0
البرهان في تبرئة أبي هريرة من البهتان
استنكار عبد الحسين الموسوي رؤية الله يوم القيامة:
في (ص:64) أورد عبد الحسين حديث رقم: (2) رؤية الله يوم القيامة بالعين الباصرة في صور مختلفة. أخرج الشيخان بالإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا -شَكَّ إِبْرَاهِيمُ-، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمِ السَّعْدَانَ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ المُوبَقُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ -أَوِ المُوثَقُ بِعَمَلِهِ-، وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ، أَوِ المُجَازَى.. أَوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ المَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، قَدْ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ القَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ، وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَلاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ أَبَدًا؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَيَدْعُو اللَّهَ، حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ، لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي ربه مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الجَنَّةِ، انْفَهَقَتْ لَهُ الجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِي الجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَلاَ تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لاَ أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ، يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ: اللَّهُ ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ».
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول مفنداً هذا الحديث النبوي الشريف قائلًا: "وهذا حديث مهول ألفت إليه أرباب العقول, فهل يجوز عندهم أن تكون لله صورة مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر؟ وهل يرون أن لله ساقًا تكون آية له وعلامة عليه؟ وبأي شيء كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء؟ وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولًا وثانيًا؟ وهل يجوز عليه الضحك؟ وأي وزن لهذا الكلام؟".
قلت: إن المؤلف مقصده الرد على أهل السنة والإنكار عليهم في معتقدهم رؤية الله يوم القيامة، وليس مقصده كما يتخرص في مقدمة كتابه: "تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث أبي هريرة"؛ لذلك ألف كتاباً مستقلًا في الرد عليهم سماه: "كلمة حول الرؤية"، فغرض المؤلف الرد على أهل السنة؛ إذ إنه يعلم أن حديث رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين رواه أكثر من عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه اتخذ أبا هريرة دهليزاً له!! وهذا هو غرضه كما بينت في مقدمة الكتاب.
على كل حال نرد في عجالة على شبهات المؤلف, فقوله: "هل يجوز عندهم أن تكون لله صورة مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر؟".
قلت: قال ابن الجوزي: "اعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف".
وقال ابن حجر نقلًا عن ابن بطال: "تمسك به –أي: بهذا الحديث- المجسمة, فأثبتوا لله صورة، ولا حجة لهم فيه؛ لاحتمال أن يكون بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلًا على معرفته, كما يسمى الدليل والعلامة صورة, وكما تقول: صورة حديثك كذا, وصورة الأمر كذا, والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة، وأجاز غيره أن المراد بالصورة الصفة...".
ونقل ابن التين: "أن معناه صورة الاعتقاد، وأجاز الخطابي أن يكون الكلام خرج على وجه المشاكلة؛ لما تقدم من ذكر الشمس والقمر والطواغيت...".
وقال غيره من العلماء: "يأتيهم بأهوال القيامة، وصورة الملائكة، مما لم يعهدوا مثله في الدنيا، فيستعيذون من تلك الحال".
ويقولون: "إذا جاء ربنا عرفناه، أي: أتى بما يعرفونه من لطفه، وهي الصورة التي يعرفون".
قوله: "فيكشف عن ساق: أي: عن شدة, كأنه يرفع تلك الشدائد المهولة، فيسجدون شكرًا".
وقال بعضهم: "صورة يمتحن إيمانهم بها، كما يبعث الدجال فيقولون: نعوذ بالله منك".
وأما قوله: "وهل يرون أن لله ساقاً تكون آية له وعلامة عليه؟ وبأي شيء كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء؟ وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولًا وثانيًا؟ وهل يجوز عليه الضحك؟ وأي وزن لهذا الكلام؟".
قلت: إن كلامه هذا يدل على جهل قبيح ليس له مثيل، ولا أعلم أن أحداً من قبل سبقه، ألا يقرأ هذا الذي لقبوه بالعلامة القرآن الكريم! ألا يقرأ قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ [البقرة:210].
وقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام:158].
وقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:21-22].
وأما إنكاره لرؤية الله بقوله: "وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصور متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر لا تكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا".
قلت: أولًا: إن المخالفين لكم، المثبتين للرؤية وهم الصحابة والتابعون والأئمة المهتدون من أهل الفقه والحديث ممن لهم قدم صدق في العالمين، هؤلاء أكثر العقلاء، وأوفر عدداً منكم.
قال النووي: "اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلًا, وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة, وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين, وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه, وأن رؤيته مستحيلة عقلًا، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح, وقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين, ورواها نحو عشرين صحابياً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وآيات القرآن فيها مشهورة, واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة, وكذلك باقي شبههم, وهي مستقاة في كتب الكلام..".
وقال ابن حجر في الفتح نقلًا عن ابن بطال: "ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة, ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة, وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثًا وحالًا في مكان، وأولوا قوله: ﴿نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة:23] بمنتظرة, وهو خطأ؛ لأنه لا يتعدى بإلى، ثم ذكر نحو ما تقدم, ثم قال: وما تمسكوا به فاسد؛ لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود، والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم, فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئي.
قال" وتعلقوا بقوله عز وجل: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:103].
وقوله عز وجل لموسى: ﴿لَن تَرَانِي﴾ [الأعراف:143].
والجواب عن الأول: أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعًا بين دليلي الآيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته.
على أن العقل الصحيح لا يخالف القرآن والسنة الثابتة الصحيحة، ولا يتعارضان أبداً، وما ظهر من تعارض في الظاهر، فإنه لعدم صحة في النقل، أو عدم كمال في العقل، على أن العقل إذا ترك ونفسه لم يحكم باستحالة رؤيته إلا إذا صرفه برهان".
وقد أسفّ هذا المؤلف بفلسفته هذه كل إسفاف, واعتسف فيها أي اعتساف؛ لتكون هذه الأحاديث حجة عليك يوم القيامة حين ألزمت نفسك العمل بها, ودعوت الناس إليها! والحديث الأول يقرب إلى ذهنك معنى "الإدراك", وهو قول الإمام المعصوم للراوي: "أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك".
فقد روى الكليني عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر (ع): ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ [الأنعام:103]؟ فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون".
وروى الكليني والصدوق بإسنادهما عن يعقوب بن إسحاق قال: "كتبت إلى أبي محمد أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع (ع): يا أبا يوسف! جلّ سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى، قال: وسألته هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه؟ فوقع (ع): إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله صلى الله عليه وسلم بقلبه من نور عظمته ما أحبّ".
وروى الكليني والصدوق عن عبد الله بن سنان، عن أبيه قال: "حضرت أبا جعفر (ع) فدخل عليه رجل من الخوارج, فقال له: يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟ قال: الله تعالى، قال: رأيته؟ قال: بل لم تره العيون بمشاهدة الأبصار, ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات, لا يجوز في حكمه ذلك, الله لا إله إلا هو، قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته".
وروى الكليني والصدوق عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله قال: "جاء حبر إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: يا أمير المؤمنين! هل رأيت ربك حين عبدته؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد رباً لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار, ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان".
وروى الصدوق في "التوحيد" (ص:112) ح (11) عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: "سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن؟! قلت: بلى، قال: أما تقرأ قوله عز وجل: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ [الأنعام:103]؟ قلت: بلى، قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى، قال: وما هي؟ قلت: أبصار العيون, فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون, فهو لا تدركه الأوهام, وهو يدرك الأوهام".
فقولك هذا رد على أئمتك المعصومين؛ لأنك لا تفهم أحاديثهم.
جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة من طريق آل البيت:
إليك بعض هذه الأحاديث باختصار:
جاء في "لآلئ الأخبار" (4/ 410-411) لعمدة العلماء والمحققين محمد التوسيركاني في "باب في أن أهل الجنة يسمعون صوته" هذا الحديث -وهو حديث طويل- ونصه: "في أن أهل الجنة يسمعون صوته تعالى, ويخاطبهم وينظرون إليه, وهما ألذ الأشياء عندهم, قال (ع) في حديث يذكر فيه اشتغال المؤمنين بنعم الجنة: فبينما هم كذلك إذ يسمعون صوتاً من تحت العرش: يا أهل الجنة! كيف ترون منقلبكم؟ فيقولون: خير المنقلب منقلبنا, وخير الثواب ثوابنا، قد سمعنا الصوت, واشتهينا النظر, وهو أعظم ثوابنا, وقد وعدته ولا تخلف الميعاد, فيأمر الله الحجاب فيقوم سبعون ألف حاجب فيركبون على النوق والبراذين, وعليهم الحلى والحلل, فيسبرون في ظل العرش حتى ينتهوا إلى دار السلام, وهي دار الله دار البهاء والنور والسرور والكرامة, فيسمعون الصوت فيقولون: يا سيدنا سمعنا لذاذة منطقك, فأرنا وجهك, فيتجلى لهم سبحانه وتعالى، حتى ينظرون إلى وجهه تبارك وتعالى المكنون من كل عين ناظر, فلا يتمالكون حتى يخروا على وجوههم سجدًا, فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك يا عظيم, قال فيقول: يا عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا بدار عمل, فإذا رفعوا رفعوها وقد أشرقت وجوههم من نور وجهه سبعين ضعفًا, ثم يقول: يا ملائكتي أطعموهم واسقوهم.. يا ملائكتي طيبوهم فيأتيهم ريح من تحت العرش يمسك أشد بياضًا من الثلج, ويعبر وجوههم وجباههم وجنوبهم تسمى المثيرة, فيستمكنون من النظر إلى وجهه, فيقولون: يا سيدنا حسبنا لذاذة منطقك والنظر إلى وجهك لا نريد به بدلًا, ولا نبتغي به حولًا, فيقول الرب: إني أعلم أنكم إلى أزواجكم مشتاقون, وأن أزواجكم إليكم مشتاقات, ارجعوا إلى أزواجكم, قال: فيقولون: يا سيدنا اجعل لنا شرطاً, قال: فإن لكم كل جمعة زورة, ما بين الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدّون, قال: فينصرفون, فيعطى كل رجل منهم رمانة خضر في كل رمانة سبعون حلة.... حتى يبشروا أزواجهم وهن قيام على أبواب الجنان قال: فلما دنا منها نظرت إلى وجهه فأنكرته من غير سوء، وقالت: حبيبي لقد خرجت من عندي وما أنت هكذا, قال: فيقول: حبيبتي تلومني أن أكون هكذا, وقد نظرت إلى وجه ربي تبارك وتعالى, فأشرق وجهي من نور وجهه، ثم يعرض عنها فينظر إليها نظرة فيقول: حبيبتي لقد خرجت من عندك وماكنت هكذا, فتقول: حبيبي تلومني أن أكون هكذا، وقد نظرت إلى وجه الناظر إلى وجهه ربي, فأشرق وجهي من وجه الناظر إلى وجه ربي سبعين ضعفًا، فتعانقه من باب الخيمة والرب يضحك إليهم".
وفي "البحار" (8/ 126) ح (27) باب الجنة ونعيمها عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (ع) قال: "ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل، فإن الله لم يبين ثوابها؛ لعظيم خطرها عنده, فقال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة:16] إلى قوله:﴿يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة:19] ثم قال: إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة, فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكًا معه حلة فينتهي إلى باب الجنة فيقول: استأذنوا لي على فلان, فيقال له: هذا رسول ربك على الباب، فيقول: لأزواجه أي شيء ترين عليّ أحسن؟ فيقلن: يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك شيئًا أحسن من هذا, بعث إليك ربك، فيتزر بواحدة, ويتعطف بالأخرى, فلا يمرّ بشيء إلا أضاء له حتى ينتهي إلى الموعد، فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى، فإذا نظروا إليه خرّوا سجدًا, فيقول: عبادي! ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة, قد رفعت عنكم المؤونة، فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل مما أعطيتنا، أعطيتنا الجنة، فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفًا، فيرجع المؤمن في كل جمعة بسبعين ضعفًا مثل ما في يديه, وهو قوله: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق:35] وهو يوم الجمعة".
