0
أَغلُوٌّ في بعض القرابة وجفاء في الأنبياء والصحابة؟!
الحمد لله ربِّ العالَمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فقد اطَّلعتُ على تفريغ لشريطٍ لرجلٍ من الكويت ممتلئ قلبه حقداً على خير هذه الأمَّة بعد النَّبيِّين والمرسَلين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، يُدعَى ياسر الحبيب، وليس له من اسمه نصيب، بل هو عاسر بغيض، تفوَّه فيه بكلام من أقبح الكلام في الغلوِّ في بعض أهل البيت، والجفاء في الأنبياء وفي أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة، ولا أريد بهذه الكتابة الرد عليه؛ فإنَّ مجرَّد حكاية كلامه القبيح يُغني عن الردِّ عليه، وهو من النماذج الواضحة الجليَّة لزيغ القلوب وعمى البصائر، فأنا أذكر كارهاً مضطرًّا نماذج من كلامه وكلام مَن سبقه من أسلافه؛ لنشر خزيهم في هذه الحياة الدنيا، وبيان اشتعال الحقد في قلوبهم على الصحابة الكرام، مع الغلوِّ المتناهي في بعض أهل البيت، مع تعليقات يسيرة والإشارة إلى مقارنة بينهم وبين أهل السنَّة في العقيدة في الصحابة والقرابة، وقد استمعت إلى بعض ما اشتمل عليه الشريط، فوجدتُه مطابقاً للتفريغ، وما أوردته منه هنا من كلام هذا الحاقد الجديد مطابق لِمَا في الشريط.
ومن كلامه الذي غلا فيه في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وتسعة من أولاد الحسين، وهم الأئمة الاثنا عشر عندهم، ففضَّلهم على الأنبياء والمرسَلين، وفي مقدِّمتهم إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قوله: "نحن الشيعة نعتقد بأنَّ أفضل أولياء الله عزَّ وجلَّ بعد المعصومين الأربعة عشر عليهم الصلاة والسلام هو سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، حسب تحقيق العلماء فإنَّ أفضل الخلق هو نبيُّنا صلى الله عليه وآله، ثم أمير المؤمنين والزهراء صلوات الله وسلامه عليهما في مرتبة واحدة، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم مولانا الإمام المهدي صلوات الله عليه، ثم الأئمَّة من ذريَّة الحسين، من السجاد إلى العسكري في مرتبة واحدة، ثم إبراهيم الخليل صلوات الله عليهم"!!!
وكلامُه هذا شبيه بكلام زعيمهم في هذا العصر الخميني، فقد قال في كتابه [الحكومة الإسلامية (ص 52)] من منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى بطهران: "وثبوت الولاية والحاكمية للإمام (ع)
لا تعني تجرّده عن منزلته التي هي له عند الله، ولا تجعله مثل مَن عداه من الحكام؛ فإنَّ للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرَّات هذا الكون، وإنَّ من ضروريات مذهبنا أنَّ لأئمَّتنا مقاماً لا يبلغه ملكٌ مقرَّب ولا نبي مرسَل، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث، فإنَّ الرسول الأعظم (ص) والأئمة (ع) كانوا قبل هذا العالم أنواراً، فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلاَّ الله، وقد قال جبرائيل كما ورد في روايات المعراج: لو دنوت أنملة لاحترقت، وقد ورد عنهم (ع): إنَّ لنا مع الله حالات لا يسعها ملَك مقرَّب ولا نبي مرسَل"!!!
ومِن المعلوم أنَّ تفضيلَ أحد من البشر على الأنبياء والمرسَلين جفاء فيهم.
ومن غلوِّهم في أئمَّتهم الاثني عشر ما جاء في كتاب ((أصول الكافي)) للكليني، وهو من كتبهم المعتمدة، وقد اشتمل على أبواب تشتمل على أحاديث من أحاديثهم، ومن هذه الأبواب قوله: "باب: أنَّ الأئمة عليهم السلام خلفاء الله عزَّ وجلَّ في أرضه، وأبوابُه التي منها يُؤتى (1/193) باب: أنَّ الأئمة عليهم السلام هم العلامات التي ذكرها عزَّ وجلَّ في كتابه (1/206): وفي هذا الباب ثلاثة أحاديث من أحاديثهم تشتمل على تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يهتدون﴾ بأنَّ النَّجمَ: رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن العلامات الأئمَّة.
باب: أنَّ الأئمَّة عليهم السلام نور الله عزَّ وجلَّ (1/194)، ويشتمل على أحاديث من أحاديثهم، منها حديث ينتهي إلى أبي عبد الله (وهو جعفر الصادق) في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿اللَّهُ نُورُ السموات وَالْأَرْضِ﴾ قال - كما زعموا-: ﴿مَثَلُ نوره كَمِشْكَاةٍ﴾: فاطمة عليها السلام، ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾: الحسن، ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾: الحسين، ﴿الزُّجَاجَةُ كأنها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾: فاطمة كوكب دُرِيٌّ بين نساء أهل الدنيا، ﴿يُوقَدُ مِنْ شجرة﴾: إبراهيم عليه السلام، ﴿زَيْتُونَةٍ لَا شرقية وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾: لا يهودية ولا نصرانية، ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾: يكاد العلم ينفجر بها، ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾: إمام منها بعد إمام، ﴿يهدي الله لنوره مَنْ يَشَاءُ﴾: يهدي الله للأئمَّة مَن يشاء...".
باب: أنَّ الآيات التي ذكرها الله عزَّ وجلَّ في كتابه هم الأئمَّة (1/207).
وفي هذا الباب تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا تغني الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بأنَّ الآيات: الأئمَّة!!
وفيه تفسير قوله تعالى: ﴿كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا﴾ بأنَّ الآيات: الأوصياء كلُّهم!!!
