0
استدلال الرافضة بحديث: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» والرد عليه
حديث: «يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» الحديث صحيح، وقد أخرجه الشيخان.. وغيرهما(1), وهو من فضائل علي؛ ولهذا ذكره العلماء في مناقبه.
وأما ما ادعاه الرافضة من الدلالة على اختصاص علي بالوزارة والوصاية والخلافة فغير صحيح، فليس في الحديث أي دلالة على ما ذكر؛ وذلك أن هذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعلي عندما أراد الخروج إلى غزوة تبوك، وكان قد استخلفه على المدينة بعد أن استنفر الناس للخروج معه، فلم يبق بالمدينة إلا النساء والصبيان وأصحاب الأعذار، فشق ذلك على علي، فجاء إلى لنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: «أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى»(2).
وقيل: إن بعض المنافقين قال: إنما خلفه لأنه يبغضه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك(3).
ومعلوم من السيرة أن هذا الاستخلاف لم يكن خاصاً بعلي، فقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة غيره عندما كان يخرج غازياً أو حاجاً أو معتمراً، فقد استخلف في غزوة بدر: عبد لله ابن أم مكتوم، واستخلف في غزوة بني سليم: سباع بن عُرفطة الغفاري، أو ابن أم مكتوم على اختلاف في ذلك، واستخلف في غزوة السويق: بشير بن عبد المنذر، واستعمل على المدينة في غزوة بني المصطلق: أبا ذر الغفاري، وفي غزوة الحديبية: نُمَيْلَةَ بن عبد الله الليثي كما استعمله أيضاً في غزوة خيبر، وفي عمرة القضاء استعمل: عويف بن الأضبط الديلي، وفي فتح مكة: كلثوم بن حصين بن عتبة الغفاري، وفي حجة الوداع: أبا دجانة الساعدي, ذكر هذا ابن هشام في مواطن متفرقة من السيرة(4).
وهذا مما يدل على عدم اختصاص علي بالاستخلاف، وأنه قد شاركه في ذلك جمع من الصحابة، وبالتالي تبطل مزاعم الرافضة التي يعلقونها على هذا الحديث، كدعوى الوصية لعلي, وأنه أفضل الصحابة.
وقد نبه العلماء قديماً على هذا، وردوا على الرافضة في احتجاجهم بهذا الحديث، وأن غاية ما تضمنه هو تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم استخلافه لعلي باستخلاف موسى لهارون في حال غيبته؛ تطييباً لنفس علي، وإظهاراً لكرامته عنده، دون ما بنته الرافضة على الحديث من أوهام باطلة، لا يحتملها لفظ الحديث ولا مناسبته.
فإن قال الرافضة: قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» قيل لهم: كذلك نقول في استخلافه على المدينة في حياته بمنزلة هارون من موسى، وإنما خرج هذا القول له من النبي صلى الله عليه وسلم عام تبوك؛ إذ خلفه بالمدينة، فذكر المنافقون أنه ملّه وكره صحبته، فلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم فذكر له قولهم فقال: "بل خلفتك كما خلف موسى هارون"، فإن قال الطاعن: لم يرد استخلافه على المدينة؟ قيل له: هل شاركه في النبوة كما شارك هارون موسى، فإن قال: نعم, كفر، وإن قال: لا، قيل له: فهل كان أخاه في النسب, فإن قال: نعم, كذب، فإذا بطلت أخوة النسب ومشاركة النبوة فقد صح وجه الاستخلاف، وإن جعل استخلافه في حياته على المدينة أصلاً، فقد كان يستخلف في كل غزاة غزاها غيره من أصحابه، كابن أم مكتوم، وخفاف بن إيماء بن رخصة.. وغيرهما من خلفائه(5).
وقال النووي: "وهذا الحديث لا حجة فيه لأحد منهم، بل فيه إثبات فضيلة لعلي ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك, ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى، بل توفي في حياة موسى، وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص، قالوا: وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة"(6).
