0

الرافضة هم في الحقيقة باطنية، وكلامهم في الخلافة والإمامة يدل على ذلك، وكل ما تركب في عقيدتهم من الضلال؛ فإن سببه ومرجعه هو ذلك الاعتقاد الباطني، الذي يصور الخليفة أو الإمام وكأنه نائب عن الله تبارك وتعالى، يتصرف ويدبر العوالم والأكوان.

وعوداً إلى ما قاله الخميني في مصباح الهداية، نقول: إن كثيراً من كلامه فيه صعوبة وأمور قد لا تفهم؛ لكن عندما نطابق كلامه مع كلام ابن عربي؛ نجد أنهما يستقيان من منبع واحد.

وقد تبين أن الصوفية والشيعة يلتقون في نقاط كثيرة منها: الحقيقة المحمدية، وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أول المخلوقات، وأنه كان في الأزل نوراً، ثم وجدت المخلوقات بواسطة هذا النور.

الحقيقة الغيبية:

يقول الخميني: "ولعلك بعد المصابيح الماضية، المستنيرة بالأنوار الإلهية، المنورة لقلبك، والنفثة الروحية النافحة في روعك، عرفت كيفية ارتباط هذه الخليفة الكبرى بالأسماء الحسنى والصفات العليا، وأن ارتباطها بها ارتباط افتقار ووجود، كما أن ارتباط هذه بها ارتباط تجلٍ وظهور، فإن الحقيقة الغيبية الإطلاقية لا ظهور لها بحسب حقيقتها".

يقصد الخميني بالحقيقة الغيبية الإطلاقية: ذات الله عز وجل، ولها مظهران، أحدهما: من جهة المخلوقات، والآخر: من جهة الصفات، يقول: "فلابد لظهورها من مرآة يتجلى فيها عكسها، فالتعينات الصفاتية والأسمائية مرائي انعكاس ذلك النور العظيم، ومحل ظهوره".

ثم يدخل في كلام غريب بعد ذلك ويقول: "وجه الحضرة الغيبية، والهوية العمائية، المنعكسة في المرائي الأسمائية والصفاتية، مع عدم تعينها بنفس ذاتها؛ لعدم ظهورها بذاتها، تتعين بتعينات الأسماء والصفات، وتتلون بلونها، وتتجلى فيها بمقدار صفائها، وتظهر فيها حسب استعداداتها، وتكون مع الرحيم رحيماً" أي: مع اسم الله الرحيم رحيماً "ومع الرحمن رحماناً، ومع القهار قهاراً، ومع اللطيف لطيفاً، إلى غير ذلك من الجلال والجمال".

حقيقة الأسرار المكتومة عند الرافضة والصوفية:

ثم يقول: "إن الأسماء والصفات الإلهية في الحضرة الواحدية، مع كونها مظهراً لهذه الحقيقة الغيبية، والخليفة الإلهية، ومظهرة إياها، حجب نورية عن حقيقتها، كل حسب درجته، فهي دائماً محتجبة في الأسماء والصفات، مختفية تحت أستارها، فهي مشهودة بعين شهودها، ظاهرة بعين ظهورها".