ومعنى ذلك أنَّ العقابَ الذي حلَّ بآل فرعون سببُه تكذيبهم بالأوصياء الذين هم الأئمَّة!!
باب: أنَّ أهلَ الذِّكر الذين أمر اللهُ الخلقَ بسؤالِهم هم الأئمَّة عليهم السلام (1/210).
باب: أنَّ القرآن يهدي للإمام (1/216).
وفي هذا الباب تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يهدي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ بأنَّه يهدي إلى الإمام!!
وفيه تفسيرُ قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ بأنَّه إنَّما عنى بذلك الأئمَّة عليهم السلام، بهم عقَّد الله عزَّ وجلَّ أيمانكم!!
باب: أنَّ النِّعمة التي ذكرها الله عزَّ وجلَّ في كتابه الأئمَّة عليهم السلام (1/217).
وفيه تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ تر إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كفراً﴾ بالزعم بأنَّ عليًّا قال: "نحن النِّعمة التي أنعم الله بها على عباده، وبنا يفوز مَن فاز يوم القيامة"!!
وفيه تفسير قول الله عزَّ وجلَّ في سورة الرحمن: ﴿فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، قال: "أبالنَّبِيِّ أم بالوصيِّ تكذِّبان"؟!!
باب: عرض الأعمال على النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله، والأئمَّة عليهم السلام (1/219).
باب: أنَّ الأئمَّة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عزَّ وجلَّ، وأنَّهم يعرفونها على اختلاف ألسنتِها (1/227).
باب: أنَّه لَم يجمع القرآنَ كلَّه إلاَّ الأئمَّة عليهم السلام، وأنَّهم يعلَمون علمَه كلَّه (1/228).
باب: أنَّ الأئمَّة عليهم السلام يعلمون جميعَ العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرُّسل عليهم السلام (1/255).
باب: أنَّ الأئمَّة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنَّهم لا يموتون إلاَّ باختيارٍ منهم. (1/258).
باب: أنَّ الأئمَّة عليهم السلام يعلمون علمَ ما كان وما يكون، وأنَّه لا يخفى عليهم الشيءُ صلوات الله عليهم (1/260).
باب: أنَّ الله عزَّ وجلَّ لَم يُعلِّم نبيَّه علماً إلاَّ أمره أن يُعلِّمَه أمير المؤمنين عليه السلام، وأنَّه كان شريكَه في العلم (1/263).
باب: أنَّه ليس شيءٌ من الحقِّ في يد الناسِ إلاَّ ما خرج من عند الأئمَّة عليهم السلام، وأنَّ كلَّ شيء لم يخرج من عندهم فهو باطلٌ (1/399).
وهذه الأبوابُ تشتمل على أحاديث من أحاديثهم، وهي منقولةٌ من طبعة الكتاب، نشر مكتبة الصدوق بطهران، سنة (1381هـ).
ويُعتبَرُ الكتابُ مِن أجَلِّ كتبِهم إن لَم يكن أجَلَّها، وفي مقدِّمة الكتاب ثناءٌ عظيمٌ على الكتاب وعلى مؤلِّفِه، وكانت وفاتُه سنة (329هـ)، وهذا الذي نقلتُه منه نماذج من غلوِّ متقدِّميهم في الأئمَّة.
وأكثرُ كلام هذا الحاقد الجديد المسجَّل في هذا الشريط في ذمِّ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهو ذمٌّ بوقاحة وخسَّة، دون حياء من الله ومن الناس، ومنه قوله: "أفضلُ أنواع الانتقام في هذا العصر هو الانتقام الإعلامي، أبو بكر وعمر ـ لعنة الله عليهما!! ـ مقدَّسان في أعين هؤلاء الجهلة وفي أذهانهم، مقدَّسان يُؤخذ منهم الشرع، تُطبَّق أقوالهم، تطبَّق تعاليمهم ويُمجَّدون، تُرفع أسماؤهم ويُرفع ذكرُهم على المنابر وفي وسائل الإعلام، وتُسمَّى الشوارع والمؤسسات والمباني والأفراد بأسمائهم، ذِكرُهم مخلَّد شئنا أم أبينا، صحيح هم ظلمة، وصحيح أنَّهم قتلة ومجرمون، ولكن ذكرهم مخلَّد مع الأسف، ولكن هذين الملعونين أساس الظلم لا يزالان واقعان يعيشان بيننا، أبو بكر وعمر لَم ينتهيا، صحيح هما الآن في عالَم البرزخ، أو في جهنَّم يذوقان من العذاب ما لا يمكن وصفه، ولكن بالنتيجة العالم يهتف باسميهما مع الأسف الشديد، ومع الأسف الشديد، ومع حرقة القلب أيضاً أنَّ مجرمين كهؤلاء يُهتف باسمهما!! نحن جئنا ونسأل من الله عزَّ وجلَّ أن نكون من هؤلاء المنتقمين، الذين يحرقون ذكر أبي بكر وعمر، ويُعيدون الناسَ إلى صوابهم!!!)).
وقوله: ((هذا، ومع أنَّ كلَّ جرائم صدام لا تأتي عشر معشار جرائم أبي بكر وعمر في الواقع!!!)).
وقوله: ((ولكن في الواقع، الذين لا يريدون أن ينتقموا من أبي بكر وعمر، أو من ذولاَ اللِّي ما ندري إيش نسميهم، أو اللِّي يترحَّمون على أبي بكر وعمر يترضون عليهم، هذا إنسان التشيع لم يدخل قلبه، بأي عنوان خصوصاً في هذا الزمان يقول لك: تقية ما تقية، كله باطل، كله كذب في كذب، لا تقية في هذا الزمن!!!)).
