اقتلوا نعثلًا فقد كفر
الشبهة:
يدعي التيجاني الرافضي أنّ في مقدمة قتلة عثمان أم المؤمنين عائشة رضي الله
عنها قائلًا: "وفي مقدمتهم أم المؤمنين عائشة التي كانت تنادي بقتله
وإباحة دمه على رؤوس الأشهاد, فكانت تقول: اقتلوا نعثلاً فقد كفر".
ثم يعزو هذا القول بالهامش إلى الطبري, وابن الأثير, والعقد الفريد, ولسان العرب, وتاج العروس.
الرد: أقول:
1- هذه الرواية
التي تزعم أن عائشة رضي الله عنها قالت ذلك مدارُها على نصر بن مزاحم, قال
فيه العقيلي: "كان يذهب إلى التشيع, وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير".
وقال الذهبي: "رافضي جلد، تركوه".
وقال أبو خيثمة: "كان كذاباً".
وقال أبو حاتم: "واهي الحديث، متروك".
وقال الدارقطني: "ضعيف".
وقال الجوزجاني: "كان نصر زائفاً عن الحق مائلاً".
وقال صالح بن محمد: "نصر بن مزاحم روى عن الضعفاء أحاديث مناكير".
وقال الحافظ أبو الفتح محمد بن الحسين: "نصر بن مزاحم غال في مذهبه".
وعلى ذلك فهذه الرواية لا يعول عليها ولا يلتفت إليها, إضافة إلى مخالفتها للروايات الصحيحة الناقضة لها.
2- الروايات
الصحيحة الثابتة تظهر أن عائشة رضي الله عنها تألمت لمقتل عثمان, ودعت على
قاتليه، فعن مسروق -تابعي ثقة- قال: "قالت عائشة رضي الله عنها: تركتموه
كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه تذبحونه كما يذبح الكبش، قال مسروق:
فقلت: هذا عملك, كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج عليه، فقالت عائشة: والذي
آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم بسواد في بياض حتى جلست
مجلسي هذا, قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها".
وأخرج أحمد في
فضائله عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول –أي: في مقتل عثمان-: "ليتني
كنت نسياً منسياً, فأما الذي كان من شأن عثمان فوالله ما أحببت أن ينتهك
من عثمان أمر قط إلا انتهك مني مثله, حتى لو أحببت قتله قتلت".
وروى ابن شبة عن طلق بن حُشَّان قال: "قلت لعائشة: فيم قتل أمير المؤمنين عثمان؟ قالت: قتل مظلوماً، لعن الله قتلته".
وأخرج أحمد في
الفضائل عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: "كُنَّا مَعَ مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيٍّ (ابن الحنفية) فِي الشِّعْبِ فَسَمِعَ رَجُلًا يَنْتَقِصُ
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, وَعِنْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هَلْ شَهِدْتَ
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ سَمِعَ الصَّيْحَةَ مِنْ قِبَلِ الْمِرْبَدِ؟
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَعَمْ، عَشِيَّةَ
بَعَثَ فُلانَ بْنَ فُلانٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَا هَذَا؟ فَجَاءَ
فَقَالَ: هَذِهِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَلْعَنُ قَتَلَةَ
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: وَأَنَا أَلْعَنُ قَتَلَةَ
عُثْمَانَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِي السَّهْلِ
وَالْجَبَلِ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ: أَمَا
فِيَّ وَفِي ابْنِ عَبَّاسٍ لَكُمْ شَاهِدٍ عَدْلٍ: قُلْنَا: بَلَى ,
قَالَ: فَانْتَهُوا".
3- المعلوم عند
جميع المؤرخين أن عائشة خرجت تطالب بدم عثمان, فكيف يوفق بين موقفها هذا
وقولها: اقتلوا نعثلًا فقد كفر؟! إلا أن هذا القول كذب صريح عليها.
الشبهة:
ثم يقول: "وبالمناسبة أذكر هنا قصّة طريفة ذكرها بعض المؤرخين, ولها علاقة
بموضوع الإرث, قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة: جاءت
عائشة وحفصة رضي الله عنهما ودخلتا على عثمان أيام خلافته, وطلبتا منه أن
يقسم لهما إرثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان عثمان متكئاً
فاستوى جالساً, وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهّر ببوله,
وشهدتما أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: «نحن معشر الأنبياء لا نورث»,
فإذا كان الرسول صلى الله عليه سلم حقيقة لا يورّث فماذا تطلبان بعد هذا،
وإذا كان الرسول صلى الله عليه سلم يورّث فلماذا منعتم فاطمة حقها؟ فخرجت
من عنده غاضبة, وقالت: اقتلوا نعثلاً فقد كفر".
الرد: أقول:
1- فتحت شرح
النهج في (16/ 220-223) كما أشار بالهامش فلم أجد لهذه الرواية المكذوبة
أثراً! ولكن وجدت هذه الرواية: عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة: «أن
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أردن لما توفّي أن يبعثن عثمان بن عفان
إلى أبي بكر يسأله ميراثهنَّ أو قال ثمنهنَّ، قالت: فقلْتُ لهنّ أليس قد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة».
وهذه الرواية أخرج مثلها البخاري ومسلم في الصحيح، وهي كما ترى تناقض القصة التي ذكرها التيجاني في كتابه.
2- مجرّد عزو
التيجاني على شرح النهج لابن أبي الحديد ليس فيه أي حجة؛ لأنه ليس من أهل
المعرفة بالحديث, فيضع في كتابه من الأحاديث غثّها وسمينها، ومع ذلك فإني
لم أستطع العثور على هذه القصة في الموضع المشار إليه، وأخشى أن تكون من
عنديّات التيجاني، وعلى العموم فالأحاديث الصحيحة وسيرة كل من عائشة وعثمان
رضي الله عنهما تكذّب هذا الخبر وترّده والحمد لله.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).