يعرف
المفيد التقية عند الشيعة بقوله: "التقية كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه،
وكتمان المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا"(1).
وهي ركن من أركان دينهم كالصلاة أو أعظم، قال ابن بابويه: "اعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها بمنزلة من ترك الصلاة"(2).
ثم
لم يكفهم ذلك فجعلوها هي الدين كله، ولا دين لمن لا تقية له، جاء في أصول
الكافي وغيره أن جعفر بن محمد قال: "إن تسعة أعشار الدين في التقيّة، ولا
دين لمن لا تقية له" [ج2/217].
وعدوا
ترك التقية ذنباً لا يغفر إلى حد الشرك بالله، قالت أخبارهم: "يغفر الله
للمؤمن كل ذنب يظهر منه في الدنيا والآخرة، ما خلا ذنبين: ترك التقية
وتضييع حقوق الأخوان"(3).
والتقية
عندهم حالة مستمرة، وسلوك جماعي دائم، قال ابن بابويه في كتابه
(الاعتقادات): "والتقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم"[114، 115].
ويؤكدون على أن تكون عشرة الشيعة مع أهل السنة بالتقية، وقد ترجم الحر العاملي فقال: باب وجوب عشرة العامة (أهل السنة) بالتقيّة(4).
ونسبوا لـأبي عبد الله أنه قال: "من صلى معهم في الصف الأول فكأنها صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الصف الأول"(5).
أما سبب هذا الغلو في أمر التقية فيعود إلى عدة أمور منها:
أن
الشيعة تعد إمامة الخلفاء الثلاثة باطلة، وهم ومن بايعهم في عداد الكفار،
مع أن علياً بايعهم وصلى خلفهم وجاهد معهم وزوجهم، ولما ولي الخلافة سار
على نهجهم ولم يغير شيئاً مما فعله أبو بكر وعمر كما تعترف بذلك كتب الشيعة
نفسها (6).
وهذا يبطل مذهب الشيعة من أساسه، فحاولوا الخروج من هذا التناقض المحيط بهم بالقول بالتقية.
أنهم
قالوا بعصمة الأئمة وأنهم لا يسهون ولا يخطئون ولا ينسون، وهذا خلاف ما هو
معلوم من حالهم فقالوا بالتقية؛ لتبرير هذا التناقض والاختلاف والتستر على
كذبهم.
تسهيل
مهمة الكذابين على الأئمة ومحاولة التعتيم على حقيقة مذهب أهل البيت بحيث
يوهمون الأتباع أن ما ينقله واضعو مبدأ التقية عن الأئمة هو مذهبهم، وأن ما
اشتهر عنهم أمام المسلمين تقية.
وضع
مبدأ التقية لعزل الشيعة عن المسلمين. يقول إمامهم (أبو عبد الله): "ما
سمعت مني يشبه قول الناس فيه التقية، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا
تقية فيه"(7).
ووضعوا لهم ميزاناً أخرج المذهب إلى دائرة الغلو، وهو أن ما خالف العامة فيه الرشاد.
النقد:
التقية في الإسلام إنما هي مع الكفار، قال تعالى: ((إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً))[آل عمران:28].
قال ابن جرير الطبري: "التقية التي ذكرها الله في هذه الآية إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم"(8).
التقية رخصة في حال الاضطرار، ولذلك استثناها الله من مبدأ النهي عن موالاة الكفار، فقال تعالى: ((لا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ
إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ
وَإِلَى الله الْمَصِيرُ))[آل عمران:28].
وأجمع
أهل العلم على أن التقية رخصة في حال الضرورة، ولكن من اختار العزيمة في
هذا المقام فهو أفضل، وقد أثنى الله على الصادقين الشجعان الذين لا يخافون
في الله لومة لائم، فقال تعالى: ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا الله))[الأحزاب:39].
ويرد عليهم ما جاء في نهج البلاغة عن علي قال: "علامة الإيمان إيثارك الصدق حيث يضرك، على الكذب حيث ينفعك".
البداء:
من
أصول الاثني عشرية القول بالبداء على الله سبحانه وتعالى حتى بالغوا في
أمره فقالوا: "ما عبد الله بشيء مثل البداء" و"ما عظم الله عز وجل بمثل
البداء" "ولو علم الناس ما في البداء من الأجر ما فتروا من الكلام فيه"
و"ما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء".(9).
وألف شيوخهم في شأنها مؤلفات مستقلة بلغت (25) مصنفاً كما ذكر في الذريعة (10).
والبداء في اللغة له معنيان:
1-الظهور بعد الخفاء.
2- نشأة الرأي الجديد.
وواضح
أن البداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم وكلاهما محال على الله
سبحانه وتعالى، ونسبته إلى الله من أعظم الكفر، وهذا المعنى المنكر يوجد في
كتب اليهود(11)، ومثله يتكرر في توراتهم.
إن
الأكثرية الساحقة من أبناء الشيعة لا يعرفون معنى البداء غير أنهم لم
ينتبهوا إلى أنهم يكررونها عند مخاطبتهم الأئمة في قبورهم حيث يقولون عند
قبر الإمام: "السلام عليكما يا من بدا لله فيكما"(12).