وقوله: ((لدينا في بعض الروايات أنَّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال لسلمان المحمدي، قال له: أتريد أن أريك أبو بكر الآن؟ قال: إيه! بطريقة معينة كما هو وارد في الرواية، والإمام أشار بطريقة، فانكشفت الحجب، وإذا بأبو بكر في أغلال، وفي قعر جهنَّم، هنا قال له أبو بكر: يا أمير المؤمنين! أرجِعني إلى الدنيا وسأعترف بولايتك، وأُرجِع الحق لك، وأعترف على نفسي، وأقول: أنا ظالم، حتى عموم المسلمين كلهم هاذولا اللِّي الآن يتبعونك، ويعرفون أنَّني كنت ظالم، وهذا الحكم كان حكم غير شرعي، وأنَّني قتلت امرأتك، وأنَّني كذا وكذا وكذا، فأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ التفت إلى الملَكين اللَّذين هما موَكّلان بتعذيب أبي بكر، وقال لهما: ضاعفَا عليه العذاب؛ ولو رددناه لازداد غيًّا، كذاب!!
وفي الواقع إذا سألتم أنفسَكم: لماذا أبو بكر وعمر في الواقع أخبث الخبثاء، وأكبر المخلوقات إجراماً وكفراً ونفاقاً؟ لأنَّهما بقية ظلمة الأنبياء، فرعون، النمرود، وغيرهم، هؤلاء كانوا إلى حد ما هو يشعر بأنَّه كافر، وأنَّه يعمل ضد الله عزَّ وجلَّ، لكن عنده نسبة من تأنيب الضمير التي جعلت فرعون حينما رأى برهان ربِّه يؤمن، صحيح وإلاَّ لا؟ فرعون حينما انطبق البحر عليه تشهَّد، ثق تماماً أنَّ عمر وأبو بكر لو كانا في ذلك الموضع لَما تشهَّدا، ولَما ألانا أبداً؛ والدليل أيضاً لدينا في الروايات: عمر وهو على فراش الهلاك ـ لعنة الله عليه ـ طلب من ابنه أن يستدعي أمير المؤمنين صلوات الله عليه، بأي طريقة ائتني بأبي الحسن، ذهب هذا ابنُ عمر طلب من أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه عمر يريد أن يراك وهو على فراش الاحتضار، أمير المؤمنين عليه السلام قَبِل، قَبِل للغاية، وهو أنَّه يصل هذا الخبر إلينا، وإلاَّ أمير المؤمنين لا يُلبي دعوة هذا النجس، وصل إليه، فقال له: يا علي! اغفر لي، أنا أتوب إلى الله عزَّ وجلَّ، فاسأل من الله عزَّ وجلَّ أن يتوب عليَّ؛ فإنِّي أرى النارَ أمامي، عمر وهو على فراش الموت، الله عزَّ وجلَّ كشف عن الحجب أمامه، فكان يرى الملائكة وموضعه في جهنَّم، كلهم مستعدين، يقولون: هيَّا تعال! فشاف، يعني رأى برهان ربِّه، شوف تخيل، ولذلك استدعى أمير المؤمنين حتى يتوب، وإلاَّ ما كان يستدعيه، صحيح وإلاَّ لا؟ أمير المؤمنين عليه السلام قال له: نعم، أغفر لك وأشفع لك عند الله بشرط واحد، الآن تقف بالمسجد وتعلن أمام الناس أنَّك ظلمتنا أهل البيت... فكَّر عمر، شوف تخيَّل، الإنسان يرى جهنَّم أمامه، بما فيها من العذاب وموضعه، وكل الملائكة والموكَّلين بتعذيبه، كلهم منتظرينه، يقولون: تعال! خلاص على مقربة من العذاب... ما فيه حل، وهو في الساعات الأخيرة من حياته، فكر شوي، وإلاَّ يقول: لا! لولا أن يُقال أنَّ ابن الخطاب رضخ، أن يُقال أنَّه اعتذر (النار ولا العار) بالضبط، شوف الخبث والدهاء، إنسان، بل ليس إنسان، سافل إلى أبعد درجة، وضيع، لهذا ثق تَماماً أنَّه لو كان في ذلك الموضع أحد ظلمة الأنبياء لكان تاب، ولذلك أبو بكر وعمر هما أنجس وأخسُّ ملعونين، ولذلك حتى إبليس ـ كما عندنا في الروايات ـ في جهنَّم، جهنَّم طبقات ومراتب، إبليس في المرتبة التي أعلا من أبو بكر وعمر، إبليس الذي أغوى الناس وضلل الناس هذا إبليس نفسه، هذا المخلوق فوق مرتبة أبو بكر وعمر، أبو بكر وعمر في قعر قعر جهنَّم، وأبو بكر وعمر هما أسوأ مخلوقين في الكون منذ بدء الخليقة، مش كذا؟ إحنا عندنا أشرف المخلوقات هم محمد وآله، اللهمَّ صل على محمد وعلى آل محمد، أبو بكر وعمر هم أسوأ المخلوقات، أعدا أعداء الله، يعني مقابل الله مَن؟ إبليس؟ ما هو إبليس، مقابل الله: أبو بكر وعمر، بَعْدِين إبليس تلميذهم!!!)).
هذه مقاطع من كلام هذا العاسر البغيض، أثبتها كما هي بلحنها وإحَنِها، وعُجرها وبُجرها، وغيظها وأضغانها، وحقدها وإلحادها، وظُلمها وظلامها، ولو فتَّش مفتِّش عن كلام يطابق هذيان المجانين لم يجد أقربَ من هذه الكلمات وما اشتملت عليه من الروايات، وإنَّ كتباً تشتمل على مثل هذه الروايات المكذوبة حقيقةٌ بالإتلاف والإحراق، وإنَّ عقيدة تُبنى على مثل هذه الأساطير والخرافات جديرةٌ أن يتبرَّأ منها مَن وفَّقهم الله من أصحابها، وأن ينبذوها رغبة عنها نبذ النواة، ولا شكَّ أنَّ الأئمَّة الذين افتُري عليهم مثل هذه الروايات بريئون منها ومِمَّن افتراها أو تابَع مَن افتراها.
