بين جبريل عليه السلام والصحابة رضي الله عنهم (5)
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وتبعه بإحسان إلى يوم لقياه وبعد:
10 - فقد سبق في الحلقة السابقة بيانُ فضل الصحابة رضوان الله عليهم وواجبنا نحوهم، وتحريم سبهم، وبقي الآن بيان حكم من سب الصحابة أو وقعَ فيهم هل يكفر كجبريل - عليه السلام - أم لا يكفر؟.
اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جرحهم، هل يكفر بذلك وتكون عقوبته القتل، أو أنه يفسق بذلك ويعاقب بالتعزيز.
وسبب هذا الخلاف: أن سب الصحابة ليس على مرتبة واحدة، بل له مراتب متفاوتة، فإن سب الصحابة أنواع ودركات، فمنها سب يطعن في عدالتهم، ومنها سب لا يوجب الطعن في عدالتهم، وقد يكون السب لجميعهم، وأكثرهم وقد يكون لبعضهم، وهناك سب لمن تواترت النصوص بفضله، ومنهم دون ذلك.
ولذلك حصل ووقعَ الخلاف بين أهل العلم - رحمهم الله - على أقوال:
القول الأول: ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو انتقصهم وطعن في عدالتهم وصرح ببغضهم وأن من كان هذه صفته فقد أباح دم نفسه وحل قتله، إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم.(1)
و ممن ذهب إلى هذا القول من السلف: الصحابي عبد الرحمن بن أبزى (2)، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (3)، وأبو بكر بن عياش(4)، وسفيان بن عيينة (5)، ومحمد بن يوسف الفريابي (6)، وبشر بن الحارث المروزي (7)، ومحمد بن بشار العبدي (8).
و غيرهم كثير، فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة وبعضهم صرح مع ذلك أنه يعاقب بالقتل، وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية. (9)
القول الثاني: قالوا بأن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق ويضلل ولا يعاقب بالقتل بل يكفي تأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يردعه ويزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب وفواحش المحرمات، وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة، وممن يرى بذلك من الأئمة:
عمر بن عبد العزيز (10)، وعاصم الأحول (11)، والإمام مالك (12)، وإسحاق بن راهوية (13). وجمع غفير من الأئمة، فهذه النقول توضح أن طائفة من أهل العلم ذهبوا إلى أن ساب الصحابة فاسق ومبتدع ليس كافراً، يجب على السلطان تأديبه تأديباً شديداً لا يبلغ به القتل.(14)
الترجـيـح فـي هـذه الـمسـألـة:
الذي يترجحُ - والعلمُ عند الله تبارك وتعالى - هو التفصيل في حال الساب للصحابة - رضوان الله عليهم - على الحالات التالية:
ا - فيكفر ساب الصحابة إذا صادم النصوص الصريحة من الكتاب والسنة الصحيحة على تكفير أو سب من شهدَ له النص بخصوصه، كسب عائشة رضي الله عنها.
يقول السبكي: " احتج المكفرون للشيعة والخوارج بتكفيرهم لأعلام الصحابة رضي الله عنهم، وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في قطعه لهم بالجنة، وهذا عندي احتجاج صحيح فيمن ثبت عليه تكفير أولئك، وأجاب الآمدي بأنـه إنما يلزم أن لو كان المكفر يعلم بتزكية من كفره قطعاً على الإطلاق إلى مماته بقوله صلى الله عليه وسلم: - أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة (15) إلى آخرهم، وإن كان هذا الخبر ليس متواتراً لكنه مشهود مستفيض، وعضده إجماع الأمة على إمامتهم وعلو قدرهم وتواتر مناقبهم أعظم التواتر الذي يفيد تزكيتهم فبذلك نقطع بتزكيتهم على الإطلاق إلى مماتهم لا يختلجنا شك في ذلك "(16).
2 - وكذلك يكفر ساب الصحابة إذا شملَ سبه كل الصحابة أو أكثرهم، أو كان سبه لهم من أجل سوء دينهم، فمثل هذا يكفر؛ لأنه يؤدي إلى إبطال الشريعة، أو التشكيك فيها.(17)
قال الملا علي القارئ: " فالقول الذي تطمئن إليه النفس؛ ويرتاح إليه القلب، أن من أبغضهم جميعاً أو أكثرهم أو سبهم سباً يقدح في دينهم، وعدالتهم، فإنه يكفر بـهذا، لأن هذا يؤدى إلى إبطال الشريعة بكاملها لأنـهم هم الناقلون لها، أما من سب أحداً من الصحابة فهو فاسق، ومبتدع بالإجماع، إلا إذا اعتقد إنه مباح أو يترتب عليه ثواب كما عليه بعض الشيعة أو اعتقد كفر الصحابة فإنه كافر بالإجماع " (18).
