام وبين الرب تبارك وتعالى فقد بطلت شريعته.

عندها يبقى أن يقال:

1 - أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه بشر، كما قال ذلك فيه كفار مكة.

قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} بالنحل: 103].

2 - أنه عليه السلام ساحر، كما قال تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس: 2].

3 - أو أن يكون فاقداً لعقله فيكون مجنوناً - حاشاه عليه السلام - كما قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: 52].

وقوله سبحانه: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم: 51].

4 - أو يكون الذي معه من الكلام البليغ إنما هو من جملة الشعر، كما قال الله تعالى عنهم: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [الصافات: 36].

وكذلك الرافضة يبغضون جبريل - عليه السلام - لقولهم عن جبريل بأنه خان الرسالة.

وكذلك فعل الرافضة وموقفهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سبوا الصحابة وحكموا عليهم بالردة إلاَّ نفراً يسيراً منهم، ومرادهم بهذا هدم الدين ونقضه؛ لأنه إذا بطلت الواسطة بين الأمة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلَ الدين من أساسه.

ولهذا يرى الإمام أبو زرعة أن للذين ينتقصون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية وهدفاً ومقصداً فيقول- رحمه الله -: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عـندنا حق والـقرآن حـق وإنما أدى إلينا هذا القـرآن والسنن أصحـاب رسول الله، وإنـما يريدون أن يجرحـوا شهودنا ليبطلوا الـكتاب والسنّة، والجـرح بهم أولى وهم زنادقة" (9).

وبهذا التقرير، أبدأ - إن شاء الله تعالى - في الحلقة القادمة في الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فتح القدير - (ج 1/ ص 183).

(2) تفسير الرازي - (ج 2/ ص 235).

(3) تفسير الألوسي - (ج 1/ ص 426).

(4) الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم 3/ 1108 وما بعدها.

(5) فتح القدير - (ج 1/ ص 182).

(6) قال ابن حزم رحمه الله عن الرافضة عندما ناظر النصارى وأحضروا له كتب الرافضة للرد عليه: (وأما قولهم (يعني النصارى) في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من المسلمين، إنما هي فرقة حدث أولها بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة.. وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر). الفصل في الملل والنحل (2/ 213).

(7) الغنيةج1/ 184.

(8) الغنيةج1/ 184.

(9) الكفاية: ص 97، وانظر في موضوع (حكم من سب الصحابة أو كفّرهم) الصارم المسلول لابن تيمية: ص 567 وما بعدها وفتح الباري: (7/36)، (12/300)، رسائل ابن عابدين: (11/314)، (تفسير ابن كثير (1/516).

المصدر: موقع العقيدة والحياة.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top