ومِمَّن وفَّقهم الله للتخلص من الابتلاء ببغض الصحابة وذمِّهم، والظَّفَر بسلامة القلوب والألسنة من ذلك، ومحبَّتهم والثناء عليهم: الشريف أبو طالب بن عمر العلوي، فقد ذكر أبو طاهر السِّلفي في المشيخة البغدادية عند ذكر شيخه الشريف أبي منصور أحمد بن عبد الله بن الدَّبخ الهاشمي، عن شيخه الشريف أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن العلوي: أنَّ أبا طالب بن عمر العلوي كان على سبِّ الصحابة رافضيًّا، فتاب وأناب إلى الله تعالى مِمَّا سبق، وقال: "عشتُ أربعين سنة أسبُّ الصحابةَ، أشتهي أن أعيش مثلها حتى أذكرَهم بخير".
ومَن لم يهتد من هؤلاء، وتعدَّى على جَناب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كهذا الحاقد الجديد، فلَن يجد أمامه إلاَّ إظهار خزيه ودحض باطله؛ انتصاراً للصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، الذين
هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما عرف الناسُ الكتابَ والسنة والهدى والضلال إلاَّ عن طريق أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، والقدح في الناقل قدحٌ في المنقول، كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيت الرجلَ ينتقصُ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنَّه زنديقٌ؛ وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حقٌّ والقرآن حقٌّ، وإنَّما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّما يريدون أن يجرحوا شهودَنا ليُبطلوا الكتاب والسنَّة، والجرحُ بهم أولى، وهم زنادقةٌ" [أورده عنه الخطيب البغدادي بإسناده إليه في كتابه الكفاية (ص 49)].
ولا أدري هل فكَّر هذا الحاقد أو لم يفكِّر أنَّ خزيَه هذا لن يُنشر، وأنَّه سيبقى سبَّة عليه، وعلى كلِّ مَن كان على شاكلته من متقدِّمي أسلافه ومتأخريهم، وسواء فكَّر أو لم يفكِّر، فإنَّ هذيانه هذا من أعظم الإجرام، وفَقْدُ الحياء يُؤدِّي إلى كلِّ بلاء، وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِمَّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لَم تستح فاصنع ما شئت» [رواه البخاري (3483)]، وإذا لَم يهتد قبل الموت هذا المجرم الأفَّاك الذي يزعم أنَّ أبا بكر في النار، وأنَّه أشدُّ من إبليس عذاباً في نار جهنَّم، فسيجمع الله له إلى خزي الدنيا عذاب الآخرة.
وأمَّا عثمان بن عفان فلَم يسلم من حاقد آخر جديد من القطيف يُدعى حسن الصفار، فقد قال في شريط له: ((فإذا أوَّل سمة من سمات التاريخ الشيعي هي سمة العطاء، هي سمة العمل، هي سمة النشاط، وكان الشيعة في كلِّ العصور في عصور الخلفاء حتى في عهد الخليفة أبي بكر وعمر، لم يكن الشيعة جامدين وإنَّما كانوا يعملون حتى استطاعوا أن يفجروا الثورة الكبرى في عهد عثمان، وأن يأخذوا الخلافة والحكم إلى الإمام علي، في مشكلة... كثير من الناس لا يعرفون أنَّ الثورةَ التي حدثت على الخليفة عثمان إنَّما كانت بتخطيط شيعي، وقد شارك فيها عمار بن ياسر، بل كان هو المخطِّط لها عمار بن ياسر، إنَّما لأنَّ معاوية جعل مقتل عثمان كالقميص ضد الإمام علي، وحارب الإمام علي بتهمة قتل عثمان.
الإمام علي بشكل طبيعي ما كان إِلُهْ يد مباشرة في العمل في مقتل عثمان، لذلك الشيعة يتبرَّؤون من هذه القضية حتى لا يأخذ أهل السنة مستمسك عليهم، وإلاَّ فالشيعة هم الذين قتلوا عثمان جزاهم الله خيراً، فكان عندهم عمل، في عهد بني أمية، كان عندهم عمل، كان عندهم عمل في عهد بني العباس، كان عندهم عمل، ثورات متتالية، متتابعة كانت في تاريخ الشيعة.. هذه السمة الأولى العطاء))!!!
وقد ذكر هذا الحاقد أنَّ الشيعة فجَّروا الثورة الكبرى في عهد عثمان، وأنَّهم قتلوه، ودعا لهم على قتلهم إيَّاه، وأنَّ هذا من عطائهم، وأمَّا عمار بن ياسر فهو بريء مِمَّا نسبه إليه براءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام.
وهذا العاسر البغيض التائه الذي شوى الحقدُ قلبَه وأحرق فؤادَه حتى كاد يتميز من الغيظ على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما له أسلافٌ تفوَّهوا بمثل كلامه القبيح، منهم نعمة الله بن عبد الله بن محمد بن حسين الحسيني الجزائري (من جزائر البصرة)، ذكره صاحب معجم المؤلفين (13/110)، وكانت وفاته سنة (1112هـ)، فقد جاء في كتابه الأنوار النعمانية، طبعة مطبعة شركة جاب تبريز بإيران، من الجفاء في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قوله: (1/81 ـ 82): "وإنَّما الإشكال في تزويج علي عليه السلام أم كلثوم لعمر ابن الخطاب وقت تخلفه؛ لأنَّه ظهرت منه المناكير، وارتدَّ عن الدِّين ارتداداً أعظم من كلِّ مَن ارتدَّ، حتى إنَّه قد وردت روايات الخاصة أنَّ الشيطان يغل بسبعين غلاًّ من حديد جهنَّم، ويُساق إلى المحشر، فينظر ويرى رجلاً أمامه تقوده ملائكة العذاب، وفي عنقه مائة وعشرون غلاًّ من أغلال جهنَّم، فيدنو الشيطان إليه، ويقول: ما فعل الشقي حتى زاد عليَّ في العذاب، وإنَّما أغويت الخلق وأوردتهم موارد الهلاك؟! فيقول عمر للشيطان: ما فعلتُ شيئاً سوى أنِّي غصبت خلافة علي بن أبي طالب!!
