عبد الرحمن بن عبد الله
السحيم
السؤال :
النصوص القرآنية والأحاديث الواردة في مسألة الإمامة
تحت هذا العنوان كُتب رافضي :
النصوص القرآنية والأحاديث الواردة في مسألة الإمامة
أولا : رؤية نقدية لمرويات أهل السنة في هذا الموضوع ، ثانيا قراءة عقلية للنص القرآني والأحاديث الواردة في مسألة الإمامة .
الجواب :
فأقول – مستعينا بالله – :
أولاً : ليس للرافضة حقّ في الكلام في النصوص القرآنية حتى يُسلِّموا بِسلامة النص القرآني من التحريف .
وقد ألّف أحد علماء الرافضة ، وهو " حسين النوري الطبرسي ت 1320 هـ" كِتابا سمّاه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " ، وقد أورد فيه ما يزيد على ألفي رواية عن أئمة الرافضة بالقول بتحريف القرآن ! ومنها روايات في أصحّ كُتُب الرافضة ، وهو كِتاب " الكافي " للكليني ، الذي تُسمّيه الرافضة " حُجّة الإسلام " !
ولا يحتاج هذا الهراء إلى ردّ ، فقد أسقط كِتابه مِن عنوانه !
كيف ؟
إذا كان الكتاب – القرآن – هو كِتاب ربّ الأرباب .. فَلِم لَم يحفظه ؟!
وإن لم يكن كتابه فليس القرآن هو المقصود !
ولا يُقال : هذا رأي عالِم واحد من علماء الرافضة !
لأن أكثر علماء الرافضة يقولون بهذا القول صريحا في كُتُبهم ، إلاّ أنهم لا يُصرِّحوُن به لأمرين :
الأول : تقيّة ، والتقية عندهم تسعة أعشار الدِّين !
الثاني : لسقوط هذا القول عند جماهير المسلمين ، وبالتالي سقوط من يقول به ، واحتراق جميع أوراقه !
ولذلك يقول الجزائري في كتابه " الأنوار النعمانية " : والظاهر إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة ، منها : سَدّ باب الطعن عليها !
وأكثر علماء الرافضة على القول بتحريف القرآن ! ولذا حصر بعضهم الذين قالوا بعدم التحريف فلم يستطع تسمية سوى أربعة أو خمسة من علماء الرافضة !
كما فعل محمد جواد مغنية في محاولة ردّ القول بعدم التحريف ، فلم يستطع التمثيل سوى بأربعة علماء من علماء الرافضة لم يقولوا بالتحريف !
ويقول الكاشاني في تفسيره : " إن القرآن ليس بِتمامه ! كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مُغيّر ومُحرّف ، وانه حُذِف منه أشياء كثيرة ، منها اسم عَلِيّ عليه السلام في كثير من المواضع ! ومنها لفظة ( آل محمد ) صلى الله عليه وسلم غير مرة ، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ، ومنها غير ذلك "
وسآتي بأمثلة على التحريف لاحقا – إن شاء الله – .
كما لا يُقال : كِتاب " الطبرسي " قد رُدّ عليه !
فأقول : الطبرسي قد انتصر لِكتابه هذا بِكتاب آخر !
وهو مُعظّم مُفخَّم عند الرافضة ! وثناء أتباعه ومؤيّديه كثير جدا !
والطبرسي هذا قد أورد سورة الولاية في كِتابه إيراد المنتصر لها !
وعلماء الرافضة – إن كان فيهم علماء – في هذه المسألة بين المطرقة والسِّـنْدان !
فمن قال من علماء الرافضة بتحريف القرآن فهو مُطّرد مع نفسه ! وكفانا سُخف هذا القول لِِرَدّه !
ومن قال بعدم التحريف لَزِمه قبول إمامة مَن جَمَع القرآن ، وأمة الإسلام مُتّفقة على أن أول من جمع القرآن هو أبو بكر رضي الله عنه ، ثم كان كذلك في زمن عُمر رضي الله عنه ، ثم الجمع الأخير في خلافة عثمان رضي الله عنه .
فإما أن يُقبَل القرآن وتُقبَل إمامة من جَمَعوه ، وإلاّ يُرَدّ القرآن بِرَدّ وتكفير من جَمَعوه !
واعتقاد الرافضة أن الخلفاء الثلاثة قد كَفَروا وارتدّوا !
وكفى بِقُبْح هذا القول وسُخفه سقوطا !
وحتى الذين قالوا بِعدم وقوع التحريف في القرآن مِن علماء الرافضة – وهم قِلّة – تخبّطوا في ذلك ! لأنه اصطدموا بأمْر مُسَلَّم عندهم ، وهو : إثبات مصحف علي ، ومصحف فاطمة !
ثانيا : قول الرافضي بعد ذلك : (بيد أن قيام الثورة الإسلامية في إيران ، بقيادة آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني ، قد ألقى عدة أحجار في البحيرة الراكدة)
أقول : هو لم يُلق حجرا ، بل بَالَ في الماء الراكد !
لأنه أراد إخراج الرافضة مِن رِقّ إلى رِقّ آخر ! ومن خُرافة إلى خرافة ثانية !
فالخرافة الأولى ما اعتقدوه في الإمام الثاني عشر – الذي اختَلَفُوا في ولادته أصلا – والذي يعتقدون أنه دخل سردابا في سامرّاء ! منذ أكثر من ألف سنة !
وهم ينتظرون خروجه ، إذ هو القائم ، وهو الذي تجتمع عليه الرافضة !
فلما أراد الخميني أن يُعطي نفسه الصبغة الشرعية والهيمنة الدينية على الرافضة اخترع " ولاية الفقيه " !
ثالثا : ما يتعلّق بمسألة الإمامة بين السنة والرافضة ، فأهل السنة هم الذين كانوا يجتمعون على الأئمة ، ولو كانوا أئمة جَور ، جَمعا للكلمة ، وتوحيدا للصّف .
وأهل السنة يُصلّون خَلْف كل بَرّ وفاجر جمعا للكلمة ووحدة للصَّفّ .
وأهل السنة يجتمعون في مساجدهم على إمام الصلاة ، وبالتالي فهم أفضل من يجتمعون على إمام أعظم .
وأما الرافضة فهم لا يجتمعون في صلاتهم خَلْف إمام ، ولا يجتمعون خَلْف إمام أعظم أيضا ! حتى يَخرُج " القائم " وهو الذي قد دخل سرداب سامراء قبل أكثر من ألف عام بِزعمهم !
والرافضة هم الذين ينطلقون من مُنطلقات " ثورية " ! زاعمين أن الحسين رضي الله عنه كان ثوريا !
ولذا خرجوا على الدولة العباسية ، وتآمروا على قتل الخليفة ، بل وعلى استباحة ديار المسلمين مِن قِبَل الكُفّار !
