الحمد لله رافع
السماء مزينة بالنجوم، ومثبت الأرض بجبال في أقاصي التخوم، عالم الأشياء
بعلم واحد وإن تعدد المعلوم، ومقدر المحبوب والمكروه والمحمود والمذموم. لا
ينفع مع منعه سعي، فكم مجتهد محروم، ولا يضر مع عطائه عجز، فكم عاجز وافر
المقسوم. اطلع على بواطن الأسرار وعلم خفايا المكتوم، وسمع صوت المريض
المدنف المرحوم، وأبصر وقع القطر من سحاب مركوم، ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾.
جلَّ أن تحيط به الأفكار، أو تتخيله الوهوم، وتكلم فكلامه مسموع مقروء مفهوم، وقضى قضاؤه، فإذا شاء إنفاذه فمحتوم، ﴿اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾.
قضى على الأحياء
بالممات، فإذا بلغت الحلقوم، فات المقصود المراد، وعز المطلوب المروم، ونقل
الآدمي من جملة الوجود إلى حيز المعدوم، وبقي أسير أرضه إلى يوم عرضه
والقدوم، وإذا حضر حسابه نشر كتابه المختوم، وجوزي على ما حواه الكتاب
وجمعه المرقوم ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾.
أحمده حمداً يتصل
ويدوم، وأصلي على رسوله محمد صلاة تبلغه أعلى المروم، صلى الله عليه وعلى
صاحبه أبي بكر الصديق المتصدق على السائل والمحروم، وعلى عمر المنتصف من
الظالم للمظلوم، وعلى عثمان المجتهد إذا رقد النؤوم، وعلى علي الذي حاز
الشرف والعلوم، وعلى سائر أصحابه بالخصوص والعموم، وسلم تسليماً. أما بعد:
اعلم، هدانا الله
وإياك سبل الرشاد، أن من عقيدة أهل السنة والجماعة حب أهل بيت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم، والتقرب إلى الله تعالى بحبهم وإجلالهم. فهم يحفظون
فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام خطيباً بين مكة والمدينة
قائلاً: «أَمَّا
بَعْدُ. أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ! فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ
يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ
أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا
بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ. فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ
وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي
أَهْلِ بَيْتِي.. أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي..
أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» [صحيح مسلم].
واعلم هدانا الله وإياك أن
أهل السنة والجماعة يتبرؤون ممن غلا في حب أهل البيت غلواً مفرطاً تماماً
كما يتبرؤون ممن يبغضهم. فقد أخرج المجلسي في بحاره (كتاب الإمامة، باب نفي
الغلو في النبي والأئمة، 25/272) والصدوق في الأمالي (رواية 978/10) وفي
عيون أخبار الرضا (باب 46: ما جاء عن الرضا في وجه دلائل الأئمة والرد على
الغلاة والمفوضة، الرواية 1) ما رواه الإمام الرضا عن علي رضي الله عنه،
قوله: "يهلك في اثنان ولا ذنب لي: محب مفرط، ومبغض مفرط. وأنا - يعني الرضا
- أبرأ إلى الله تعالى ممن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدنا، كبراءة عيسى بن
مريم عليه السلام من النصارى".
فإذا كان الغلو
في علي رضي الله عنه مذموماً، حباً أو بغضاً، فإنه في عقبه وذريته أولى.
فأهل السنة يحبون النبي وأزواجه وذريته، ويحبون علياً رضي الله عنه وذريته،
ويحبون الحسن وذريته، ويحبون الحسين وذريته، ويحبون العباس وجعفراً
وعقيلاً وذراريهم، ويترضون عنهم، ويترحمون عليهم، ويتسمون بأسمائهم، ويروون
في فضائلهم ومناقبهم الكثير، فهل هذا فعل من ينصب لهم العداء؟
أخي الشيعي.. فكر.. تأمل.. ثم حكم عقلك!
عقيدة أهل البيت في توحيد الله جل جلاله:
توحيد الأسماء والصفات:
وأهل السنة
يقتفون خطى أهل البيت رحمهم الله في معرفة الله تعالى وتوحيده، فأهل البيت
يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه من أسماء وصفات من غير تعطيل (نفي الصفة
أو تحريف معنى) ومن غير تشبيه (تجسيم أو تكييف). وهذا قول سلف الأمة الصالح
بلا نزاع.