ويدخل في تأويل الحديث، فيقول: "فالأسماء والصفات من الحجب النورية التي وردت: أن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، وهاهنا أسرار لا رخصة في إظهارها" مع كل هذه الباطنية الموغلة، يقول بأن هناك أسراراً لا نستطيع أن نظهرها، وقد قال ذلك قبله دعاة التصوف المطلق، ودعاة وحدة الوجود المطلق؛ فإنهم يتكلمون ويتكلمون، ثم إذا رأوا أنهم قاربوا الشرك عياناً، وأنهم سيكفرون جهاراً، فعند ذلك يقولون: هاهنا أسرار لا يباح بها، فمن هنا وقع أبو حامد الغزالي في ذلك أول الأمر، لما كتب كتابه المضنون به على غير أهله، فهل في دين الله سبحانه وتعالى أسرار خاصة تتعلق بمعرفة الله لا يعلمها إلا الخاصة من خلقه، ولا يطلع عليها أحد؟ نقول: لا. وإنما يتفاوت الناس بحسب علمهم، فالراسخون في العلم يعلمون ما لا يعلمه من دونهم؛ لأنهم اكتسبوا هذا العلم وسعوا إلى أن يكونوا من الراسخين فيه، وهيأ لهم الله ذلك، أما هذا الكذب الذي يقال له: المضنون به على غير أهله، أو العلم الخاص الذي يقولون: إن عمر رضي الله عنه -وهو ثاني رجل في هذه الأمة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه- كان لا يعلمه، ويروون عنه أثراً مكذوباً أنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان، وكنت كالزنجي بينهما" أي: لا يفهم ما يقال، كأنه زنجي، وهما يتكلمان بلغته التي يفهمها، ويقولون: هذا هو توحيد خاصة الخاصة.

ولذلك لما قتل الحلاج -ذلك الدجال الساحر الأفاك- بعد أن قُرر على أنه كافر، وكتبت بذلك المحاضر الثابتة الشرعية، وحين سئُل بعض أئمة التصوف الآخرون: ما رأيكم في الحلاج؟ قالوا: إنه يستحق القتل.

قيل لهم: لماذا؟ قالوا: لأنه أُطلع على السر فباح به، فبعد أن علم أن ما في الجبة إلا الله -تعالى الله عما يصفون- وكما كان يقول: سبحاني سبحاني.! ما أعظم شأني! وما أشبه ذلك من عبارات الكفر والضلال، فحين كان يترنم الحلاج بهذه الأبيات الحلولية، وما أشبهها من عبارات وأبيات، قالوا: باح بالسر، والعارف الكامل يكتم هذا السر ولا يبوح به.

والخميني أخذ العبرة مما أصاب الحلاج وغيره، فقال: "وهاهنا أسرار لا رخصة في إظهارها"، وماذا بعد هذه الحلولية أو وحدة الوجود؟

يقول: "ومما تلونا عليك في المصابيح السالفة، تقدر على الحكومة بين العرفاء الكاملين في تحقيق حقيقة العماء الواردة فيها الحديث النبوي حين سئل عنه... إلى آخره" فالعماء الذي ورد في الحديث ليس هو المقصود عندهم؛ لأن كل شيء عندهم مؤول، فيقول: هؤلاء العارفون الكاملون لماذا اختلفوا؟ أو كيف تحكم بينهم من خلال المعرفة بحقيقة هذا التوحيد؟

يقول: "وقد اختلفت كلمة الأصحاب فيها، فقيل: هي الحضرة الأحدية، لعدم تعلق المعرفة بها" إلى أن يقول: "ونحن نقول: يشبه أن يكون حقيقة العماء هي حضرة الفيض الأقدس والخليفة الكبرى؛ فإنها هي الحقيقة التي لا يعرفها بمقامها الغيبي أحد، ولها الوساطة بين الحضرة الأحدية الغيبية، والهوية الغير الظاهرة".

ثم يقول: "قال المحقق القونوي في مفتاح الغيب: العماء الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وآله، مقام التنزل الرباني، ومنبعث الوجود الذاتي الرحماني من غير الهوية، وحجاب العزة الإنية، وفي هذا العماء يتعين مرتبة النكاح الأول الغيبي الأزلي، الفاتح لحضرات الأسماء الإلهية بالتوجهات الذاتية".

ونحن حين نورد مثل هذه العبارات فإنما نوردها لنعرف ماذا يريدون منها، فنجد أنه يخلص إلى غاية ما يسعى إليه الروافض، وهو ما يتعلق بالأئمة المعصومين، قال: "ومن تلك العلوم التي تنكشف على قلبك بالاطلاع على المصابيح الماضية، يظهر سر من أسرار القدر، فإن القوم قد يقولون فيه أقوالاً لا ترضى، ويذهب كلٌّ مِنْ مَذْهَبٍ لا يرتضى".