وما أخبار ابن العلقمي منا ببعيد ، وكُتُب التواريخ شاهدة بذلك .
فليس للرافضة الحقّ في الكلام في هذه المسألة ؛ لأنهم لا يجمعهم إمام ، فضلا عن عدم الإيمان بالقرآن على أنه كلام الله الْمُنَزَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رابعا : حَمَل الرافضة على القول بالإمامة تحريف آيات القرآن الكريم لتتوافق مع مُعتقداتهم في الإمامة !
وخذ على سبيل المثال :
علي بن إبراهيم القمي .
يقول عنه الطبرسى صاحب " أعلام الورى " : إن على بن إبراهيم من أعظم الرواة في عصر الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، ونقل عنه الشيخ يعقوب الكليني الكثير من الروايات في " أصول الكافي " . اهـ .
القمي هذا له تفسير مشهور عند الرافضة ، وهو من أقدم كُتُب تفاسير الرافضة ، وقد أورد عدة آيات حرّف لفظها ليتماشى مع القول بالإمامة !
خذ على سبيل المثال :
حرّف قوله تعالى : ( كنتم خير أمة ) إلى ( كنتم خير أئمة ) !
وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) زاد فيها ( في عليّ ) ، لتُصبح الآية عنده هكذا (بلّغ ما أُنزل إليك من ربك في عليّ ... ) !
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا) زاد فيها (آل محمد حقّهم ) ! لتكون الآية عنده (إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقّهم ... ) !
وكذلك قوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) زاد فيها (آل محمد حقهم ) ، لتكون الآية عنده (وسيعلم الذين ظلموا آل محمد حقهم ... ) !
ووزاد مثل ذلك في قوله تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) ، لتكون الآية عنده (ولو ترى إذ الظالمون آل محمد حقهم ... )
وفي قوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) جَعَلها في عليّ رضي الله عنه ، فتكون الآية عنده : (إن عليّ إلاّ عبدٌ أنعمنا عليه ...) !
ويَجري تلميذه الكليني على نفس المنوال !
فقد روى الكليني في " الكافي " عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : ( وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) قَالَ : عَهِدْنَا إِلَيْهِ فِي مُحَمَّدٍ وَالأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ فَتَرَكَ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ أَنَّهُمْ هَكَذَا ، وإِنَّمَا سُمِّيَ أُولُو الْعَزْمِ أُوْلِي الْعَزْمِ لأَنَّهُ عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ وَ الأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَالْمَهْدِيِّ وَسِيرَتِهِ وَأَجْمَعَ عَزْمُهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَالإِقْرَارِ بِهِ .
وروى الكليني أيضا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فِي قَوْلِهِ : وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ كَلِمَاتٍ فِي مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الأَئِمَّةِ ( عليهم السلام ) مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ فَنَسِيَ ) هَكَذَا وَاللَّهِ نَزَلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) .
وروى أيضا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) قَالَ : أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وآله ) ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) قَالَ : إِنَّكَ عَلَى وَلايَةِ عَلِيٍّ ، وَعَلِيٌّ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ .
وروى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) قَالَ : نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ( عليه السلام ) بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) هَكَذَا ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِي عَلِيٍّ بَغْياً ).
وروى عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ( عليه السلام ) بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ هَكَذَا : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فِي عَلِيٍّ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) .
وروى عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ : نَزَلَ جَبْرَئِيلُ ( عليه السلام ) عَلَى مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) بِهَذِهِ الآيَةِ هَكَذَا : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا فِي عَلِيٍّ نُوراً مُبِيناً ) .
والروايات عند الكليني في أصحّ كُتُب الرافضة كثيرة ، ولم أورِد كل ما وقفت عليه !
فأنت ترى تشدّق الرافضة بالإمامة والولاية حتى حرّفوا القرآن لأجلها ، بل جعلوها هي الكلمات التي عَهِد الله بها إلى آدم ، وأنها في حق آل البيت !
هذا ما يتعلّق بتحريف الرافضة للقرآن ، لإثبات الإمامة بزعمهم
فصار الإمامة عندهم غاية وليست وسيلة !
خامسا : إمامة أبي بكر ثابتة بالنصّ وبالإجماع .
أما النصّ فدلالة قوله تعالى : (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) .
وقوله تعالى : (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)
وقوله عزّ وَجَلّ : (وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى)
فهذه الآيات نزلت في أبي بكر رضي الله عنه .
وأدلة السنة كثيرة ، منها :
تقديمه صلى الله عليه وسلم لأبي بكر يؤمّ الناس ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا حضرته الوفاة قال : مُرُوا أبا بكر فَلْيُصَلِّ بالناس . رواه البخاري ومسلم .
ولذا كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : رضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا .
قال ابن عبد البر القرطبي : معلوم أن الصلاة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إليه لا إلى غيره ، وهو الإمام الْمُقْتَدَى به ، ولم يكن لأحد أن يتقدم إليها بحضرته ، فلما مرض واستخلف أبا بكر عليها والصحابة متوافرون ووجوه قريش وسائر المهاجرين وكبار الأنصار حضور ، وقال لهم : مُرُوا أبا بكر يصلي بالناس . استدلوا بذلك على أن أبا بكر كان أحق الناس بالخلافة بعده صلى الله عليه وسلم ، فارتضوا لإقامة دنياهم وأمانتهم من ارتضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لِدِينهم .
ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - مِن أن يُصَرِّح بخلافة أبي بكر رضي الله عنه إلا أنه كان لا ينظر في دين الله بهواه ، ولا يشرع فيه إلاَّ بما يُوحى إليه ، ولم يُوحَ إليه في الخلافة شيء .
وكان لا يتقدم بين يدي ربه في شيء إلاَّ أنه كان يُحِبّ أن يكون أبو بكر الخليفة بعده فأراهم بتقديمه إياه إلى الصلاة موضع اختياره ، وأرَاد به .
فعرف المسلمون ذلك منه فبايعوا أبا بكر بعده ، فنفعهم الله به ، وبارك لهم فيه ؛ فقاتل أهل الرِّدَّة ، وقام بأمر الله ، وعَدل في الرَّعية ، وقَسَم بالتسوية ، وسار سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله عز وجل .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة لكلام قاله عمر بن الخطاب : أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَر أبا بكر أن يُصَلِّي بالناس ؟ قالوا : نعم . قال : فأيكم تطيب نفسه أن يَنْزِعه عن مقامه الذي أقامه فيه رسول الله ؟ قالوا : كُلُّنا لا تطيب نفسه بذلك . اهـ .
وكان الصحابة رضي الله عنهم يُقدَّمون أبا بكر ، كما فعل بلال رضي الله عنه حينما تأخّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقام وصلّى أبو بكر رضي الله عنه .
وقوله عليه الصلاة والسلام قبل موته : لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ . ثُمَّ قُلْتُ : يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : قالَتْ عَائِشَة رضي الله عنها : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ : ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ ، وَيَقُولُ قَائِلٌ : أَنَا أَوْلَى ! وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ .
ولَمَّا جاءت امرأة فكَلَّمَتْهُ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ ، فَقَالَتْ : أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ ؟ قَالَ : إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ .
زَادَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ : كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ . رواه البخاري .
ولذا كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون : رضينا لِدُنيانا ما رَضِي به النبي صلى الله عليه وسلم لِدِيننا .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة لم يُقْتَل قتلاً ، ولم يَمُتْ فجأة ، مرض ليالي وأياما يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة ، وهو يرى مكاني فيقول : ائت أبا بكر فليُصَلِّ بالناس ، فلما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَظَرتُ في أمري فإذا الصلاة عظم الإسلام وقِوام الدِّين ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، بايعنا أبا بكر . رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى وابن عبد البر في التمهيد وابن عساكر في تاريخ دمشق .
وفي رواية : لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس وإني لشاهد ما أنا بغائب ، ولا في مرض ، فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا .
فنحن نرضى بمن رضي به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
- وسيأتي أن عليا رضي الله عنه بايَع أبا بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها -
ومما يدلّ على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي قبل حجة الوداع وأمّره عليها يؤذن في الناس : ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .
فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ، فلم يحجّ عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم مُشرِك .
فأقام النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر مقامه ، وجعله مُبلِّغًا عنه ، مُتحدِّثا باسمه .
وسيأتي أن الصحيح عند أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ثم أتبعه عَلِيًّا ، فكان عليّ رضي الله عنه تحت إمرة أبي بكر ، ولم يَرُدّ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ، ليُبلِّغ عنه رجل من آل بيته ، فالرواية ضعيفة ، وسيأتي الكلام عنها .
ففي رواية للبخاري : ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بِعَلِيّ بن أبي طالب وأمَرَه أن يؤذن ببراءة .
وهذا يدلّ على أن علياً رضي الله عنه كان تحت إمرة أبي بكر في تلك الحجّة التي قَبْل حجّة الوداع .
فهذه أحاديث صحيحة صريحة في إثبات أخوة أبي بكر وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، بل وفي النصّ على خلافته .
وعليّ رضي الله عنه أثبت خلافة أبي بكر بقوله وفِعله .
أما قوله فقد تقدّم قوله : فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا .
وأما فِعله فـ :
عَدم منازعة أبي بكر في أمر الخلافة .
قبوله لأحكام أبي بكر رضي الله عنه ، ولو كان عليّ رضي الله عنه يَرى أن أبا بكر ليس هو الخليفة ، أو يرى أنه غاصب لحق آل محمد – كما تقول الرافضة – لم يُمضِ أحكامه .
ومن أظهر الأحكام التي أمضاها قبوله لِسَبي أبي بكر ، فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذ جارية من سَبي بني حنيفة ، فإن أم محمد بن الحنفية من سَبْي بني حنيفة ، ومحمد بن علي يُنسب إلى أمِّـه فيُقال : محمد بن الحنفية .
فلو كان علياً رضي الله عنه لا يَرى خلافة أبي بكر أكان يأخذ سبيّة من سبايا حَرب سيّرها وأمَر بها الصدِّيق رضي الله عنه ؟
ولما قَدِم خالد بن سعيد بن العاص بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر وعليه جبة ديباج فلقي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب فصاح عمر بمن يليه : مزقوا عليه جبته ، أيَلبس الحرير ؟ فمزَّقوا جبته . فقال خالد لِعليّ : يا أبا الحسن يا بني عبد مناف أغُلبتم عليها ؟ فقال عليّ عليه السلام : أمُغالبة ترى أم خلافة ؟ قال : لا يُغالب على هذا الأمر أولى منكم يا بني عبد مناف . وقال عمر لخالد : فضّ الله فاك ، والله لا يزال كاذب يخوض فيما قلتَ ، ثم لا يضرّ إلاّ نفسه . ذَكَره ابن جرير الطبري في تاريخه وابن عساكر وابن كثير وغيرهم .
فخلافة أبي بكر رضي الله عنه ثابتة بالنص وبالإجماع ، فلا يُعلَم مُنازِع لأبي بكر رضي الله عنه ، وما رُوي عن عليّ رضي الله عنه فقد ثَبَت عنه أنه بايع أبا بكر بعد موت فاطمة رضي الله عنها .
قال سالم بن أبي الجعد : قلت لمحمد بن الحنفية لأي شيء قُدِّم أبو بكر حتى لا يُذكر فيهم غيره ؟ قال : لأنه كان أفضلهم إسلاما حين أسلم ، فلم يَزَل كذلك حتى قبضه الله .
ومحمد بن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه .
سادسا : دعوى الرافضي تحكيم العقل ، إذ يقول : (الأمر الذي دفعني لاستخدام المنطق العقلي في هذه الدراسة لأن ما يتناقض مع العقل هو المستحيل بعينه وهو المرفوض دراية ومن ثم رواية)
أقول : هذه مسألة اشتركت فيها الرافضة مع المعتزلة في تحكيم العقول في النصوص !
إلاّ أن المعتزلة أكثر اطِّرادا من الرافضة في هذه المسألة الْمبْتَدَعة !
وذلك لأن الرافضة تُلغي عقولها تماما أمام ( ملاليها ) ! فهم الذين يقولون : إنا وجدنا آباءنا على أمة !
وليس معهم من بضاعة سوى التقية ! التي هي تسعة أعشار الدِّين ، كما تقدّم !
فإذا وقف العقل أمام جهالات الملالي ! سوّغوا لهم ذلك بأن ذلك التناقض في دِين الرافضة إنما كان بسبب التقية !
وخذ على سبيل المثال :
مسألة تحريف القرآن ومسألة جَمْعِه .
تصطدم الرافضة أمام هذه الحقيقة بأمرين :
الأول : كون الخلفاء الثلاثة هم الذين جَمَعوا القرآن .
الثاني : ما زعمته الرافضة أن عليًّا رضي الله عنه جَمَع مصحفا ، وسيخرج به القائم !
فإذا ما سُئلوا : لِم لَم يُخرج عليا مصحفه عندما تولّى الإمامة ؟
أجابت الملالي : بأنه فَعَل ذلك تقية !
وإذا ما سُئلوا أيضا : إذا كان الخلفاء الثلاثة اغتصبوا آل محمد حقهم – كما تزعم الرافضة – فَلِم لَم يَقُم عليّ رضي الله عنه بِمحاربتهم مع أحقّيته ؟!
أجابوك : إنما فعل ذلك تقية !
وعلى ذلك أمثلة كثيرة ..
فالرافضة في دعوى العقل غير مطّرِدة مع أنفسها !
بينما اطّردت المعتزلة في هذه المسألة ، مع بدعيّتها !