و ممن أشارَ إلى هذه الصورة القاضي عياض - رحمه الله تعالى - حيثُ يقول: "وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة، وتكفير جميع الصحابة...، وجميع الأمة بعد النبي إذ لم تقدم علياً، وكفرت علياً إذ لم يتقدم، ويطلب حقه في التقديم، فهؤلاء قد كفروا … لأنـهم أبطلوا الشريعة بأسرها " (19).
ويقول السبكي: - " إن سب الجميع لا شك أنه كفر … وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول الطحاوي: وبغضهم كفر، فإن بغض الصحابة بجملتهم لا شك أنه كفر. "(20)
ويقول ابن حجر الهيتمي: - " إن تكفير جميع الصحابة كفر؛ لأنه صريح في إنكار جميع فروع الشريعة الضرورية فضلاً عن غيرها "(21)
ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن القول بارتداد الصحابة عدا خمسة أو ستة نفر هو: " هدم لأساس الدين؛ لأن أساسه القرآن والحديث، فإذا فرض ارتداد من أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النفر الذين لا يبلغ خبرهم التواتر، وقع الشك في القرآن والأحاديث"(22)
ويقول أيضاً: -: ومن نسب جمهور أصحابه صلى الله عليه وسلم إلى الفسق والظلم، وجعل اجتماعهم على الباطل فقد أزرى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وازدراؤه كفر ".(23)
3 - وأما إن سبهم بما لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم ولم يكن ذلك تكذيباً للنصوص في فضلهم وبيان منزلتهم فهذا لا يحكم بتكفيره، وفي مثل هذه الحالة قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك، فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم ".(24)
4 - إن كان السب يتضمن القذف في أمهات المؤمنين، فهذا لا يخلو من أحد حالين:
الحال الأول: أن يكون القذف لعائشة - رضي الله عنها - فهذا كفرٌ؛ لأنه تكذيبٌ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهو - أي التكذيب - كفرٌ.
قال ابن كثير -رحمه الله- عند تفسيره لقوله تعالى: - {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور، آية 23]: " وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن "(25)
قال ابن بطة - رحمه الله تعالى -: (أنها مبرأة طاهرة خيرة فاضلة، وهي أم المؤمنين في الدنيا والآخرة، فمن شك في ذلك أو طعن فيه أو توقف، فقد كذب بكتاب الله، وشك فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [النور: 17]، فمن أنكرَ هذا فقد بريء من الإيمان).
الحال الثانية: أن يكون القذف لغير عائشة من أمهات المؤمنين وزوجات رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم، فهذا محل نزاع بين أهل العلم - رحمهم الله -:
فقال بعضهم: إنه لا يكفر من قذف إحدى أمهات المؤمنين غير عائشة؛ قالوا: لأنَّ الله شهد ببراءة عائشة، فمن خالف في هذا فقد كذبَّ بالقرآن.
ولكن الذي يترجح: أنه يكفر من تعرضَّ لإحدى أمهات المؤمنين بالسب(26)
وسبب ترجيح هذا القول: هو أنَّ السب لزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم سبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفرٌ بالإجماع.(27)
قال أبو السعود - رحمه الله - في تفسيره على قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات} أي العفائفَ ممَّا رُمين به من الفاحشةِ {الغافلات} عنها على الإطلاقِ بحيثُ لم يخطرْ ببالهنَّ شيءٌ منها ولا من مُقدِّماتِها أصلاً. ففيها من الدِّلالةِ على كمالِ النَّزاهةِ ما ليس في المحصناتِ أي السليماتِ الصدورِ النقيَّاتِ القلوبِ عن كلِّ سوءٍ {المؤمنات} أي المتصفاتِ بالإيمانِ بكلِّ ما يجبُ أنْ يُؤمن به الواجباتِ والمحظوراتِ وغيرِها إيماناً حقيقياً تفصيلياً كما يُنبىء عنه تأخيرُ المؤمناتِ عمَّا قبلَها من أصالةِ وصفِ الإيمانِ فإنَّه للإيذان بأنَّ المرادَ بها المعنى الوصفيُّ المُعربُ كما ذُكر لا المعنى الاسميُّ المصححُ لإطلاق