روى الكليني (في
الجزء الأول من أصول الكافي، في كتاب التوحيد، باب: النهي عن الصفة بغير ما
وصف به نفسه تعالى، الرواية الأولى)، ما نصه:
عَلِيُّ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ
عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَتِيكٍ
الْقَصِيرِ قَالَ كَتَبْتُ عَلَى يَدَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ
إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): أَنَّ قَوْماً بِالْعِرَاقِ
يَصِفُونَ اللَّهَ بِالصُّورَةِ وَبِالتَّخْطِيطِ؛ فَإِنْ رَأَيْتَ
جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَيَّ بِالْمَذْهَبِ
الصَّحِيحِ مِنَ التَّوْحِيدِ فَكَتَبَ إِلَيَّ سَأَلْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ
عَنِ التَّوْحِيدِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قِبَلَكَ فَتَعَالَى اللَّهُ
الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
تَعَالَى عَمَّا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ الْمُشَبِّهُونَ اللَّهَ
بِخَلْقِهِ الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ. فَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ
أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ فِي التَّوْحِيدِ مَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ
مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَانْفِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى
الْبُطْلَانَ وَالتَّشْبِيهَ فَلَا نَفْيَ وَلَا تَشْبِيهَ هُوَ اللَّهُ
الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ
وَلَا تَعْدُوا الْقُرْآنَ فَتَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ.
فانظر هداك الله
إلى هدي أهل البيت في تقرير المذهب الصحيح في التوحيد؛ إذ قال في جوابه:
(مَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ) يعني أن
تؤمن بما أثبت الله تعالى لنفسه في كتابه، ثم أردف قائلاً: (فَانْفِ عَنِ
اللَّهِ تَعَالَى الْبُطْلَانَ وَالتَّشْبِيهَ) إشارة إلى ما قرره السائل
من فعل قوم في العراق ممن ذهب إلى وصف الله تعالى بالصورة والتخطيط. أي انف
عنه كل ما يضاد كماله من أصناف النقائص والعيوب، موقناً أن الله تعالى
متصف بضد ما نفيت عنه.
ثم إنه رحمه الله
قرر القاعدة العظمى التي عليها السلف الصالح، وحق أن تكتب بماء الذهب، إذ
يقول: (فَلَا نَفْيَ وَلَا تَشْبِيهَ) أي لا نعطل ما قرره الله تعالى لنفسه
من صفات، وفي ذات الآن لا نشبه هذه الصفات بصفات المخلوقين فنقع في
التجسيم.
ثم عقب بما يكتب
بحروف من نور: (وَلَا تَعْدُوا الْقُرْآنَ فَتَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ)
أي لا تتجاوز ما جاء بين الدفتين فتضل بعد هذا البيان. وهذا ما قرره الإمام
أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى؛ إذ يقول: (لا يوصف الله إلا بما وصف به
نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز القرآن والسنة).
وأخرج، كما في
الرواية السادسة عن: سَهْلٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: كَتَبَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ
جَعْفَرٍ (ع) إِلَى أَبِي أَنَّ اللَّهَ أَعْلَى وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ
أَنْ يُبْلَغَ كُنْهُ صِفَتِهِ فَصِفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ
وَكُفُّوا عَمَّا سِوَى ذَلِكَ.
فقوله: (أَنْ
يُبْلَغَ كُنْهُ صِفَتِهِ) أي أن نصل إلى حقيقة هذه الصفات، كالوجه والعين
واليدين والساق وغيرها مما ورد عن الله في كتابه أو سنة نبيه.
وقوله: (فَصِفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ) فعل أمر للاقتصار على ما جاء عنه تعالى من طريق الخبر، فلا يتعدى إلى غيره.
وقوله:
(وَكُفُّوا عَمَّا سِوَى ذَلِكَ) فعل أمر للابتعاد عن فعل المخالفين ممن
ينفي ما وصف الله به نفسه أو يتأوله على غير مراد الله بزعم التنزيه
والابتعاد عن التشبيه والتجسيم.
وذات الأمر ينطبق
على أسماء الله الحسنى، فلا يسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه في
كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فلا ننفي عنه تعالى ما
سمى به نفسه في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ذات
الآن لا نطلق عليه تعالى من الأسماء ما لم يسم به نفسه في كتابه، أو على
لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه لا سبيل لنا إلى معرفة أسماء
الله تبارك وتعالى إلا طريق الخبر: الكتاب والسنة، فتأمل ولا تغفل.