ومع ذلك فنحن أهل السنة نقول : إن العقل الصريح لا يُناقض النقل الصحيح .
فلا يُمكن أن يكون هناك تعارض إلاَّ والْمُتَّهم فيه العقل !
سابعا : زَعَم الرافضي أن الإمامة (محصورة في الذرية والآل) !
وهذا تردّه الحقائق الشرعية .
واستدلاله بآية آل عمران أول أخطائه !
فالآية نصّ على اصطفاء الله عزّ وجلّ لآدم ونوح وآل إبراهيم .
قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)
فالإصطفاء ليس لكل بني آدم ، ولذا لم يأت في الآية : آل آدم ! ولا آل نوح ! لأن من ذرية آدم من ليس أهلا لذلك الاصطفاء !
ومثله في حق ذرية نوح عليه الصلاة والسلام ، كما جاء خبر ابنه في سورة " هود " .
ولذلك لم يأت في الآية آل نوح .
مع أن الناس من بعد نوح من ذريته ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) .
فليس الاصطفاء لِكُلّ آل إبراهيم ، كما أنه ليس لِكُلّ آل محمد صلى الله عليه وسلم .
آل النبي همـو أتباع ملته **** على الشريعة من عُجم ومن عَرب
لو لم يكن آلـه إلا قرابته **** صَلّى الْمُصَلِّي على الطاغي أبي لهب
ومع ذلك فقد رضي آل البيت بإمامة أبي بكر وعمر – كما تقدّم النقل عنهم – ولم يُخالِف في ذلك إلاّ الرافضة بعد انعقاد البيعة بالإجماع !
ولو سلّمنا ذلك جدلا ، فهل كانت الإمامة في أبناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام فضلا عن سائر ذريته ؟!
إذا قيل : نعم
فأبناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام : إسماعيل وإسحاق .
وكانت النبوة في ذريته إلى بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وهو من ذرية إسماعيل .
فهل بقي لذرية إسحاق بعد ذلك وراثة ؟!
إذا قالت الرافضة : نعم .
فهذا يعني إثبات نبوة لغير نبينا صلى الله عليه وسلم بعد بعثته عليه الصلاة والسلام .
وقد زعمت الرافضة – ما لم تزعمه أمة من الأمم – أن الوحي كان يَنْزِل على فاطمة رضي الله عنها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تسلية لها !
ومن ثم جَمَعوا ما أسموه " مصحف فاطمة " !
وهذا يعني أن إثبات الاصطفاء لا يعني إثبات الإمامة والخلافة في ذرية الذي اصطفاه الله عزّ وجلّ .
ألا ترى أن قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) تضمّن اصطفاء مريم بنت عمران عليها السلام ؟
ولذلك جاء في السياق القرآني : (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) .
وفي السياق أيضا خبر اصطفاء مريم صراحة في قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) .
فهل كانت ذرية مريم مما وقع عليها الاصطفاء ، وبالتالي تكون الإمامة والخلافة (محصورة في الذرية والآل) كما يقول الرافضي ؟!
فقول الرافضي : (وهذه قاعدة عامة لم تشذ عنها أمة من الأمم ، فلماذا تشذ الأمة الإسلامية ؟)
أقول : ليست قاعدة عامة كما رأيت في ذرية آدم ، وفي ذرية نوح ، وفي ذرية مريم ..
كما أنها لم تكن قاعدة عامة في ذرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، ولم تكن أيضا في آل محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ كان من قرابته صلى الله عليه وسلم من كان كافرا ، كما كان حال عمه أبي طالب ، والرافضة تزعم أن الله أحياه بعد موته ! فآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم !
وفي الصحيحين ( البخاري ومسلم ) وفاته على الكُفر ، وليس في ذلك غضاضة ولا إزراء بِمنصب النبوة ..
فالأمة الإسلامية لم تشذّ في إثبات إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم أجمعين ، بل هي مُطّردة مع نفسها ..
فأمة الإسلام ، وكل من آمن بالقرآن ، لَزِمه إثبات إمامة الخلفاء الراشدين ، لأن جَمْع القرآن تَمّ على أيدي الخلفاء الراشدين ، فمن قَبِل إمامتهم آمن بالقرآن ، ومن آمن بالقرآن قَبِل إمامتهم !
إلاّ ما كان من الرافضة التي ناقضت أنفسها ! ولم تطّرد في مسألة واحدة !
بل هي مُطّردة مع سُنن ربها .
فالله عزّ وجلّ ينصر رُسلَه والذين آمنوا ، وقد نصر الله الإسلام بأبي بكر يوم الرِّدَّة ، ونصر الإسلام بِعُمَر رضي الله عنه وبِعثمان وبِعليّ وأجرى الفتوح على أيديهم شرقا وغربا .
ثامنا :
الاستدلال بحديث : " من كنت مولاه فعلي مولاه " وبحديث : " أنت مني بِمَنْزِلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " .
فهذا حق لا مرية فيه ، ولكنه من الحق الذي أرادت به الرافضة باطلا !
فنحن أهل السنة نتولّى عليًّا رضي الله عنه من غير غلوّ ولا جفاء .
وفي صحيح مسلم قول عليّ رضي الله عنه : والذي فَلق الْحَبَّة ، وبَرأ الـنَّسَمَة إنه لَعَهد النبي الأُمي صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا يُحِبّني إلاَّ مُؤمن ، ولا يُبْغِضني إلاَّ مُنافق .
ونُثبت محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لِعليّ رضي الله عنه ، ومحبته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
ففي الصحيحين خبر قوله يوم خيبر : لأُعْطِينّ هذه الراية رجلا يَفتح الله على يديه ، يُحِبّ الله ورسوله ، ويُحِبّه الله ورسوله. رواه البخاري ومسلم .
وكنت أفردتُ ترجمة أبي الحسن رضي الله عنه هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/146.htm
وليس في أهل السنة مَن يُبغِض عَلِـيًّا رضي الله عنه ، بل ولا في الصحابة رضي الله عنهم من يُبغِضُه ، حتى مَن وقَع بَينه وبَين عليّ قِتال أو خِلاف .
وحُبّ عليّ رضي الله عنه إيمان ؛ وهو مُنتَظِم في حُب آل البيت خاصة ، وفي حُبّ الصحابة عامة .
وهذا يعني أن عليًّا رضي الله عنه يشْتَرِك في ذلك القَدْر مِن الْمُحبّة الذي هو إيمان .
قال عليه الصلاة والسلام في الأنْصَار : لا يُحِبُّهم إلاَّ مؤمن ، ولا يبغضهم إلاَّ مُنافق ، مَن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله . رواه البخاري ومسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : آية الإيمان حُبّ الأنصار ، وآية النفاق بُغْض الأنصار . رواه البخاري ومسلم .
وفي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لا يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .
وفيه أيضا من حديث أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .
فبُغْض الأنصار من جُملة بُغض الصحابة رضي الله عنهم ، وعليّ رضي الله عنه من جِلّة الصحابة .
فنحن نُحِبّ عليًّا رضي الله عنه ونُحِب الأنصار ونُحِبّ الصحابة عموما ، فإن حُبّهم دِين وإيمان ، وبُغضهم نِفاق وزندقة !
وأما حديث : " أنت مني بِمَنْزِلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ، فهذا قاله عليه الصلاة والسلام لِعليّ إرضاء له حينما حَزّ في نَفْس أبي الحسن رضي الله عنه – وهو البَطل الشجاع – أن يُخلّف مع النساء والصبيان .
ففي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَج إلى تبوك واسْتَخْلَف عَلِيًّا ، فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال : ألا ترضى أن تكون مِنِّي بِمَنْزِلة هارون من موسى ؟ إلا أنه ليس نبي بعدي .
وهارون عليه الصلاة والسلام خَلَف موسى عليه الصلاة والسلام حينما سار موسى إلى ميعاد ربه .
ولا يَلْزَم منه استخلاف هارون من بعده ؛ لأن هارون عليه الصلاة والسلام مات قبل موسى عليه الصلاة والسلام ، كما هو معلوم عند علماء التفسير ، بل حتى عند أهل الكِتاب .
فلا يَصِحّ الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام : " ألا ترضى أن تكون مِنِّي بِمَنْزِلة هارون من موسى ؟ " على أحقيّة عليّ رضي الله عنه في الخلافة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد أجاب أبو إسحاق المروزي رحمه الله بجواب على وجهين مُجْمَلَين :
أحدهما : أن هارون كان خليفة موسى في حياته ، ولم يكن عليّ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، وإذا جاز أن يتأخّر عليّ عن خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته على حسبما كان هارون خليفة موسى في حياته ؛ جاز أن يتأخّر بعد موته زمانا ، ويكون غيره مُقَدّما عليه ، ويكون معنى الحديث القصد إلى إثبات الخلافة له ، كما ثبتت لهارون ، لا أنه استحق تعجيلها في الوقت الذي تَعَجّلها هارون من موسى عليه السلام .
والوجه الآخر : أن هذا الكلام إنما خرج من النبي عليه السلام في تفضيل عليّ ومعرفة حقه لا في الإمامة ، لأنه ليس كل مَن وَجب حقه وصار مُفَضّلاًَ اسْتَحَقّ الإمامة ؛ لأن هارون مات قبل موسى بِزَمَان ، فاسْتَخْلَف موسى بعده يوشع بن نون ، فهَارُون إنما كان خليفة لموسى في حياته ، وقد عُلِم أن عَلِيًّا لم يكن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، ولم يكن هارون خليفة لموسى بعد موته ، فيكون ذلك دليلا على أن عليا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته .
قال ابن عبد البر : كان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين استخلفه على المدينة في وقت خروجه غازيا غزوة تبوك ، وهذا استخلاف منه في حياته ، وقد شَرَكه في مثل هذا الاستخلاف غيره ، مَن لا يَدّعي له أحد خِلافة ؛ جَمَاعة قد ذكرهم أهل السنة ، وليس في استخلافه حين قال له ذلك القول دليل على أنه خليفة بعد موته ، والله أعلم . اهـ .
وقال الإمام النووي في شرح هذا الحديث : فيه إثبات فضيلة لعلي ، ولا تعرّض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله ، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك ، ويؤيد هذا أن هارون الْمُشَبَّه به لم يكن خليفة بعد موسى ، بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص . قالوا : وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة . والله اعلم . اهـ .
ثم إن هذا منتقض بِما كان من استخلافه عليه الصلاة والسلام لِغير واحد من الصحابة في غير غزوة ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف ابن أم مكتوم على المدينة إذا خَرَج النبي صلى الله عليه وسلم لبعض مغازيه .
فَلِم لا تقول الرافضة : إنه أحقّ بالخلافة ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلَفَه على المدينة أكثر من مرّة ؟!
فقول الرافضي : (فالخلافة النبوية انتقلت إلى من انتقلت إليه برأي بعض المسلمين وليس بالنص)
أقول : هذا ليس بصحيح .
بل انتقلت إلى أبي بكر بالنصّ والإشارة والإجماع ، وقد تقدّم الكلام على هذه المسألة .
فأبى الله والمسلمون إلاّ من استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على صلاتهم ، ومن أنابه عليه الصلاة والسلام عنه في إمامة الصلاة تمهيدا لإمامة الناس الإمامة العظمى .
ومن أنابه عنه عليه الصلاة والسلام في تبليغ دعوته ، وفي إعلان التوحيد ، وأن لا يحجّ بعد ذلك العام مشرك .
فَزَعم الرافضة أن عليا منصوب من الله ، ليس بصحيح ، بل هو افتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فلو كان منصوبا من الله تعالى ، هل كان الله يُضيع منصوبَه أو يتخلّى عنه ؟!
وقد قال تعالى : (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) .
وقال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
فهل أقامه الله عزّ وجلّ منصوبا عنه ، ثم تَخلّى عنه ؟!
هذا ما تقوله الرافضة !
ومما يلزم من ذلك القول اتِّهام عليّ رضي الله عنه بالْجُبْن والْخَوَر !
كيف ؟
إذا كان عليّ رضي الله عنه منصوبا لله ، وكانت خلافته رضي الله عنه منصوصًا عليها ؛ فَلِم تَخَلّف عليّ رضي الله عنه عن الأخذ بِحقّه ، وهو البطل الشجاع ؟!
لِم تَرَك الخلافة في أيدي من غَصَبوه حقه – كما زَعموا – ؟!
كل ذلك إزراء بأبي الحسن رضي الله عنه .
فالقول المطّرِد إثبات إمامة الخلفاء الثلاثة ، فأهل السنة مُضطرِدون مع أنفسهم ، ومع إثبات كِتاب ربهم ، كما تقدّم .
تاسعا : غَمْز الرافضي معاوية رضي الله عنه ، ووصفه بـ " ابن آكلة الأكباد " ، هذا كله سوء أدب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، بل مع رجل هو بِمَنْزِلة خال المؤمنين !
إذ أنه أخو أم المؤمنين أم حبيبة ، رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها .
وهو أحد كُتّاب الوحي .
وهو من الخلفاء الذين أجرى الله على أيديهم الفتوحات ، ونَصَر بهم الدِّين ,
وقد أقَرّ بِخلافته الحسن بن عليّ رضي الله عنهما ، وهو سِبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الإقرار ، وعن رجاحة عقل الحسن رضي الله عنه ، إذ قال عليه الصلاة والسلام : إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . رواه البخاري .
وخلافة الحسن بن علي ستة أشهر بعد أبيه ثم تنازل لمعاوية سنة 41 هـ ، والذي سُمّي عام الجماعة لاجتماع .