علاقة الحلول بالقدر عند الرافضة:

ما هو ارتباط موضوع القدر بموضوع وحدة الوجود أو الحلول؟

إن القدرية الغلاة قالوا: الإنسان يخلق فعل نفسه، بينما الذين يرون الجبر، أدناهم درجة يقول: إن الإنسان لا يفعل شيئاً في الحقيقة، والفاعل الحقيقي هو الله.

ثم ترقت طائفة منهم في ذلك فقالوا: حركاتنا وسكناتنا وأعمالنا لا تعني شيئاً؛ لأن الفاعل هو الله، ونحن لسنا إلا أدوات، ثم ترقت طائفة منهم في ذلك فادَّعت أنه لا موجود إلا الله؛ فمن: (لا فاعل إلا الله) وصلوا إلى: (لا موجود إلا الله)، فهنا يصل الإنسان بضلاله في القدر إلى هذه المرتبة، وبعد ذلك يجاهر بالكفر البواح كما قال عبد الكريم الجيلي:

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا راهب في كنيسة

عياذاً بالله من الكفر!

فيرى أن هذا الأمر هو حقيقة وغاية ما يسعى إليه، ولو كان الأمر كذلك، لكان عباد الأصنام أقرب منهم وأهون شركاً، ولا شك أن اليهود والنصارى - وحتى الذين يعبدون الشمس والقمر- أقل وأخف شركاً من هؤلاء؛ لأنهم يقولون: نعبدها لأنها من خلق الله، أو لها مع الله تصرف وتدبير، أما من يعتقد أن الله عز وجل هو عين هذه المخلوقات، حتى النجسة منها -كما قال هذا الزنديق الملحد- فهذا كفر ليس بعده كفر، وضلال ما بعده ضلال.

فهذا: الخميني يبين الآن العلاقة بين الغلو في إثبات القدر -كما يقولون- وبين ما يريد أن يقوله في شأن الإمامة، وبين ما يقوله الصوفية: أنهم يصلون في النهاية إلى شيء واحد.

يقول الخميني: "هذه الحضرة هي حضرة القضاء الإلهي، والقدر الربوبي، وفيها يختص كل صاحب مقام بمقامه، ويقدر كلٌ استعداد القبول بواسطة الوجهة الخاصة التي للفيض الأقدس" أي: يجعل الأولياء أو الكاملين متفاوتين بحسب قدرهم في هذه المنزلة.

عقيدة البداء عند الرافضة:

يقول: "فالآن آن لك أن تعرف بإذن الله وحسن توفيقه حقيقة الحديث الوارد في جامع الكافي من طريق شيخ المحدثين ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني رضوان الله عليه" هذا الرجل هو أكذب من على وجه البسيطة وهم يسمونه ثقة الإسلام..! قال: "في باب (البداء): عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام" والبداء من عقائد الرافضة، وهو أن الله يأمر بالأمر ويقضي بالقضاء، ثم يبدو له فيغيره، كما يفعل الناس؛ فهؤلاء الروافض وصفوا ربهم بما وصفه به اليهود في التوراة المحرفة التي كتبوها بأيديهـم، كما قال الله عنهم: ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة:79]، يقولون: إن الله سبحانه وتعالى لما خلق الخلق وتكاثروا في بابل، وانتشر الناس ووقع منهم الفساد والظلم والعدوان؛ ندم الرب -تعالى الله عما يقولون- وحزن على أنه خلق الإنسان، فبدا له أنه لو لم يخلق الإنسان لكان أفضل.

