شهد العراق، خلال الأشهر الخمسة الماضية، ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة العمالة الإيرانية الوافدة وبشكل غير مسبوق، لا سيما في مناطق جنوبي البلاد وإقليم كردستان في الشمال.
وبحسب ما رصده مراسل "الخليج أونلاين"، فإن العمالة الإيرانية تركزت في مناطق إقليم كردستان وعدد من مدن جنوب البلاد، فضلاً عن أعداد قليلة في العاصمة بغداد، وخصوصاً بمدينة الكاظمية الدينية.
هذه الحركة غير المسبوقة أرجعها بعض العاملين الإيرانيين في العراق إلى "تردي الأوضاع الاقتصادية داخل إيران بشكل لافت ومخيف؛ بسبب انهيار العملة الإيرانية أمام الدولار الأمريكي نتيجة عقوبات واشنطن".
وذهب آخرون من أبناء هذه الفئة إلى تعليل الأمر بـ"تدهور الوضع الاقتصادي في إيران، وهو ما دفعهم إلى الذهاب للعراق من أجل العمل بمرتب شهري لا يتجاوز 200 دولار أمريكي".
استمرار تدفق العمالة الإيرانية مؤخراً أدى إلى تفاقم أزمة العمل في العراق بشكل أكبر مما هو عليه الوضع سابقاً، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة في البلد العربي إلى أعلى مستوياتها.
وهذا يرجع إلى منافسة الإيرانيين للعراقيين في فرص العمل نظراً لقبولهم أجوراً قليلة جداً، وهو ما أدى إلى تفضيلهم على أبناء البلاد من قبل أصحاب المعامل والشركات ومتاجر البيع.
وفي حديث لـ"الخليج أونلاين" قال نصير الساعدي، مدير معمل للصناعات البلاستيكية في منطقة الوزيرية وسط بغداد: إن"العراق يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة لا تقل عما تعيشه إيران في ظل الحصار".
وعلل الساعدي ذلك "بسبب الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وغياب التخطيط الذي أدى إلى تدهور القطاع الخاص، ما أثر بشكل كبير في طبقة العاملين في العراق".
وأضاف: إن "أغلب أصحاب المصانع والشركات والمتاجر يعانون من قلة السيولة المادية وقلة المبيعات؛ بسبب سيطرة البضائع المستوردة على السوق العراقية، ما دفعهم إلى تفضيل العمالة الأجنبية على اليد العاملة العراقية".
وأرجع الساعدي هذا التفضيل إلى فرق الأجور اليومية التي تصل إلى أقل من النصف مقارنة بالعاملين المحليين، مع تقديمهم خدمات كبيرة تفوق ما يقدمه العراقيون، لافتاً إلى أنه سرح 12 عاملاً من أبناء البلاد واستبدل بهم إيرانيين.
ومن جهته قال المواطن حسين العبودي لـ"الخليج أونلاين"، وسط حسرات ظهرت على حديثه: "أنا متزوج ولدي 5 أطفال، وتم تسريحي من المصنع الذي كنت أعمل به؛ حالي حال المئات من العراقيين، ليحل محلنا عمال إيرانيون".
وأضاف: "كما للإيراني الوافد إلى العراق معاناة وظروف معيشية صعبة في بلده، فإن للعراقيين ظروفاً أصعب بكثير"، مبيناً: إن "معاناة الطبقة العاملة في مناطق جنوب البلاد مستمرة منذ سنوات بسبب العمالة الأجنبية، لكن دخول أعداد كبيرة من الإيرانيين في الفترة الأخيرة زادت الطين بلة".
وتساءل العبودي: "لماذا يتعرض المواطن العراقي إلى إهانات واعتداءات تصل إلى حد الموت عندما يذهب إلى إيران، بينما يحظى المواطن الإيراني في العراق باهتمام كبير؛ إلى درجة تفضيله على المواطنين المحليين؟".
