الولاية أصل قبول الأعمال عندهم
إن التوحيد هو أصل قبول الأعمال، والشرك بالله سبحانه هو سبب بطلانها. قال تعالى {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء 48، 116]،
ولكن الشيعة جعلوا ذلك كله لولاية الاثني عشر، وجاءت رواياتهم لتجعل
المغفرة والرضوان والجنات لمن اعتقد الإمامة وإن جاء بقراب الأرض خطايا،
والطرد والإبعاد والنار لمن لقي الله لا يدين بإمامة الاثني عشر، فقالوا
(إنّ الله عزّ وجلّ نصب عليًّا علمًا بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنًا،
ومن أنكره كان كافرًا، ومن جهله كان ضالاً، ومن نصب معه شيئًا كان مشركًا،
ومن جاء بولايته دخل الجنّة) (1).
وقالوا
في رواياتهم (... فإن من أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته،
وصومه، وزكاته، وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل
الله عز وجل شيئًا من أعماله) (2).
وقال أبو عبد الله - كما يزعمون - (من خالفكم وإن تعبد منسوب إلى هذه الآية {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ، عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ، تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية 2-4]) (3).
وزعموا
أن جبرائيل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد، السلام يقرئك
السلام ويقول خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع وما عليهن، وما
خلقت موضعًا أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبدًا دعاني هناك منذ خلقت
السّماوات والأرضين ثم لقيني جاحدًا لولاية علي لأكببته في سقر(4).
ولا
تترك رواياتهم وجهًا من أوجه المبالغة في عبادة جاحد الولاية وعدم نفعها
له إلا وتذكره حتى قالت (... لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلا
بولايتنا أهل البيت) (5).
وزعمت
أن الله قال - كما يفترون - (يا محمد، لو أنّ عبدًا يعبدني حتى ينقطع
ويصير كالشّنّ ثم أتاني جاحدًا لولايتهم ما أسكنته جنّتي ولا أظللته تحت
عرشي) (6). وادعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لو جاء أحدكم يوم
القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب لأكبّه الله
عزّ وجلّ بالنّار) (7).
(ولو أن عبدًا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيًا ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي) (8).
بل
إنهم جعلوا التوحيد لا يقبل إلا بالولاية، ففي أخبارهم (قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله دخل الجنّة، فقال رجلان من أصحابه
فنحن نقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّما تقبل
شهادة أن لا إله إلا الله من هذا وشيعته، ووضع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يده على رأس عليّ وقال لهما من علامة ذلك ألا تجلسا مجلسه ولا تكذبا
قوله...) (9). فهذا يقتضي عندهم أن الولاية مقدمة على الشهادة وهي أساس
قبولهم.. ولا تقبل الشهادة إلا من شيعة علي.
واعتقاد
الإمامة هو مناط عفو الله ومغفرته، وإنكارها هو سبب سخط الله وعقابه،
وجاءت عندهم بهذا المعنى روايات كثيرة؛ فقد رووا (عن علي رضي الله عنه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل عن الله عز وجل قال وعزتي وجلالي
لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية إمام جائر ليس من الله عز وجل، وإن
كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ولأعفون عن كل رعية دانت بولاية إمام
عادل من الله تعالى، وإن كانت الرعية في أعمالها طالحة سيئة) (10).
ورواياتهم
في هذه المسألة كثيرة جاء على أكثرها صاحب البحار، فقد ذكر مثلاً عشرين
رواية في (باب أنهم عليهم السلام أهل الأعراف.. لا يدخل الجنة إلا من عرفهم
وعرفوه) (11). وإحدى وسبعين رواية في (باب أنه لا تقبل الأعمال إلا
بالولاية) (12). وغيرها.
وكل
هذه الروايات ليست من الإسلام في شيء، فأمامنا كتاب الله سبحانه ليس فيه
مما يدعون شيء، وهو الفيصل الأول، والمرجع الأول في كل خلاف.
القرآن العظيم ذكر أن اصل قبول الأعمال هو التوحيد وسبب الحرمان هو الشرك، قال تعالى إ{ِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة 72]، {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء 48، 116].
وكل ما ذكر من مبالغات الشيعة تكذبها آيات القرآن؛ فالله سبحانه يقول {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [البقرة 62]. ولم يذكر سبحانه من ضمن ذلك الولاية، وكذلك قال سبحانه {مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [المائدة 69].
وهم
يزعمون أو ولاية الاثني عشر أعظم من الصلاة وسائر أركان الإسلام. والصلاة
ذكرت في القرآن بلفظ صريح واضح في أكثر من ثمانين موضعًا، ولم تذكر ولايتهم
مرة واحدة.. فهل أراد جل شأنه ضلال عبادة، أو لم يبين لهم طريق الوصول
إليه!! {سبحانه هذا بهتان عظيم وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} [التوبة 115].
وقد
جاء في رواياتهم ما ينقض ما قالوه، وإن كانت لا تلبث تأويلاتهم، أو تقيتهم
من وأد مثل هذه النصوص المعتدلة، ولكن أذكر ذلك لإقامة الحجة عليهم من
كتبهم، ولبيان ما عليه نصوصهم من تناقض.. جاء في تفسير فرات (قال علي بن
أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما نزلت {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى 23].
قال جبرائيل يا محمد، إن لكل دين أصلاً ودعامة، وفرعًا وبنيانًا، وإن أصل
الدين ودعامته قول لا إله إلا الله، وإن فرعه وبنيانه محبتكم أهل البيت
وموالاتكم فيما وافق الحق ودعا إليه) (13).
فهذا
النص يخالف ما تذهب إليه أخبارهم، حين يجعل أصل الدين شهادة التوحيد، لا
الولاية، ويعد محبة أهل البيت هي الفرع وهي مشروطة بمن وافق الحق منهم ودعا
إليه.
المصدر: الدرر السنية
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).