والظاهر أنَّه استقلَّ سبب شقاوته ومزيد عذابه، ولم يعلم أنَّ كلَّ ما وقع في الدنيا إلى يوم القيامة من الكفر والطغيان واستيلاء أهل الجور والظلم، إنَّما هو من فَعْلَته هذه"!!!
وأفحشُ من ذلك وأقبح قوله (2/278): "ووجه آخر لهذا، لا أعلم إلاَّ أنِّي رأيته في بعض الأخبار، وحاصله أنَّا لم نجتمع معهم على إله، ولا على نبي، ولا على إمام؛ وذلك أنَّهم يقولوا (كذا): إنَّ ربَّهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وآله نبيَّه، وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الربِّ، ولا بذلك النبي، بل نقول: إنَّ الربَّ الذي خليفةُ نبيِّه أبو بكر ليس ربنا، ولا ذلك النَّبي نبينا"!!!
وهذا الكلام من هذا الجزائري لَم يَدَع فيه مجالاً للقائلين منهم عند لقائهم بعض أهل السنَّة: كلُّنا مسلمون، الرَّبُّ واحد، والنَّبيُّ واحد، والقبلة واحدة، والمذهب الجعفري كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي!
وقد أثنى يوسف بن أحمد البحراني على هذا الجزائري وكتابه، فقال في كتابه لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث (ص 111) نشر دار الأضواء ببيروت: "وكان هذا السيِّد فاضلاً محدِّثاً مدقِّقاً، واسع الدائرة في الاطِّلاع على أخبار الإمامية، وتتبع الآثار المعصومية"!! ووَصَف كتابه الأنوار النعمانية بأنَّه كبير مشتمل على كثير من العلوم والتحقيقات!!
وقد وُصف هذا البحراني على طرة كتابه بالعلاَّمة المحدِّث الشهير!
وفي ترجمة الجزائري المذكورة في مقدمة كتابه الأنوار النعمانية (صفحة: ي ـ ل) ثناء سبعة من علمائهم عليه، آخرهم هذا البحراني.
ومنهم كاظم الأزري وهو من علمائهم بين القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجري، فقد أنشأ قصيدة هائية طويلة تبلغ ألف بيت، فيها غلوٌّ في بعض أهل البيت، وجفاء في الصحابة الكرام رضي الله عنهم عموماً، وفي الشيخين الجليلين والخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما خصوصاً، وقد وقفت على أبيات من هذه القصيدة في كتاب الأستاذ محمود الملاَّح، وعنوانه: ((الرزية في القصيدة الأزرية))، وله تعليقات جيدة على ما أورده من أبياتها، فجزاه الله خيراً، وقد قال (ص 32): ((القصيدة الأزرية الهائية، التي تستحق أن تسمى بـ (هاء) الهاوية، معروفة في الأوساط المختلفة، كنَّا نسمع منها نبذاً منبوذة، وطالَما تشوَّقنا إلى لقائها الكريه! فنزلت في هذه الأيام إلى الأسواق سافرة غير محتجبة، كما نزل غيرها من الموبقات السافرة! وهي مِمَّا نشرته المطبعة الحيدرية في النجف، وهي إحدى المطابع التي أخذت على عاتقها تحقيق منهاج معيَّن، ينكشف لنا أوَّلاً فأولاً! وكان طبعها سنة (1370هـ))).
وذكر أنَّ لها مقدمة بقلم محمد رضا المظفر، وقال: ((ومِمَّا جاء في المقدمة قوله في صفحة (40): (وكان لدى علماء عصره مبجَّلاً محترَماً، لا سيما عند السيد بحر العلوم، وتُنقل إلى اليوم على ألسنة الناس مبالغات في احترامه وتقدير ألفيته، خاصة لدى العلماء! حتى يُنقل عن الشيخ صاحب الجواهر أنَّه كان يتمنَّى أن تكتب في ديوان أعماله القصيدة الأزرية مكان كتابه جواهر الكلام))).
إلى أن قال صاحب المقدمة: ((وهي ينبغي أن تُعدَّ كتاباً دينيًّا لا قصيدة؛ فإنَّها تُمثِّل رأي الإمامية في النبوة والإمامة، وفيه كثير من المباحث الكلامية وإقامة الحجج عليها، تغني بجملتها عن مجلدات ضخمة!!)).
وهذا الشاعر كاظم بن محمد بن مراد بن المهدي التميمي الأزري البغدادي، ذكره صاحب معجم المؤلفين (8/139)، وذكر أنَّ وفاته سنة (1212هـ)، ومِمَّا جاء في قصيدته الأزرية في الجفاء في الصحابة عموماً البيت في (ص 45):
أنَبيٌّ بلا وصي؟!! تعالى الله *** عمَّا يقوله سفهاها!!!
ويعني بالسفهاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل السنَّة الذين ساروا على نهجهم!
وأسوأ من ذلك البيت في (ص 51):
أهم خير أمَّة أخرجت للنَّاس؟! *** هيهات ذاك بل أشقاها
فهو يُنكر أن يكون الصحابة خير أمَّة أُخرجت للناس، ويزعم أنَّهم شرُّ أمَّة أُخرجت للناس، وفي هذا مقابلة ومعارضة ومناقضة لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أخرجت لِلنَّاسِ﴾، وقد نطق هذا الأزري بالوزر العظيم وصرَّح بما أشار إليه ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية بقوله (ص 469): ((فمَن أضلُّ مِمَّن يكون في قلبه غِلٌّ على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النَّبيِّين، بل قد فضَلهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: مَن خير أهل ملَّتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى: مَن خير أهل ملَّتكم؟ فقالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرافضة: مَن شرُّ أهل ملَّتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد، ولم يستثنوا منهم إلاَّ القليل، وفيمَن سبُّوهم مَن هو خير مِمَّن استثنوهم بأضعاف مضاعفة)).