الاسمِ في الجملةِ كما هو المتبادرُ على تقديرِ التَّقديمِ، والمرادُ بها عائشةُ الصِّدِّيقةُ رضي الله عنهَا. والجمعُ باعتبارِ أنَّ رميَها رميٌ لسائرِ أمَّهاتِ المُؤمنينَ لاشتراكِ الكلِّ في العصمةِ والنَّزاهةِ والانتسابِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قولِه تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} ونظائرِه وقيلَ: أمَّهاتُ المؤمنينَ فيدخلُ فيهن الصِّدِّيقةُ دُخولاً أوليًّا وأما ما قيل منْ أنَّ المرادَ هي الصِّدِّيقةُ والجمعُ باعتبارِ استتباعِها للمتَّصفاتِ بالصِّفاتِ المذكورةِ من نساءِ الأمةِ فيأباهُ أنَّ العقوباتِ المترتبةَ على رميِ هؤلاءِ عقوباتٌ مختصَّةٌ بالكفَّارِ والمنافقينِ ولا ريبَ في أنَّ رميَ غيرِ أمَّهاتِ المُؤمنين ليس بكفرٍ فيجبُ أن يكونَ المرادُ إيَّاهُنَّ على أحدِ الوجهينَ فإنهنَّ قد خصصنَّ من بين سائرِ المُؤمناتِ فجعل رميهنَّ كفراً إبرازاً لكرامتهنَّ على الله عزَّ وجلَّ وحمايةً لحمى الرِّسالة مِنْ أنْ يحومَ حوله أحدٌ بسوءٍ حتَّى إنَّ ابنَ عبَّاسٍ رضي الله عنهما جعلَه أغلظَ من سائرِ أفرادِ الكفرِ حينَ سُئل عن هذه الآياتِ فقالَ: مَن أذنبَ ذنباً ثمَّ تابَ منه قُبلت توبتُه إلا مَن خاضَ في أمرِ عائشةَ رضي الله عنها.
وهَلْ هُو منه رضي الله عنه إلا لتهويلِ أمرِ الإفكِ والتنبيهِ على أنَّه كفرٌ غليظٌ. انتهى كلامه.(28)
فخلاصة الكلام ونهاية المرام: أنَّ جميع أمهات المؤمنين فراش للنبي صلى الله عليه وسلم، والوقيعة في أعراضهن تنقص ومسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن سب المصطفى صلى الله عليه وسلم كفر وخروج عن الملة بالإجماع(29).
وقد اختار هذا القول جمعٌ من المحققين، كابن حزم(30)، والقاضي عياض(31)،وابن تيمية (32)، والسبكي (33) وغيرهم.
ساق اللالكائي بسنده أنَّ الحسن بن زيد لماَّ ذكرَ رجلاً بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمرَ بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا فقال: معاذ الله هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل " الخبيثات للخبيثون والخبيثون للخبيثات " فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه) (34)
وقد قال بعض المحققين من السادة العلماء: " وأما قذفها الآن فهو كفر وارتداد ولا يكتفي فيه بالجلد لأنه تكذيب لسبع عشرة آية من كتب الله كما مر فيُقتل ردة وإنما اكتفى صلى الله عليه وسلم بجلدهم أي من تحذفها في زمنه مرة أو مرتين لأن القرآن ما كان أنزل في أمرها فلم يكذبوا القرآن وأما الآن فهو تكذيب للقرآن، أما نتأمل في قوله تعالى: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله} الآية، ومكذّب القرآن كافر فليس له إلا السيف وضرب العنق " انتهى(35)
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - انظر/ مفهوم عدالة الصحابة، لأبي عبدالله الذهبي.
(2) - النهي عن سب الأصحاب (ص 23).
(3) - شرح الإبانة لابن بطة (ص 162).
(4) - شرح الإبانة (ص 160).
(5) - كتاب النهي عن سب الأصحاب (ص 24-25).
(6) - شرح الإبانة (ص 160).
(7) - شرح الإبانة (ص 162).
(8) - شرح الإبانة (ص 160).
(9) - ينظر: الشرح والإبانة لابن بطة ص162، والنهى عن سب الأصحاب وما فيه من الإثم
والعقاب ص 23، وفتاوى السبكى 2/580، والصارم المسلول على شاتم الرسول ص 570،
والإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم 1/149، وأصول السرخسى 2/132 وما بعدها0
(10) - كما في الصارم المسلول (ص 569).
(11) - كما ذكره ابن تيمية في الصارم المسلول (ص 569).
(12) - كما في الشفاء (2/267).
(13) - كما في الصارم المسلول (ص 568).
(14)
- ومن أدلتهم أنهم قالوا: إنَّ مطلق السب لغير الأنبياء لا يلزم منه
الكفر، لوقوع السب من الصحابة بعضهم لبعض، ولم يكفر أحدهم بذلك.