وكان صندوق النقد الدولي قد كشف في تقرير سابق ارتفاع معدل البطالة بين صفوف الشباب في العراق إلى أكثر من 40%، في حين بلغت نسبت النساء اللواتي لا يعملن نحو 85%.
وفي حديث لـ"الخليج أونلاين" قال المواطن عدنان العنبكي، أحد العاملين في "شركة الربيع للمنتجات الغذائية": إن "الإيرانيين الوافدين أخذوا ينافسون العراقيين في أرزاقهم؛ وذلك لقلة الأجور التي يحصلون عليها".
ولفت العنبكي إلى أن بعض أصحاب الشركات سرّحوا عدداً من العاملين العراقيين والأجانب من دول أخرى ليحل محلهم العاملون الإيرانيون.
وطالب حكومة بلاده والجهات المعنية بإلزام الشركات بتفضيل اليد العاملة العراقية على الأجانب بمختلف جنسياتهم، وذلك لارتفاع نسبة البطالة في البلاد، كما دعا الأحزاب السياسية الموالية لإيران إلى الابتعاد عن المجاملات السياسية فيما يخص العمالة الإيرانية التي أخذت تنتشر على حساب العراقيين.
وكان رئيس "حزب استقلال كردستان" في إيران، عارف باوة، قد اعترف في حديث متلفز سابقاً بدخول أكثر من 15 ألف إيراني إلى العراق في مناطق الإقليم ومناطق عراقية أخرى بحثاً عن فرص عمل، وذلك "بعد إصابة عجلة الحياة في إيران بالشلل جراء الحصار المفروض عليها من قبل الولايات المتحدة".
وفي هذا الإطار قال المحلل السياسي رعد هاشم: إن" انتشار العمالة الإيرانية غير المرخصة في عدد من مناطق العراق، وتحديداً مناطق إقليم كردستان، لها أبعاد كبيرة وخطيرة جداً لم تتنبه لها الحكومة العراقية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية".
وبيّن هاشم في حديث لـ"الخليج أونلاين" أن "من مخاطر انتشار العمالة الإيرانية في العراق ارتفاع معدل البطالة أكثر مما هي عليه اليوم، فضلاً عن مخاطر أمنية أخرى (لم يحددها)".
وأضاف أن العمالة الإيرانية، وتحديداً في مدينة أربيل، أثرت بشكل كبير في اليد العاملة العراقية؛ وذلك بسبب الفارق الكبير بالأجور اليومية التي يحصل عليها العاملون الإيرانيون بالقياس مع العراقيين".
وأشار إلى أن "أعداد العاملين الإيرانيين في البلاد بعد العقوبات الأمريكية المفروضة عليهم ارتفعت بشكل كبير، حتى باتت تُقدّر بالآلاف، غالبيتهم من الشباب"، متسائلاً: "هل الحكومة تمكنت من القضاء على البطالة؟ وهل العراق خالٍ من الطاقات التشغيلية لتسمح بتشغيل الأجانب؟".
ودعا هاشم الحكومة العراقية إلى "تنظيم الطاقات التشغيلية من الأيادي العاملة (المحلية) بموجب قوانين وتعليمات، وكذلك العمالة الأجنبية".
ودخلت العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ في 7 أغسطس الماضي، وطالت جملة من قطاعات الاقتصاد الإيراني الحيوية، وقيدت تعامل الشركات الأجنبية معها تمهيداً لحظر نفطها، في حين أعلن العراق التزامه بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران لحماية مصالحه.
وتسببت العقوبات بنتائج سلبية جداً على الاقتصاد الإيراني، خصوصاً في قطاعات النفط والغاز وتصديرهما، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وزيادة الأسعار، وانهيار العملة المحلية بشكل غير مسبوق.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، العام الماضي، واقتصاد طهران مستمر بالتدهور، خاصة مع فرض عقوبات جديدة من واشنطن بين فترة وأخرى.
المصدر الخليج اون لاين
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).