فنحن أهل السنة نُثبت رجاحة عقل الحسن بن عليّ رضي الله عنه ، وتحقق بذلك نبوءة جدّه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونُسمي ذلك العام : عام الجماعة ، لاجتماع الكلمة فيه ، ووحدة الصف ، بل ووحدة الإمامة .
وأما الرافضة فيُسمّون الْحسن بن علي رضي الله عنه : خاذل المؤمنين !
فهم يدّعون محبة آل البيت وأن الإمامة فيهم ، ثم يتنقّصُون بعض آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم .
ولذلك زَعمت الرافضة أن الإمام في ذرية الحسين بن عليّ رضي الله عنهما دون من سواهما ، ثم افترقت الرافضة بعد ذلك في عدم الاتفاق على ذرية الحسين رضي الله عنه ، فبعد وفاة جعفر الصادق رحمه الله افترقت الرافضة إلى : جعفرية وإسماعيلية !
وهكذا لم تتفق فرِق الرافضة على إمام من أئمة آل البيت !
وسبق أن بيّنت أن الرافضة هي التي كانت سببا في خروج الحسين رضي الله عنه من الحجاز إلى العراق ، وأن الرافضة هي التي دَعَتْه ثم خذَلَته .
ونقلت عن كُتُب القوم ذلك صريحا في إجابات شُبهات رافضية أخرى ، عنونت لها بـ " الإجابات الجلية في الشبهات الرافضية " .
وتوجد نسخة منه في مكتبة المشكاة هنا :
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=32&book=1733
عاشرا : أورد الرافضي ما رُوي عن معاوية رضي الله عنه من قوله : ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ، وقد أعرف أنكم تفعلون ذلك ، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون . رواه ابن أبي شيبة .
وفي رواية ابن عساكر في تاريخ دمشق : وإني لأعلم أنكم تصومون وتُصَلّون وتُزَكّون .
وليس طلب الإمارة وجَمْع كلمة الناس بأمْر يُعاب .
فالذي يَعيب على معاوية هذا الأمر يلزمه أن يَعيب على الحسين خروجه طلبا لذلك الأمر !
فالحسين رضي الله عنه لم يَخرج إلاّ لأجل أن يُبايَع على الأمر .
ولذلك قال له أخوه الحسن رضي الله عنه : يا أخي إن أبانا رحمه الله تعالى لما قُبض رسول الله استشرف لهذا الأمر ورَجَا أن يكون صاحبه ، فصرفه الله عنه ، ووليها أبو بكر ، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوّف لها أيضا فصُرفت عنه إلى عمر ، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم ، فلم يشك أنها لا تَعْدُوه فصُرفت عنه إلى عثمان ، فلما هلك عثمان بُويع ثم نُوزع حتى جَرّد السيف وطلبها فما صَفَـا لَه شيء منها ، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة ، فلا أعرفن ما استخفّك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك .
كما يلزمه أن يَعيب الخميني أشدّ العيب !
إذ خَرَج مِن رَحِم فرنسا ! ثم أتى بِما يُعرَف بِالثورة ! فهو لم يأت لإقامة الصلاة ولا لإيتاء الزكاة ! بل لإقامة دولة صفوية رافضية !
ومعلوم عند أهل العِلْم أن الذي يتغلّب على الْحُكم ثم يستقرّ له الأمر بعد ذلك أنه يُبايع حقنا لِدماء المسلمين ، وهذا ما فعله الحسن بن علي رضي الله عنهما .
حادي عشر : زَعْم الرافضي أن النصوص في كُتُب أهل السنة مبتورة !
وقد تَعَمّد الرافضي حذف بعض النصوص التي لا تخدم استدلاله ، وليس هذا بِغريب على الرافضة ! فهم قَوم بُهْت !
فالرافضة هم الذين يروون ما يَروق لهم ، وما يُوافِق أهواءهم !
أما أهل السنة فيروون ما لهم وما عليهم .
وقد شَهِد بذلك القاصي والداني .
شَهِد به أعداؤهم وخصومهم .
وممن شَهِد بذلك جَمْع من المستشرقين ، وشَهِد به عقلاء الفِرَق ، بما في ذلك عقلاء الرافضة .
أما سبّ عليّ رضي الله عنه على المنابر فقد كان ، إلاّ انه لم يأخذ الصبغة الشرعية ، كما لم يَكن من العلماء الكِبار الأجلاّء ، بل كان يصدر من بعض الخطباء ، ومع ذلك فهو زَلّة لا تُقَرّ ، ولا تتخذ صبغة شرعية !
أما السبّ لدى الرافضة واللعن فهو قد اتَّخَذ الصبغة الشرعية ، وهو قُربة يزعمون أنهم يتقربون بها !
وكان علماء أهل السنة يَنْهَون عن سبّ عليّ رضي الله عنه .
كان عمر بن عبد العزيز يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العِلْم ، فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص عَلِيًّا ، فأقبل عليه فقال : متى بلغك أن الله تعالى سَخِط على أهل بَدْر بعد أن رضي عنهم ؟ قال : فَعَرَف ما أراد ، فقال : معذرة إلى الله وإليك لا أعود . فما سُمِع عُمر بَعدها ذَاكِرًا عَلِيًّا رضي الله عنه إلاَّ بِخَير .
وكان سلف هذه الأمة إذا سَمِعوا الطعن في عليّ أعرضوا عنه ، وكرهوه ، ولم يرضوه .
بل نَص ّ أهل العِلْم على أن الخطيب لو وقع في سبّ أو شتْم أنه يجوز للسامع أن يشتغل بالحديث ! مع أنه مأمور بالإنصات للخطبة .
قال ابن عبد البر : وذَكَر الزبير بن أبي بكر القاضي قال : أخبرنا مصعب بن عثمان عن مشيخته أن عبد الله بن عروة بن الزبير كان يشهد الجمعة فيخرج خالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم بن أبي العاصي فيخطب ، فيستقبله عبد الله بن عروة ويُنْصِت له ، فإذا شتم خالد عَلِيا تَكَلم عبد الله بن عروة ، وأقبل على أدنى إنسان إلى جنبه . فيقال له : إن الإمام يخطب ! فيقول : إنا لم نؤمر أن نُنْصِت لهذا .
وما ذلك إلاّ لمحبتهم لعليّ رضي الله عنه ، ومعرفة قدره ، إذ نَفَوا ذلك ، وأعرضوا عنه .
وأهل السنة يَرون أن سبّ الصحابة نِفاق ، بل واعتبره بعض العلماء كُفر !
قال الإمام مالك : ليس لمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء حق ، ويقول : قد قَسم الله تعالى في سورة الحشر للفقراء المهاجرين : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ) الآية .
قال : ومَن سَبّ مَن أمَرَه الله تعالى أن يَسْتَغْفِر له ، فلا حَقّ له في الفيء .