وإذا لم تستطع فهم هذه الرواية، نورد لك كلام إمامك ووصيك الرابع, فقد أثبت رؤية الله تعالى في الآخرة كما جاء في الصحيفة السجادية، في حين عكست الآية كما سيأتي توضيحه.
قال الإمام السجاد رحمه الله تعالى ما نصه: "واقدر أعيينا يوم لقائك برؤيتك" بل لا يحتاج تخصيص المؤمنين في الآخرة ببصر غير أبصارهم في الدنيا، كما يدعي المؤلف؛ لأن إمامه المعصوم يقول: إنهم رأوه قبل يوم القيامة، حين قال الله لهم: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾ [الأعراف:172].
فقد أخرج الصدوق في "التوحيد" (ص:117) ح (20) بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: "قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت: متى؟ قال: حين قال لهم: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾ [الأعراف:172] ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك, فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا، فإنك إذا حدثت به أنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله, ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر, وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون".
وجاء إثبات الرؤية من كلام الإمام السجاد رحمه الله تعالى الذي أعرض "المؤلف الأمين" عن ذكره هنا, واقتصر على بعض الأذكار بقوله: "وإليك ما يحضرني من نصوصها في الموضوع"، فحاول طمسها في مهدها، ولو كانت هذه النصوص في صالحه لما طمسها ومرّ عليها هكذا مرور الكرام، وهكذا يفعلون، ولكن شاء الله أن يفضح أمر "آية الكذب والتدليس"، وإليك هذه الأدعية, قال في دعاء المتوسلين: "وأقررت أعينهم بالنظر إليك يوم لقائك".
وقال في دعاء آخر وهو دعاء المحبين: "ولا تصرف عني وجهك".
وفي دعاء آخر وهو: "وشوقته إلى لقائك ورضيته بقضائك, ومنحته بالنظر إلى وجهك".
وفي دعاء آخر وهو مناجاة الزاهدين: "ولا تحجب مشتاقيك عن النظر إلى جميل رؤيتك".
وفي دعاء آخر وهو مناجاة المفتقرين: "واقدر أعيينا يوم لقائك برؤيتك".
وفي دعاء آخر وهو في استكشاف الهموم: "رغبتي شوقاً إلى لقائك..".
أما ما لفقه عبد الحسين في كتابه: "كلمة حول الرؤية" (ص:39)، واستشهاده ببعض أدعية السجاد على نفي الرؤية، فإن هذا جهل بكلام العرب، وغريب أمر هذا المؤلف؛ إذ كيف تستعجم عليه اللغة, وقد وصل إلى درجة العلاّمة, فمثلًا استشهاده بقول السجاد: "إلهي قصرت الألسن عن بلوغ ثنائك كما يليق بجلالك، وعجزت العقول عن إدراك كنه جمالك، وانحصرت الأبصار دون النظر إلى سبحات وجهك، ولم تجعل للخلق طريقًا إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك, الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين..".
فأين نفيه رحمه الله رؤية الله؟، بل لم يستطع المؤلف أن يورد دعاء واحدًا يدل على نفي الرؤية وهذا عجيب، مما يدل أنه وأتباعه ليسوا شيعة أهل البيت، بل شيعة الطوسي والمجلسي والمفيد وأضرابهم! بل وهذا من عقائد المعتزلة.. وغيرهم الذين نفوا رؤية الباري تعالى يوم القيامة، وأما مذهب أهل البيت هم على مذهب أهل السنة من السلف القائلين برؤية الله تعالى يوم القيامة.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top