والأدلة من أقوال أئمة أهل البيت رحمهم الله على اتباع الوسطية في كل الأمور أكثر من أن تحصى، وترتكز على نفي التعطيل ونفي التشبيه.
فقد أخرج الكليني
(في الجزء الأول من أصول الكافي، في كتاب التوحيد، باب إطلاق القول بأنه
شيء)، عدة روايات نختار لك منها الرواية الثانية:
مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحُسَيْنِ
بْنِ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ
قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ
لِلَّهِ إِنَّهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّيْنِ
حَدِّ التَّعْطِيلِ وَحَدِّ التَّشْبِيهِ.
الرواية السادسة:
(نأخذ منها موضع الاستشهاد، وهي من قول أبي عبد الله رحمه الله): ( ...
قَالَ لَهُ السَّائِلُ: فَلَهُ كَيْفِيَّةٌ؟ قَالَ: لَا. لِأَنَّ
الْكَيْفِيَّةَ جِهَةُ الصِّفَةِ وَالْإِحَاطَةِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ
الْخُرُوجِ مِنْ جِهَةِ التَّعْطِيلِ وَالتَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَفَاهُ
فَقَدْ أَنْكَرَهُ، وَدَفَعَ رُبُوبِيَّتَهُ وَأَبْطَلَهُ، وَمَنْ
شَبَّهَهُ بِغَيْرِهِ فَقَدْ أَثْبَتَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ
الْمَصْنُوعِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ الرُّبُوبِيَّةَ، وَلَكِنْ
لَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّ لَهُ كَيْفِيَّةً لَا يَسْتَحِقُّهَا
غَيْرُهُ، وَلَا يُشَارِكُ فِيهَا، وَلَا يُحَاطُ بِهَا، وَلَا يَعْلَمُهَا
غَيْرُهُ ...) الرواية.
فانظر رعاك الله تطابق عقيدة السلف الصالح مع عقيدة أهل البيت رضوان الله عليهم. فكر.. تأمل.. ثم حكم عقلك.
أيعقل أن يكون
نفاة الصفات ومعطلوها - كما هو حال الشيعة في القديم والحديث - على حق مع
دعوى اتباع أهل البيت، وعلماء أهل البيت وأئمتهم مثبتون لها؟
حاشا لله.
عقيدة أهل البيت في توحيد الألوهية والربوبية:
واعلم يا رعاك
الله أن عقيدة السلف الصالح في توحيد الألوهية والربوبية هي عين عقيدة أهل
البيت رضوان الله عليهم كافة. فهم لا يجوزون صرف أي لون من ألوان العبادة
صغرت أو كبرت لغير الله تعالى، ولا يصرفون ما اختص به من صفات لمخلوق من
خلقه. لكن كثرت الكذابة عليهم رحمهم الله، فغلوا فيهم وأخرجوهم من طور
البشرية إلى طور الألوهية بما نسبوا إليهم من علم الغيب، والتصرف في الكون،
وكشف الضر .. وغير ذلك مما لا يجوز صرفه إلا للباري جل جلاله.
فمن ذلك، ما أخرجه المجلسي في بحار الأنوار (25/287) عن الكشي:
42 - كش: بهذا
الإسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد الله قال: قال
أبو عبد الله (ع): (إنا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط
صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس
لهجة، وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين (ع)
أصدق من برأ الله بعد رسول الله، وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه
ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ).
وأخرج في الجزء ذاته ص 286عن الكشي أيضاً:
40 - كش: محمد بن
قولويه عن سعد عن ابن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن
أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (لعن الله
عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين، وكان والله أمير
المؤمنين (ع) عبدا لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوما يقولون فينا
ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم. فكان ابن
سبأ عليه لعائن الله هو أول من زرع بذور الكذب على أهل بيت النبوة بزعم
الحب والموالاة لهم، وأول من سن الكذب عليهم لعنه الله.