ومن جفائه في أبي بكر البيتان في (ص 47، 79):
أولا ينظرون ماذا دهتهم *** قصة الغار من مساوي دهاها
وكذا في براءة لَم يبسمل *** حيث جلت بذكره بلواها
فإنَّ هذا التائه جعل منقبة أبي بكر في دخوله الغار مع النَّبي صلى الله عليه وسلم مذمَّة، وأسوأ من ذلك زعم هذا الأفَّاك أنَّ سورةَ براءة خلت من البسملة؛ لأنَّ أبا بكر ذكِر فيها، وأنَّ هذا الذِّكر عظمت به المصيبة وجلَّت به البلوى!!
ومِن ذمِّه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وجفائه فيهما البيتان في (ص 52):
أي مرقى من الفخار قديماً *** وحديثاً أصابه شيخاها؟!
أي أكرومة ولو أنَّها قلـ *** ـت ودقَّت إليهما منتماها
وفي مقابل هذا الجفاء في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يأتي بالغلو الشديد في علي، مع جفاء في الرسل والأنبياء، ومنه هذه الأبيات في (ص 34، 35، 36).
وهو الآية المحيطة في الكو *** ن ففي عين كلِّ شيء تراها!
الفريد الذي مفاتيح علم الـ *** واحد الفرد غيره ما حواها!
واسأل الأنبياء تنبيك عنه *** إنَّه سرُّها الذي نبَّاها!
جمع الله فيه جامعة الرسـ *** ـل وآتاه فوق ما آتاها!
لك كف من أبحر الله تجري *** أنهر الأنبياء من مجراها!
ورأت قسوراً لو اعترضته الـ *** إنس والجن في وغى أفناها!
وتعليقي على هذه الأبيات التي هي غاية في الغلو، أقول: إنَّه يصدق عليها الوصف المشهور: يضحك النمل في قراها، والنحل في خلاياها!
وبعد أن أوردتُّ كارهاً مضطرًّا فيما تقدَّم من كلام هذا الحاقد الجديد وبعض أسلافه من المتقدِّمين والمتأخرين كلماتٍ مظلمة موحشة في الغلوِّ في بعض القرابة والجفاء في الأنبياء والصحابة، وعلى الأخصِّ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإنِّي أوردُ هنا كلمات مشرقة مضيئة مُؤنسة من كلام خير الصحابة والقرابة بعضهم في بعض.
فمِمَّا قاله خيرُ القرابة وأفضل هذه الأمَّة بعد الخلفاء الثلاثة قبله علي بن أبي طالب في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
1 ـ روى البخاري في صحيحه (3671) بإسناده عن محمد بن الحنفية ـ وهو محمد بن علي بن
أبي طالب ـ قال: ((قلت لأبي: أيُّ الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثمَّ مَن؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلاَّ رجل من المسلمين)).
2 ـ روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم، أخبرنا منصور بن عبد الرحمن يعني الغُداني الأشَل، عن الشعبي، حدَّثني أبو جُحَيفة الذي كان عليٌّ يُسمِّيه وَهْب الخير، قال: قال لي علي: ((يا أبا جُحيفة! ألا أخبرُك بأفضل هذه الأمَّة بعد نبيِّها؟ قال: قلت: بلى! قال: ولم أكن أرى أنَّ أحداً أفضل منه، قال: أفضلُ هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، وبعدهما آخر ثالث ولم يُسمِّه)) وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين، إلاَّ منصور ابن عبد الرحمن فهو من رجال مسلم، وأثر عليٍّ هذا عن أبي جحيفة جاء في مسند الإمام أحمد وزوائده لابنه عبد الله من طرق صحيحة أو حسنة، وأرقامها من (833) إلى (837) و(871).
3 ـ وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة (474) قثنا الهيثم بن خارجة والحكم بن موسى، قالا: ثنا شهاب بن خراش، قال: حدَّثني الحجاج بن دينار، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي قال: ((ضرب علقمة ابن قيس هذا المنبر، فقال: خطبنا عليٌّ على هذا المنبر، فحمد الله وذكره ما شاء الله أن يذكره، ثم قال: ألا إنَّه بلغني أنَّ أناساً يفضِّلوني على أبي بكر وعمر، ولو كنتُ تقدَّمتُ في ذلك لعاقبتُ، ولكنِّي أكره العقوبةَ قبل التقدُّم، فمَن قال شيئاً من ذلك فهو مفتَر، عليه ما على المفتري، إنَّ خيرَ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر...)). وهذا إسناد حسن، وأبو معشر هو زياد بن كليب، وهو ثقة. وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (993)، وقال الألباني: ((إسناده حسن)).
وفي زوائد فضائل الصحابة (49) عن عبد الله بن أحمد بإسناد فيه ضعف إلى الحكم بن جَحْل قال: سمعتُ عليًّا يقول: ((لا يفضلني أحَدٌ على أبي بكر وعمر إلاَّ جلدته حدَّ المفتري)).
وهو أيضاً كذلك في السنة لابن أبي عاصم (1219)، وهو قريب في المعنى من الذي قبله عن علقمة، وقد أشار إبراهيم النخعي إلى هذه العقوبة من عليٍّ لِمَن يفضله على الشيخين بقوله لرجل قال له: ((عليٌّ أحبُّ إليَّ من أبي بكر وعمر))، فقال له إبراهيم: ((أمَا إنَّ عليًّا لو سمع كلامَك لأوجع ظهركَ، إذا تجالسوننا بهذا فلا تجالسونا)) رواه عنه ابن سعد في الطبقات (6/275) بإسناده إليه عن أحمد بن يونس، عن أبي الأحوص ومفضل بن مهلهل، عن مغيرة، عنه، ورجاله ثقات محتجٌّ بهم، وهم من رجال الصحيحين، إلاَّ المفضل بن مهلهل فهو من رجال مسلم، وفيه عنعنة المغيرة عن إبراهيم، وهو مدلس.