ولقد حاول شيوخ الشيعة أن يجدوا مخلصاً من وصمة هذا العار، ومهرباً من التكفير بعده بمحاولات منها:
1-
فـالنصير الطوسي الذي لقبه المجلسي بالمحقق أنكر وجود البداء كعقيدة
للاثني عشرية، وقال عن طائفته: "إنهم لا يقولون بالبداء وإنما القول
بالبداء ما كان إلا في رواية رووها عن جعفر الصادق (أنه جعل إسماعيل القائم
مقامه، فظهر من إسماعيل ما لم يرتضه منه، فجعل القائم موسى فسئل عن ذلك
فقال: بدا لله في أمر إسماعيل) وهذه رواية، وعندهم أن خبر الواحد لا يوجب
علماً ولا عملاً"(13).
ولكن
هذا -كما ترى- مخالف للواقع، إذ أن البداء من عقائدهم المقررة، ولذلك قال
المجلسي بأن هذا الجواب عجيب من الطوسي، وعزا ذلك لعدم إحاطته بالأخبار(14).
2-
وصنف من الشيعة يقر بالبداء كعقيدة ويحاول أن يجد له تأويلاً مقبولاً.
فـابن بابويه القمي يوجه أحاديثهم في البداء توجيهاً تبدو عليه ملامح
الاضطراب، فهو في البداية يقول: "ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء
ندامة -تعالى الله عن ذلك- ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له
البداء معناه أن له أن يبدأ بشيء من خلقه فيخلقه قبل شيء ثم يعدم ذلك الشيء
ويبدأ بخلق غيره"(15).
فأنت
ترى أن حديثه هنا خارج الموضوع تماماً؛ لأنه تكلم عن البدء لا البداء،
ولكنه رجع وفسر البداء بالنسخ، فقال بعد الكلام السابق مباشرة: "أو يأمر
بأمر ثم ينهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرائع، وتحويل القبلة".
وهذا
جهل أو تجاهل، إذ لا بداء في النسخ، والحكم كان مؤقتاً في علم الله وأجل
الحكم، وانتهاء الحكم عند حلول الأجل معلوم لله قبل الحكم. نعم بدا لنا ذلك
من الله بعد نزول الناسخ، والبداء لنا في علمنا لا لله.
ثم
إن ابن بابويه في نهاية توجيهه لعقيدة البداء عاد إلى القول بأن البداء:
"إنما هو ظهور أمر، بقول العرب بدا لي شخص في طريقي -أي: ظهر- قال الله عز
وجل: ((وَبَدَا لَهُمْ مِنَ الله مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ))[الزمر:47] أي: ظهر لهم، ومن ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره"(16).
فهذا عودة منه لتقرير ذلك المنكر في معتقدهم في البداء، بعد تلون وتقلب.
وزيادة
عمر من وصل رحمه ليست من باب البداء، وظهور ما لم يكن في علم الله، بل صلة
الرحم سبب لطول العمر، والله قد قدر الأجل وسببه إلى هذه الغاية، ولولا
ذلك السبب لم يصل إلى هذه الغاية ولكن قدر الله هذا السبب وقضاه، وكذا قدر
أن هذا يقطع رحمه فيعيش إلى كذا.
3-
لكن شيخ الطائفة الطوسي يسلك في تأويل البداء طريقاً أسلم من طريق ابن
بابويه حيث يقول: "قوله: بدا لله فيه معناه: بدا من الله فيه، وهذا القول
في جميع ما يروي من أنه بدا لله في إسماعيل، معناه بدا من الله، فإن الناس
كانوا يظنون في إسماعيل بن جعفر أنه الإمام بعد أبيه، فلما صارت لغيره
علموا بطلان ذلك"(17).
هذا اعتذار الطوسي، ولا شك بأن البداء إذا كان للخلق بأن يقع لهم ما لم يحتسبوا، فليس فيه ما يمس العقيدة الإسلامية.
وقد تابع الطوسي في الاعتذار نفسه أحد مراجع الشيعة في هذا العصر وهو محمد حسين آل كاشف الغطاء(18).
ولكن
المطلع على رواياتهم لا يرى أنها تتفق مع هذا التاويل، إذ تدل على نسبة
البداء إلى الله لا إلى الخلق، ولذلك اعتذر أئمتهم عن الأخبار بالغيبيات
خشية البداء، ونسبوا إلى النبي لوط عليه السلام أنه كان يحث الملائكة
لإنزال العقوبة بقومه خشية أن يبدو لربي فيهم، فقالوا: يا لوط إن موعدهم
الصبح أليس الصبح بقريب(19). فهل مثل هذا (الإلحاد) يقبل التأويل؟
ثم إن التأويل الأخير لا يسوغ كل هذه المغالاة في البداء، وجعله من أعظم الطاعات وأصول الاعتقادات.
هناك روايات من كتب الاثني عشرية تنقض عقيدة البداء:
جاء
في كتاب التوحيد لـابن بابويه: "عن منصور بن حازم قال سألت أبا عبد الله
-عليه السلام- (هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله تعالى بالأمس؟ قال:
لا، من قال هذه فأخزاه الله، قلت: أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم
القيامة أليس في علم الله؟ قال: بلى، قبل أن يخلق الخلق)"(20).
لقد أصبح الشيعة باعتقادهم هذا عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منهم كل عاقل بسبب ما اعتقدوه من مثل هذه الضلالات.
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).