وأخرج في الجزء ذاته ص 288عن الكشي أيضاً:
44 - كش: محمد بن
مسعود عن الحسين بن شكيب عن محمد بن اورمة عن الحسين بن سعيد عن علي بن
النعمان عن ابن مسكان عن ضريس قال: قال لي أبو خالد الكابلي: أما إني
سأحدثك بحديث إن رأيتموه وأنا حي قبلت صلعتي، وإن مت قبل أن تراه ترحمت علي
ودعوت لي، سمعت علي بن الحسين صلوات الله عليهما يقول:
(إن اليهود أحبوا
عزيراً حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عزير منهم ولا هم من عزير، وإن
النصارى أحبوا عيسى حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى.
وإنا على سنة من ذلك، إن قوما من شيعتنا سيحبونا حتى يقولوا فينا ما قالت
اليهود في عزير وما قالت النصارى في عيسى بن مريم، فلاهم منا ولا نحن
منهم).
ثم كثرت الكذابة عليهم رحمهم الله، فمن ذلك ما أخرجه الخوئي في معجمه (8/231) عن:
9 محمد بن
قولويه، قال: حدثني سعد بن عبد الله، قال: حدثني محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله عليه
السلام يوماً وقد دخل عليه الفيض بن المختار، فذكر له آية من كتاب الله عز
وجل، فأولها أبو عبد الله عليه السلام، فقال له الفيض: جعلني الله فداك ما
هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟
قال: وأي الاختلاف يا فيض؟
فقال له الفيض:
إني لأجلس في حلقهم بالكوفة فأكاد أن أشك في اختلافهم في حديثهم حتى أرجع
إلى المفضل بن عمر فيوقفني من ذلك على ما تستريح إليه نفسي ويطمئن إليه
قلبي.
فقال أبو عبد
الله: أجل هو كما ذكرت يا فيض، إن الناس أولعوا بالكذب علينا (كأن) الله
افترضه عليهم لا يريد منهم غيره، وإني أحدث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي
حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند
الله وإنما يطلبون به الدنيا، وكل يحب أن يدعى رأساً ... الرواية.
فإذا كان هذا الكذب والدجل قد وقع عليهم بهذه الكثرة في حياتهم، فما ظنك أخي الكريم بما وقع من التخرص والافتراء عليهم بعد مماتهم؟
يقول محمد بن جرير الطبري (الشيعي) في كتابه دلائل الإمامة ص 24:
وقد فصل الإمام الرضا (ع) القول في ذلك أجمل تفصيل وأدقه، وهو يقول: (إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة:
أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا.
فإذا سمع الناس
الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا. وإذا سمعوا التقصير
اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال
الله (عز وجل): ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾).
وقوله: (إن
مخالفينا) يعني بهم الغلاة ممن أظهر الحب والولاء لأهل البيت رضوان الله
عليهم، ويظهر هذا جلياً فيما أخرجه المجلسي (في الجزء الخامس والستين من
بحاره، ص: 166) نقلاً عن الكشي:
20-كش: خالد بن
حماد قال: حدثني الحسن بن طلحة رفعه، عن محمد بن إسماعيل عن علي بن يزيد
الشامي قال: قال أبو الحسن (ع): قال أبو عبد الله (ع): (ما أنزل الله
سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع).
وقوله: (إلا وهي
فيمن ينتحل التشيع) يعني أنه ما من آية نزلت في المنافقين إلا وهي تصدق على
من ينتحل التشيع، وذلك لولعهم في الكذب على أهل بيت النبوة لإثبات فضلهم
ورفعتهم مع غناهم رحمهم الله عن هذا الكذب وهذا الوضع.
فإليك أخي الشيعي طرفاً من هذا الكذب والغلو مما هم منه براء:
(1) ما أخرجه
الكليني في الجزء الأول من أصول الكافي، في كتاب التوحيد، باب أن الأئمة
يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم، الرواية الأولى:
1- مُحَمَّدُ
بْنُ يَحْيَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
سَمَاعَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْقَاسِمِ الْبَطَلِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ (ع): (أَيُّ إِمَامٍ لَا يَعْلَمُ مَا يُصِيبُهُ وَإِلَى مَا
يَصِيرُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ).
فانظر أيها
العاقل مقالة الرضا رحمه الله آنفاً حين قال: (فإذا سمع الناس الغلو فينا
كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا)؛ لترى صدق ما يقول قديماً
وحديثاً. فليس من شيعي يقول بربوبية الأئمة، لكن الناس تنسب إليهم هذا
القول لما رأوا من الغلو المفرط في حقهم وإضفاء صفات الله تعالى عليهم، وهم
من هذا براء براء براء!!