فهذه العقيدة في الأصل هي عقيدة اليهود، فجاء عبد الله بن سبأ وأدخل هذه العقيدة في دين الرافضة، وهم عليها إلى اليوم، ويدافعون عنها، ويتهموننا نحن المسلمين بأننا نصف الله بالصفات التي لا تليق، فنثبت له اليد، ونثبت له العين، ونثبت له القدم... إلى آخر ما ورد. ونحن إذ نثبت ذلك إنما نثبته بالكتاب والسنة، وهم يصفون الله بالنقص والعيب كوصفهم له بهذه الصفة.

فيقول الخميني: الآن آن لك أن تعرف لماذا ذكر صاحب الكافي هذا الحديث عن أبي عبد الله، وهو جعفر الصادق -أي: تعرف بعد هذه المقدمات لماذا يؤلهون أئمتهم الاثني عشر- قال: "عن أبي عبد الله عليه السلام: "إن لله علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو -من ذلك يكون (البداء)- وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه، فنحن نعلمه" يعني: أن الأئمة- ومنهم جعفر على ما ينسبون إليه- يعلمون العلم الذي يعلمه الملائكة والرسل والأنبياء، فالولي والإمام عندهم يعلم كما يعلم الرسول، وكما يعلم الملك، بل أكثر من ذلك كما سيأتي، لكن يقول: إن هذه القسمة نعرف بها أين يكون البداء.

يقول: "فإن منشأ البداء هي حضرة الأعيان التي لا يعلمها إلا هو، والاطلاع على العين الثابتة الذي يتفق لبعض الأولياء: كالإنسان الكامل يعد من العلم الربوبي"، أي: إذا اتفق أن أحد الأئمة أو أحد شيوخ الطرق استطاع أن يطلع على العين الثابتة، كما يدعون أنهم يرون الله في الدنيا، ويخاطبونه ويكلمونه، فيطلعون على اللوح المحفوظ وعلى ذات الله -كما يزعمون- فهو من العلم الربوبي.

وكذبوا في ذلك وضلوا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت».

فالله سبحانه وتعالى لا يراه أحد في الدنيا، وقد قال لكليمه موسى عليه السلام: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف:143] ولكنَّ هؤلاء الدجالين الزنادقة يزعمون ذلك في الإنسان الكامل.

والإنسان الكامل يقصد به في الظاهر: النبي صلى الله عليه وسلم، والصوفية والروافض الغلاة، يقصدون بالإنسان الكامل شخصية وهمية هي الحقيقة المحمدية، كقولهم: الحقيقة المحمدية في الأزل، وهو شخصية يمكن أن توجد وليس رجلاً واحداً، بل يمكن أن يوجد وهذه صفته، وهو أنه إنسان كامل، استطاع أن يطلع على حقائق الذات، فيقول: وهذا الذي يتفق لبعضهم هو من العلم الربوبي "دون علم الأنبياء والرسل" فعلم الأنبياء من السهل أن يعلمه أي إنسان -عندهم- بعكس هذا العلم الربوبي.

يقول: "كما ورد في العلم الغيبي أنه يعلم الغيب من ارتضى من رسول"، ويقصد ما جاء في القرآن: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ [الجن:27]، "وقال أبو جعفر عليه السلام: "والله! محمد من ارتضاه" أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم ممن ارتضى.

لكن هل أطلعه على الغيب كله، فضلاً عن أن يطلع علياً أو أحداً من الأئمة أو من الشيوخ؟! تعالى الله عن ذلك ثم يقول: "وقد ورد عن أهل بيت العصمة...إلخ".

الروافض يعتقدون أن الأئمة معصومون عن الخطأ، ويقولون: لو لم يكن الإمام معصوماً، لكان ذلك من الله سبحانه وتعالى خلاف الحكمة والرحمة؛ لأن الناس يقتدون به؛ فإذا اقتدى الناس بمن يخطئ، وقعوا في الخطأ، وهذا خلاف رحمة الله وحكمته.