فمثل ذلك الفعل لا يُمكن اعتباره مذهبا لأهل السنة ، ولا قولا لهم .
والرافضة عابوا على من سبّ عليّ – وهو عيب عند أهل السنة – ولم يَعيبوا من سب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم قاطبة إلاّ نَـفَر يسير !
فعيب الرافضة في ذلك أولى وأوجب !
والرافضة لم يقتصروا على سبّ الصحابة ، بل لعنوا خيار هذه الأمة ، وكَفروهم ، وسبوا أمهات المؤمنين !
ومع ذلك فلا يُقَرّ من سبّ عليا رضي الله عنه ، ولا من نَال منه .
ويُقال لِمَن اتَّخَذ سَبّ الصحابة دِيانة : متى بَلغك أن الله تعالى سَخِط على أهل بَدْر بعد أن رضي عنهم ؟!
وأما سؤال معاوية رضي الله عنه لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ما منعك أن تَسُبّ أبا التراب ؟
فقد أجابه سعد رضي الله عنه بذِكْر ثلاث من فضائل عليّ رضي الله عنه . كما في صحيح مسلم .
وليس في سؤال معاوية ما يُفهم منه سبّ عليّ رضي الله عنه .
قال الإمام النووي : فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمَر سَعْدًا بِسَـبِّه ، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب ؛ كأنه يقول : هل امتنعت تَوَرّعًا أو خَوفًا أو غير ذلك ؟ فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب فأنت مُصيب مُحْسِن ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ، ولعل سعدا قد كان في طائفة يَسُبُّون فلم يَسُبّ معهم ، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم ، فسأله هذا السؤال . قالوا : ويحتمل تأويلا آخر : أن معناه ما منعك أن تُخَطِّئه في رأيه واجتهاده ، وتُظْهِر للناس حُسْن رأينا واجتهادنا ، وأنه أخطأ .
ثاني عشر : ما يُدندن حوله الرافضة ويستدلّ,ن به في قوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) وما يُورد علماء أهل السنة مما يُعرف بحديث الكساء ، وهو صحيح ، ولا إشكال فيه ، إلاّ أن الإشكال في فهم الرافضة له ، بتخصيص علي وفاطمة والحسن والحسين بهذه الآية .
إذ يقول الرافضي : (ونزول الآية في آل بيت النبوة ( ع ) خاصة من دون غيرهم) !
وهذا يَردّه ظاهر القرآن ، إذ قال الله تبارك وتعالى بعد هذه الآية مباشرة : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) مما يَدُلّ على دُخول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الخطاب ، وأنهن داخلات في عموم أهل بيته صلى الله عليه وسلم .
فإن الله لَمَّا قال : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) أعقبه بقوله : (وَاذْكُرْنَ) والخطاب لِزوجات النبي صلى الله عليه وسلم .
أما حديث الكساء فليس فيه ما يقتضي حصْر آل النبي صلى الله عليه وسلم في علي وفاطمة وابنيهما .
ففرق بين أن يُقال : هؤلاء أهل بيتي .
وبين أن يُقال : ليس لي آل بيت سوى هؤلاء .
فحديث الكساء من جنس الأول .
فقول الرجل : هؤلاء أهل بيتي ، مُحتمِل لأكثر مِن معنى ، منها :
أن يكون قصد هؤلاء أفضل أهل بيتي .
أو يكون قصد هؤلاء مِن أهل بيتي .
وهذا جارٍ على أصول لغة العرب .
وهذا الأسلوب معروف ، بل هو وارد في الكتاب والسنة .
فعلى سبيل المثال قوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا )
وقوله : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ )
وقوله : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ )
وقوله : ( َفمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا )
وغيرها من الآيات في هذا المعنى ، والجمع بين هذه الآيات أن يُقدّر ( مِن ) فيها ؛ لأن من المعلوم أن إثم كتم الشهادة ليس كإثم افتراء الكذب على الله ، فلهذا يُمكن أن يُقال : إن كاتم الشهادة أظلم الخلق .
وجاء هذا الأسلوب في أحاديث كثيرة .
قال ابن خزيمة رحمه الله : العرب قد تقول : إن أفضل العمل كذا ، وإنما تريد " من أفضل " و " خير العمل كذا " وإنما تريد : من خير العمل . اهـ .
ومن هذا الباب قوله عليه الصلاة والسلام : اللهم هؤلاء أهل بيتي .
فهو ليس على سبيل الحصر ، ولا يَفهم منه أهل اللغة إفادة الحصر .
وقد دلّ القرآن على أن زوجة الرجل من آل بيته ، كما قال تعالى في خبر لوط .
قال تعالى في خبر آل لوط : (إِلاَّ آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ)
وقال تعالى : (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) وغيرها من الآيات .
فلو كانت زوجته ليست من أهل بيته لم يكن ثَمّ حاجة إلى الاستثناء من آله وأهله .
والسؤال الذي يُطرح على الرافضة : لِم أخرجتم الحسن بن علي رضي الله عنه وأبناء الحسن مِن آل البيت ؟
ولِم أخرجتم بقية أبناء عليّ رضي الله عنه من آل البيت ؟
ومثله الاستدلال بقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) .
فأين هي مودّة عليّ رضي الله عنه فضلا عن آل بيته ؟!
إن الدعاوى عريضة ، وكل دعوى تفتقر إلى بيِّنَة تُقام عليها .
أين مودّ’ عليّ رضي الله عنه وهم يُخرجونه عن حَدّ بشريته إلى الغلو فيه رضي الله عنه ، مما لا يرضاه عليّ رضي الله عنه . بل قتَل عليّ رضي الله عنه مِن غَلو فيه ، واحرقهم بالنار ، وأدّب من تعرّض لأم المؤمنين عائشة ، وقال رضي الله عنه : إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة .
فسبّ أم المؤمنين رضي الله عنها تكذيب لِعليّ رضي الله عنه !
ودعوى غصب آل محمد حقّهم ، رَمْي لعلي رضي الله عنه بالجبن والخور !
والزعم بأن عليا رضي الله عنه أخفى ما جمعه من القرآن تُهمة لأبي الحسن بأنه كتَم ما أُمِر بنشره !
كما أن المودّة عند الرافضة – على أنها على عَوَر – إلاّ أنها في بعض القربى !
ليس للحسن منها نصيب ، ولا لذريته أيضا !
وليس لبقية أبناء عليّ رضي الله عنه منها نصيب أيضا !
فضلا عن بقية آل النبي صلى الله عليه وسلم ، على أن لفظ ( آل ) أعَمّ من أن يكون في قرابته صلى الله عليه وسلم ، بل هو مُتناول لصحابته رضي الله عنهم وأتباعه على دينه ، وهذا دلَ عليه القرآن ولغة العرب .