وإذا كانت هذه عقوبةُ علي مَن يفضِّله على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فكيف تكون عقوبته مَن يفضِّله وبعضَ أبنائه وأحفاده على الأنبياء والمرسلين؟!
4 ـ وروى ابن ماجه في سننه (106) قال: حدَّثنا علي بن محمد، ثنا وكيع، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلِمة، قال: سمعتُ عليًّا يقول: ((خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وخيرُ الناس بعد أبي بكر عمر)) ورجاله محتجٌّ بهم، ثلاثة منهم من رجال البخاري ومسلم، وصححه الألباني.
5 ـ وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (7/434) (7053) قال: حدَّثنا ابن نمير، عن عبد الملك بن سَلْع، عن عبد خير، قال: سمعتُ عليًّا يقول: ((قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على خير ما عليه نبيٌّ من الأنبياء، قال: ثم استُخلِف أبو بكر فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسنَّته، ثم قُبض أبو بكر على خير ما قُبض عليه أحد، وكان خيرَ هذه الأمَّة بعد نبيِّها، ثم استُخلف عمر، فعمل بعملهما وسنَّتهما، ثم قُبض على خير ما قُبض عليه أحد، وكان خيرَ هذه الأمَّة بعد نبيِّها وبعد أبي بكر)).
ورجال هذا الإسناد مُحتجٌّ بهم، فعبد خير، وعبد الله بن نمير ثقتان، وعبد الملك بن سَلْع صدوق.
6 ـ وروى البخاري في صحيحه (3685) ومسلم (3389) عن ابن عباس قال: ((وُضع عمر على سريره، فتكنَّفه الناسُ يدعون ويصلُّون قبل أن يُرفع وأنا فيهم، فلَم يَرُعني إلاَّ رجل آخذ منكبي، فإذا علي ابن أبي طالب، فترحَّم على عمر، وقال: ما خلَّفتَ أحداً أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك،
وايم الله! إن كنتُ لأظنُّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبتُ أنِّي كثيراً أسمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر)).
هذه نماذج مِمَّا عند أهل السنَّة والجماعة من كلام حسن قاله أبو الحسن علي في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأيضاً فإنَّ عليًّا قد سَمَّى ثلاثةً من أبنائه بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، كما في الرياض المستطابة للعامري (ص 179)، وزوَّج عليٌّ ابنته من فاطمة أم كلثوم من عمر، ولو حصل في نفوس بعضهم على بعض شيء، فإنَّه منزوع منهم في الجنَّة، كما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر:47 - 48].
وإذا نظر مَن له أدنى عقل في هذه الروايات عند أهل السنَّة، ثم نظر في الروايات التي ذكرها هذا الحاقد البغيض عن قومه في ذمِّ أبي بكر وعمر، تبيَّن له الفرق الواضح بين الحقِّ والباطل، والهدى والضلال، والضياء والظلام، والرائحة الطيبة والرائحة الخبيثة المنتنة.
ومِمَّا جاء عن الخليفتين الرَّاشدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1 ـ روى البخاري في صحيحه (3712) أنَّ أبا بكر قال لعليٍّ: ((والذي نفسي بيده! لقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أن أصلَ من قرابتي)).
2 ـ وروى البخاري في صحيحه أيضاً (3713) عن ابن عمر، عن أبي بكر رضي الله عنهم قال: ((ارقُبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته)).
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: ((يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به، والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم، فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم)).
3 ـ وروى البخاري أيضاً (3542) عن عقبة بن الحارث قال: ((صلَّى أبو بكر العصر، ثم خرج يمشي، فرأى الحسنَ يلعب مع الصبيان، فحمَلَه على عاتقه، وقال: بأبي شبيهٌ بالنَّبيّ لا شبيهٌ بعليّ، وعليٌّ يضحك)).
قال الحافظ في شرحه: ((قوله: (بأبي): فيه حذف تقديره أفديه بأبي))، وقال أيضاً: ((وفي الحديث فضل أبي بكر ومحبَّته لقرابة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم)).
4 ـ وروى البخاري أيضاً (1010) و(3710) عن أنس: ((أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقنا، قال: فيُسقون)).
والمراد بتوسُّل عمر بالعباس التوسُّل بدعائه كما جاء مبيَّناً في بعض الروايات، وقد ذكرها الحافظ في شرح الحديث في كتاب الاستسقاء من فتح الباري، واختيار عمر للعباس للتوسُّل بدعائه إنَّما هو لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال في توسله: ((وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا))، ولم يَقل: بالعباس، ومن المعلوم أنَّ عليًّا أفضلُ من العباس، وهو من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن العباس أقرب، ولو كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُورَث عنه المال لكان العباس هو المقدَّم في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَلحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر» [أخرجه البخاري ومسلم].
وما يزعمونه من ظلم أبي بكر أهل البيت في منع ميراثه صلى الله عليه وسلم وأخذه الخلافة منهم، مردودٌ بكونه لم يقسم ميراثه صلى الله عليه وسلم تنفيذاً لِمَا جاء عنه صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري (6725) (6726) ومسلم (1759) عن عائشة: ((أنَّ فاطمة والعباس عليهما السلام أتيَا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فَدَك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث، ما تركنا صدقة، وإنَّما يأكل آلُ محمد من هذا المال)) الحديث.