والجواب عن هذا: أنَّ سب الصحابة رضوان الله عليهم نوعان:
النوع
الأول: سب يقدح في دين الصحابة، أو في عدالتهم، وتكذيب النصوص، فهذا فاعله
كافر، قال ابن تيمية: " ومن ظنَّ أن مثل هذا السب لا يعدُّ كفراً فقد خالف
الكتاب والسنة والإجماع ". الصارم المسلول 579.
النوع الثاني: أن يسب صحابياً سباً لا يقدح في إسلامه ودينه فلا يكفر بهذا السب لعدم إنكاره معلوماً من الدين بالضرورة.
وهذا ما وقعَ بين الصحابة رضوان الله عليهم.
(15)
- أخرجه الترمـذي (3748)، وقال الترمذي: " حسن صحيح "، وأحمد (1/193)،
والنسائي في فضائل الصحابة، (91)، وابن أبي عاصم في السنة " (2/618) وصححه
الألباني في الجامع الصغير (3905).
(16) - فتاوى السبكي 2/569.
(17)
- قال عمر بن حبيب (هو/ عمر بن حبيب العدوي البصري، ولي قضاء البصرة، ومات
بها سنة 207 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 9/490، شذرات الذهب 2/17): "
حضرت مجلس هارون الرشيد، فجرت مسألة تنازعها الحضور، وعلت أصواتهم، فاحتج
أحدهم بحديث رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع بعضهم
الحديث، وزادت المدافعة والخصومة، حين قال قائلون منهم: لا يقبل هذا الحديث
على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه، وصرحوا
بتكذيبه، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم، ونصر قولهم، فقلت أنا: هذا الحديث
صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة صحيح النقل، صدوق فيما
يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، فنظر إليّ الرشيد نظر مغضب، وقمت
من المجلس فانصرفت إلى منزلي، فلم ألبث حتى قيل صاحب البريد بالباب، فدخل
فقال لي: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن، فقلت: اللهم إنك تعلم
أني دفعت عن صاحب نبيك وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه فسلمني منه، فأدخلت
على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب، حاسر عن ذراعيه بيده والسيف، وبين
يديه النطع، فلما بصر بي قال لي: يا عمر بن حبيب، ما تلقاني أحد من الرد
والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الذي قلته
وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما جاء به،
إذا كان أصحابه كذابين، فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام في الصيام
والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول، فرجع إلى نفسه ثم
قال: أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله، وأمر لي بعشرة آلاف درهم ". تهذيب
الكمال 2/1004، 1005.
(18) - ينظر: مجموعة رسائل ابن عابدين كتاب تنبيه الولاة والحكام 1/367 0
(19) - ينظر: الشفاء 2/286.
(20) - فتاوى السبكي 2/575.
(21) - الإعلام ص 380.
(22) - الرد على الرافضة ص 13.
(23)
- المرجع السابق ص 8 وانظر ص 17. والنقولات الثلاثة الأخيرة نقلاً من كتاب
الشيخ عبدالعزيز العبداللطيف في نواقض الإسلام العملية.
(24) - الصارم المسلول، ص 586.
(25) - تفسير ابن كثير 3/267، وقد حكى ابن كثير هذا الإجماع أيضاً في البداية 8/92، وانظر مجموعة رسائل ابن عابدين 1/345.
(26)
- وبعض أهل العلم مال إلى أنه لا يكفر من سب أحد أمهات المؤمنين غير عائشة
إلاَّ في حالة واحدة وهي: أنه إذا كان سبه يتضمن الطعن برسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأما من انتقصَ من أحد أمهات المؤمنين بما لا غضاضة فيه
على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا لا يكون كافراً، وإنما هو من المحرمات
فحسب.
ولكن قد يقول قائل: إنَّ الغالب فيمن طعن في أمهات المؤمنين إنما يريد النيل من رسول الله أو من دين الإسلام.
انظر: حكم الاستهزاء بالدين. أحكامه وآثاره، تأليف: أحمد بن محمد القرشي، صـ: 450 وما بعدها.
(27) - طرح التثريب للعراقي 8/ 69.
(28) - تفسير أبي السعود - (ج 5/ ص 37).
(29) - انظر فتاوى السبكي 2/592، وطرح التثريب للعراقي 8/69.
(30) - انظر المحلى 13/504.
(31) - انظر الشفا 2/1113.
(32) - انظر الصارم المسلول ص 567.
(33) - انظر فتاوي السبكي 2/592.
(34) - أصول اللالكائي 7/ 1269. هذا وما قبله بتصرف من كتاب: نواقض الإيمان القولية
والعملية. د. عبدالعزيز العبد اللطيف. صـ: 434 وما قبلها.
(35) - ذكره الشيخ محمد بن عبدالوهاب في رسالته الرد على الرافضة، صـ 25.
المصدر: موقع العقيدة والحياة.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).