ثالث عشر : سبق الجواب عن سؤال :
لماذا لايذكر أهل السنة حديث العترة ؟
http://www.almeshkat.com/vb/showthread.php?s=&threadid=43999
رابع عشر :
أحاديث أوردها الرافضي وتغافل عن الصحيح عند أهل السنة !
وأورد حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " ، وهو حديث موضوع مكذوب .
وهنا تخريج حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=9&book=1192
وأما الأحاديث فهم لم يلتزموا الأمانة العلمية ، فمثلا :
حديث " ولكن جبريل جاءني فقال لن يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك "
رواه الحاكم ، وقال عقبه : هذا حديث شاذ ، والْحَمْل فيه على جميع بن عمير ، وبعده على إسحاق بن بشر .
ورواه أحمد ، وإسناده ضعيف
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف . وقال ابن كثير في البداية : ضعيف الإسناد ، ومتنه فيه نَكَارة .
ولم يُورِدوا الصحيح عند أهل السنة في هذه القصة ، وذلك لأن الرواية الصحيحة عند أهل السنة تُدين الرافضة ! وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأمّره على الحجيج في تلك السنة ، وممن كان تحت إمرة أبي بكر رضي الله عنه عليّ رضي الله عنه . كما في الصحيحين .
وحديث غدير خُم ، لم يصح فيه النصّ على خلافة عليّ رضي الله عنه .
قال الشيخ الألباني عن حديث غدير خُم : أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في علي رضي اله عنه إنه خليفتي من بعدي . فلا يصح بوجه من الوجوه . بل هو من أباطيلهم الكثيرة . اهـ .
وكذلك حديث " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك " هو حديث ضعيف .
وصَحّ حديث الوصية بالعترة .
وسبقت الإشارة إليه .
أخيرا :
لدى الرافضة من القضايا التي تحتاج إلى تصحيح ما هو أهمّ من الإمامة ، ولدى الرافضة من القضايا الكبرى التي تحتاج إلى مراجعة ، ورمي عدة أحجار في الماء الراكد أولى وأهمّ وأكبر من قضية الإمامة !
وقد دَعا الدكتور موسى الموسوي – خريج الحوزة العلمية – إلى تصحيح أكثر من عشر قضايا كُبرى لدى الرافضة .
ومن القضايا التي استغلها علماء الرافضة في هذا المجال للتلبيس على عامة الأتْبَاع : قضية المهدي المنتظر ، الذي تزعم الرافضة أنه دَخَل سرداب سامراء ! منذ أكثر من ألف سنة !
ومع ذلك فهذا الزعم في مهدي الرافضة باطل !
وذلك لأن الرافضة اختَلَفَتْ في مولد ذلك المهدي المزعوم أصلا !
إلا أنهم اختلقوا تلك الفرية لأجل الهيمنة على الأتباع ، واستمرار الدخل القومي في الخمس ! وسائر الْجِبَايَات والإتاوات والضرائب ! المفروضة على الأتْبَاع !
مهدي الرافضة فهم قد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا !
فجرى الخلاف هل وُلد للإمام الحادي عشر أو لا ؟
والأشهر عندهم أنه لم يولد له بدليل أنهم قسموا ميراثه لما مات ولم يُترك منه شيء !
ولكنهم كذبوا هذه الكذبة ليجمعوا الرافضة – بزعمهم – لأن من أصولهم أنه لا يخلو الزمان من إمام معصوم ، ولا يقوم الدين إلا بإمام معصوم !
ثم زعموا أن الإمام الحادي عشر - وهو الحسن العسكري - وُلد له غلام صغير اسمه محمد
وأنه دخل سرداباً في سامرّاء بالعراق منذ أكثر من ألف ومائة سنة !
وهو القائم ، وإذا ذكروه قالوا : ( عج ) يعني عجّل الله فرجه !
فأنت ترى أنه مهديهم هو محمد بن الحسن !
وأن عمره الآن يزيد على ألف سنة ! ولا يزال في السرداب !
قال الإمام الذهبي رحمه الله :
ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنه الخلف الحجة ، وأنه صاحب الزمان ، وأنه صاحب السرداب بسامراء ، وأنه حي لا يموت حتى يخرج فيملا الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، فوددنا ذلك والله وهم في انتظاره من أربع مئة وسبعين سنة ! ومن أحالك على غائب لم ينصفك فكيف بمن أحال على مستحيل ؟! والإنصاف عزيز ، فنعوذ بالله من الجهل والهوى .
ثم قال :
فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه نحبه أشد الحب ، ولا ندعي عصمته ولا عصمة أبي بكر الصديق .
وابناه الحسن والحسين فسبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدا شباب أهل الجنة لو استخلفا لكانا أهلا لذلك
وزين العابدين كبير القدر من سادة العلماء العاملين يصلح للإمامة ، وله نظراء وغيره أكثر فتوى منه وأكثر رواية
وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر سيد إمام فقيه يصلح للخلافة
وكذا ولده جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور
وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون ، وله نظراء في الشرف والفضل
وابنه علي بن موسى الرضا كبير الشأن له علم وبيان ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته فتوفي سنة ثلاث ومئتين
وابنه محمد الجواد من سادة قومه لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه
وكذلك ولده الملقب بالهادي شريف جليل
وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى . انتهى كلامه رحمه الله .
ومهدي المسلمين يملأ الأرض قسطا وعدلاً
وأما مهدي الرافضة فمن إنجازاته - إذا قام – حسب زعمهم :
إخراج أبي بكر وعمر من قبريهما ! وصلبهما وإقامة الحد عليهما !!
إخراج حفصة وعائشة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وإقامة الحد عليهن !
هدم وإحراق وقتل !
هذا ما تنطق به كتب القوم !!
تنبيه :
قال ابن القيم رحمه الله : وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - وقد جَعَلْتُ أُورِد عليه إيرادا بعد إيراد : لا تَجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها ، فلا ينضح إلاَّ بها ، ولكن اجْعَله كالزجاجة الْمُصْمَتَة تَمُرّ الشبهات بِظاهرها ولا تَسْتَقِرّ فيها ، فَيَرَاها بصفائه ، ويدفعها بِصلابته ، وإلاَّ فإذا أَشْرَبْتَ قلبك كل شبهة تَمُرّ عليها صار مَقَرًّا للشبهات . أو كما قال . فما اعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
وقال رحمه الله : وإنا سُمِّيت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ، فإنها تُلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر ! فينظر الناظر فيما أُلْبِسَته من اللباس ، فيعتقد صحتها ، وأما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها وما تحت لباسها ، فينكشف له حقيقتها . اهـ .
فنصيحتي لإخواني أن لا يسمعوا لأهل الكُفر والزندقة ، ولا يُلقوا بأسماعهم إلى كل شُبهة .
ولا يُعيروها أدنى اهتمام ..
ممتثلين في ذلك قول الله عزّ وجلّ : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) .
والله المستعان .
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).