وأمَّا الخلافة، فمعاذ الله أن يتولاَّها أبو بكر وهي حقٌّ لغيره، وإنَّما تولاَّها بمبايعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إيَّاه، وتحقَّق بهذه البيعة ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «ويأبَى الله والمؤمنون إلاَّ أبا بكر»، فقد روى البخاري (5666) ومسلم (2387) في صحيحيهما ـ واللفظ لمسلم ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتبَ كتاباً؛ فإنِّي أخاف أن يَتمنَّى مُتمنٍّ ويقول قائل: أنا أولَى، ويأبى الله والمؤمنون إلاَّ أبا بكر».
5 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/453): ((وانظر إلى عمر بن الخطاب حين وضع الديوان، وقالوا له: يبدأ أمير المؤمنين بنفسه، فقال: لا! ولكن ضَعُوا عمرَ حيث وضعه الله، فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من يليهم، حتى جاءت نوبته في بني عدي، وهم متأخِّرون عن أكثر بطون قريش)).
وبالنظر فيما جاء في كلام هذا الحاقد الجديد وأسلافه في الأنبياء والقرابة والصحابة، وما جاء عن أهل السنَّة والجماعة في ذلك يتَّضح ما يلي:
1 ـ أنَّ هذا الحاقدَ الجديد والخمينيَّ فضَّلاَ فاطمة وعليًّا والحسَن والحسين رضي الله عنهم وتسعةً
من أولاد الحسين، وهم الأئمَّة الاثنا عشر عندهم على الأنبياء والمرسَلين سوى نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مقدِّمتهم إبراهيم الخليل ثم موسى الكليم ونوح وعيسى وغيرهم، وهذا غلوٌّ في أئمَّتهم وجفاء في الأنبياء والمرسلين، أمَّا أهل السنَّة والجماعة فيؤمنون بأنَّ رسلَ الله وأنبياءَه جميعاً خيرُ البشر.
2 ـ أنَّ هذا الحاقدَ الجديد وأسلافَه يغلون في أئمَّتهم ويجفون في أكثر أهل البيت، وفي الصحابة جميعاً، إلاَّ نفراً يسيراً منهم، أمَّا أهل السنَّة والجماعة، فهم يتولَّون أهل بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والصحابة جميعاً، ويُنزلون كلاًّ منزلته بالعدل والإنصاف، وفقاً للنصوص الشرعية، وعندهم أنَّ أهلَ البيت هم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وذريَّته، وكلُّ مسلم ومسلمة من بني هاشم بن عبد مناف، وبنو هاشم منحصرون في نسل ابنه عبد المطلب كما في كتب الأنساب وغيرها، وانظر عَقِبَ عبد المطلب في جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص 14 ـ 15)، والتبيين في أنساب القرشيين لابن قدامة (ص 76)، ومنهاج السنة لابن تيمية (7/304 ـ 305)، وفتح الباري لابن حجر (7/78 ـ 79).
فأهل السنَّة يتولَّون الصحابةَ جميعاً، ويتولَّون كلَّ مسلم ومسلمة من قرابة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويعرفون الفضلَ لِمَن جمع اللهُ له بين شرف الإيمان وشرف النَّسب، فمَن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّهم يُحبُّونه لإيمانه وتقواه، ولصحبته إيَّاه، ولقرابته منه صلى الله عليه وسلم، ومَن لم يكن منهم صحابيًّا، فإنَّهم يُحبُّونه لإيمانه وتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويَرون أنَّ شرفَ النَّسَب تابعٌ لشرف الإيمان، ومَن جمع الله له بينهما فقد جمع له بين الحُسنيين، ومَن لَم يُوفَّق للإيمان فإنَّ شرفَ النَّسَب لا يُفيده شيئاً، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر حديث طويل رواه مسلم في صحيحه (2699) عن أبي هريرة: «ومَن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه».
وقد صدر لي في عام (1422هـ) كتاب بعنوان: ((فضل أهل البيت وعلوِّ مكانتهم عند أهل السنَّة والجماعة))، يشتمل على عشرة فصول، بيَّنتُ في الفصل الأول مَن هم أهل البيت، وأوضحتُ الأدلَّة على دخول زوجاته وعمَّيه حمزة والعباس وأولاد أعمامه في أهل بيته.
ومن محاسن أهل السنَّة والجماعة محبَّتهم للصحابة والقرابة وتولِّيهم إيَّاهم والدعاء لهم، ومن محبَّتهم للصحابة والقرابة أنَّهم يُسمُّون بأسمائهم، وقد ذُكِر عن الحسن بن عرفة وابن دقيق العيد التسمية بأسماء العشرة المبشَّرين بالجنة، ذكر ذلك الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال في ترجمة الحسن بن عرفة، وذكره محمد بن شاكر الكتبي في كتاب فوات الوفيات في ترجمة ابن دقيق العيد (3/443)، وللشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ستة من البنين وبنت واحدة، أسماؤهم: عبد الله، وإبراهيم، وعبد العزيز، وعلي، وحسن، وحسين، وفاطمة، وكلها من أسماء أهل بيته صلى الله عليه وسلم إلاَّ عبد العزيز، فعبد الله وإبراهيم وفاطمة من أولاده صلى الله عليه وسلم، وعلي ابن عمِّه وصهره، والحسن والحسين سبطاه.
وقد رزقني الله بنين وبنات، سمَّيتُ منهم بأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة، وعبد الرحمن، وهم من العشرة المبشَّرين بالجنة، وباسم فاطمة والحسن والحسين، وبأسماء سبع من أمهّات المؤمنين.
والحمد لله الذي وفَّق أهلَ السنَّة والجماعة لمحبَّة الصحابة والقرابة والثناء عليهم والدعاء لهم، وسلامة قلوبهم وألسنتهم من الغلِّ لهم وذِكرهم بما لا يليق بهم.
ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، ربَّنا إنَّك رؤوف رحيم، ربَّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنَّك أنت الوهاب، والحمد لله ربِّ العالَمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top