(2) ما أخرجه
الكليني في الجزء الأول من أصول الكافي، في كتاب التوحيد، باب أن الأئمة
يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء، الرواية السادسة:
6- مُحَمَّدُ
بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) يَقُولُ: (لَا وَاللَّهِ لَا يَكُونُ عَالِمٌ
جَاهِلًا أَبَداً، عَالِماً بِشَيْءٍ جَاهِلًا بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ:
اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعَزُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ
يَحْجُبُ عَنْهُ عِلْمَ سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَحْجُبُ
ذَلِكَ عَنْهُ).
وهذا غيضٌ من فيض، وقليلٌ من كثير مما كذب به على لسانهم. كيف، والله تعالى يقرر في كتابه: ﴿قُل
لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ
وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا
مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [النمل 65].
فانظر أيها
الفاضل إلى تعبير الله تعالى حين استعمل (لا) النافية في كسب النفع أو دفع
الضر ثم علق المسألة على مشيئته ليعلم الإنسان أن ما اكتسب من خير أو دفع
من ضر إنما حصل له بمشيئة الله تعالى.
فأما قوله (ولو) فتعليق على الممتنع؛ لأن (لو) حرف امتناع، فكأنه يقول: ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ (ولكني لا أعلم الغيب).
وقال سبحانه: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: 188].
أي: لا يعلم من
في السماوات والأرض من ملائكة أو جن أو إنس علم الغيب سوى الله. واستخدم
سبحانه وتعالى (من) لتفيد العاقل؛ لأن (ما) تفيد غير العاقل، وغير العاقل
مفروغ من جهله الغيب، فكأنه يقول ما من عاقل في السماوات أو في الأرض يعلم
الغيب، وهذا نفي قاطع فاصل، ثم استثنى سبحانه وتعالى ذاته فقال: إلا الله.
أتراك بعد هذه الآيات المحكمات والشواهد البينات تنسب للأئمة رحمهم الله
علما خص الله تعالى به ذاته القدسية؟ أتراهم يتجرؤون على الله تعالى بهذا
الكفر الصراح؟
أخي الشيعي .. فكر .. تأمل .. ثم حكم عقلك.
أخي الفاضل!
هذه صفحات نضعها بين يديك، وكلمات مشفق نلقيها إليك، كي تراجع نفسك، وتفكر
في أمر آخرتك؛ فإن أحسنت فلنفسك، وإن أسأت فعليها، فالحق الركب قبل فوات
الأوان، ولتسرع بالتوبة قبل أن يفجأك الموت، يقول الرسول صلى الله عليه
وسلم: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وعد نفسك في الموتى».
وإليك أهدي هذه الكلمات:
ماذا أقول لخاطري وفؤادي *** والعمر آذن بالرحيل الغادي
والدهر يطرق باب قلبي معلنا *** ودع حياتك في تقى ورشاد
فهتفت يا نفسي هلمي استدركي *** ما فات واغتنمي ليوم تناد
قرب الرحيل وما لنا من زاد *** ودنا النذير وما أخذت عتادي
قرب الرحيل وما لنا من مؤنس *** والقبر داج موحش بسواد
قرب الرحيل فما النجاة وهذه *** صفحات أعمالي غدت كرماد
قرب الرحيل وكيف حالي إن غدا *** هذا الثرى في القبر خير وساد
قرب الرحيل وأين أين مفرنا *** إلى الله الكريم الهادي
قرب الرحيل وكيف ألقى خالقي *** وأنا المقصر ليس لي من زاد
قرب الرحيل وقد مضى العمر الذي *** قد طال فيه بالذنوب سهادي
قرب الرحيل عن الديار وأهلها *** وغدا أودعهم ليوم معادي
المال والأهلون سوف أراهمو *** في معزل عني إلى الآباد
الكل ينأى طالبا أو كارها *** عن صحبتي متناسيا لودادي
إلا الذي قدمته وعملته *** بيدي وخالص نيتي وجهادي
هذا مصير الكل في تلك الدنا *** ما إن لهم في الخلد أي مراد
هذا وصلى الله على نبي الورى وآله أئمة الهدى، وصحبه مصابيح الدجى، وسلم تسليماً كثيراً.
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).