وقال ابن حزم بعد أن ذكر احتجاج الرافضة بالحديث: "وهذا لا يوجب له فضلاً على من سواه، ولا استحقاق الإمامة بعده؛ لأن هارون لم يل أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهما السلام، وإنما ولي الأمر بعد موسى يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السلام، كما ولي الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة، وإذا لم يكن علي نبياً كما كان هارون نبياً، ولا كان هارون خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل فصح أن كونه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط، وأيضًا فإنما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك.. ثم قد استخلف قبل تبوك وبعد تبوك في أسفاره رجالاً سوى علي، فصح أن هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلاً على غيره، ولا ولاية الأمر بعده، كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين"(7).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سياق رده على الرافضة في استدلالهم بهذا الحديث: "وقول القائل هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا، هو كتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق، لا يقتضي المساواة في كل شيء, وكذلك هنا هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق، وهو استخلافه في مغيبه كما استخلف موسى هارون، وهذا الاستخلاف ليس من خصائص علي، بل ولا هو مثل استخلافاته، فضلاً أن يكون أفضل منها، وقد استخلف مَنْ علي أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المُسْتخلَف على عليّ إذا قعد معه، فكيف يكون موجباً لتفضيله على عليّ؟ بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف عليّ، بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك, وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر، فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة، فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفتحت مكة, وظهر الإسلام وعزّ؛ ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يغزو أهل الكتاب بالشام، ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو؛ ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم عند عليّ أحداً من المقاتلة، كما كان يدع بها في سائر الغزوات, بل أخذ المقاتلة كلهم معه"(8).
فهذه أقوال العلماء المحققين كلها دائرة على معنى واحد: وهو عدم اختصاص علي بهذا الاستخلاف, ولا بشيء مما تدعيه الرافضة فيه من الوصية أو الأفضلية على غيره، وأن تشبيه
النبي صلى الله عليه وسلم له بهارون ليس من كل وجه، فقد دل النص على نفي النبوة، ودل الواقع على نفي الاستخلاف بعد الممات؛ كما هو معلوم من حال المشبه به وهو هارون؛ لموته في حياة موسى، فلم يبق إلا الاستخلاف في الحياة في حال الغيبة، وهذا أمر لا نزاع فيه, لكنه ليس من خصائص علي، فالرافضة لا تنتفع منه بشيء في تقرير عقيدتها إلا وهو ثابت في حق غير علي من المستخلفين الذين تقدم ذكرهـــم.
وهنا أيضًا تعليق بسيط: فالمعلوم أن أولي العزم من الأنبياء هم أفضل الأنبياء, وهذا بإجماع الأمة.
إذًا: فإبراهيم وموسى ونوح وعيسى، أفضل من هارون عليهم السلام جميعًا, فما قول الاثني عشرية بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم:36], وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة:118], وإن مثلك يا عمر مثل موسى قال: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ [يونس:88], وإن مثلك يا عمر مثل نوح قال: ﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح:26]»(9).
والله الموفق.
_______________________
(1) صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب, فتح الباري (7/ 71)، ح (3706)، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب (4/ 1870)، ح (2404)، والمسند للإمام أحمد (6/ 438)، (6/ 369).
(2) جاء توضيح ذلك في بعض روايات الحديث، انظر: صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة تبوك، فتح الباري (8/ 122)، ح (4416)، وصحيح مسلم بحسب ما جاء في الإحالة السابقة.
(3) انظر: تاريخ الطبري (3/ 103-104)، والبداية والنهاية لابن كثير (5/ 7).
(4) انظر السيرة النبوية لابن هشام 2/ 650،804, 806)، (3/ 1113, 1133، 1154، 1197)، (4/ 1241، 1457).
(5) الإمامة والرد على الرافضة (ص:221-222).
(6) شرح صحيح مسلم (13/ 174).
(7) الفصل (4/ 159-160).
(8) منهاج السنة (7/ 330-332)، وانظر: أيضاً (5/ 34) من الكتاب نفسه، ومجموع الفتاوى (4/ 416).
(9) كتاب المغازي - مصنف ابن أبي شيبة (38)، والبيهقي في كتاب قسم الفيء والغنيمة (12623)، مسند الإمام أحمد عن عبدالله بن مسعود.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top