يقول: "وقد ورد عن أهل بيت العصمة خلاف ما توهموا، ونقضت أحاديث المعصومين عليهم السلام ما غزلوا، كما في كتاب التوحيد لشيخنا صدوق الطائفة رضوان الله عليه عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في القدر: "ألا إن القدر سر من سر الله، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله العباد من علمه، ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم؛ لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية، ولا بقدرة الصمدية، ولا بعظم النورية، ولا بعزة الوحدانية؛ لأنه بحر زاخر، خالص لله تعالى، عمقه ما بين السماء والأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات والحيتان، يعلو مرة ويسفل أخرى، في قعره شمس تضيء لا ينبغي أن يطلع عليها إلا الله الواحد الفرد، فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عز وجل في حكمه، ونازعه في سلطانه، وكشف عن ستره وسره، وباء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير".

قد قلنا حين شرحنا قول الطحاوي رحمه الله: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه" قلنا: إنه يروى عن علي رضي الله عنه شيء من هذا، وفصلنا مقصوده بالنهي عن الخوض في القدر هناك، وأنه النهي عن التعمق والتنطع، أما هذه الأوصاف الخيالية فلا يقول بها إلا هؤلاء المخبولون.

يقول: "ولعمر الحبيب! إن في هذا الحديث الذي صدر من مصدر العلم والمعرفة" يجعلون علياً مصدر العلم والمعرفة، وليس الله، "فيه أسرار لا يبلغ عشراً من أعشارها عقول أصحاب العرفان -وهنا تتجلى باطنيته مرة أخرى- فضلاً عن أنظارنا الحائرة وأفكارنا الفاترة".

قال: "ومع ذلك: شاهد صدق على صدق مقالتنا، وكفى به شهيداً..! ودليل متقن على كثير مما تلونا عليك من ذي قبل، وكفى به دليلاً..! فاعتبر بعين البصيرة..." إلى آخر كلامه.

ثم يقول: "قال القيصري في مقدمات شرح فصوص الحكم:..." الآن يصرح بشيخهم في هذا الكفر والضلال، وهو ابن عربي، وهذا يبين أصل عقيدتهم بالرغم من محاولاتهم في إخفائها، ورغم تلبسهم بالإسلام.

يقول: قال القيصري في مقدمات شرح فصوص الحكم: "الماهيات: هي الصور الكلية الأسمائية المتعينة بالحضرة العلمية تعيناً أولياً، وتلك الصور فائضة عن الذات الإلهية للفيض الأقدس".

الماهيات في علم المنطق تعني: حقائق الأشياء الكلية، كما يقول المعاصرون في تعريفهم للإنسان: الإنسان حيوان ناطق، فالماهية هي الحيوانية والناطقية، فيقولون: هذه الماهية موجودة في خارج الذهن، وهي شيء اسمه الحيوانية أو الناطقية، ومنها يوجد آحاد البشر، وهذا ما هو إلا خيال جاء به أفلاطون، وقرره أرسطو، وليس له حقيقة عند جميع العقلاء، والمقصود أن هذا يأخذ به ابن عربي وأمثاله، ثم يأخذه عنه الخميني، إلى أن يقول: "أشار إليها الشيخ بقوله: والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس" فهم وفق نظرية الفيض يرون: أن صدور العلم والكائنات والمخلوقات عن الله فيض فاض من العقل الكلي أو من النفس الكلية، فنتج عنه هذه المخلوقات.

والمعتزلة لا يقولون بالفيض، بل هم يكفرون من يقول بالفيض، فـالمعتزلة يقولون: إن الله خلق الخلق، كما نقول نحن، لكنهم يقولون: إن الإنسان خالق لأفعاله، فيخرجون أفعال الإنسان من خلق الله، ولهذا سموا مجوس هذه الأمة؛ لأنهم بذلك أثبتوا خالقين، خالقاً لأفعال الإنسان وهو الإنسان، وخالقاً لبقية المخلوقات وهو الله.

أما الذين يقولون بالفيض، فقد اتفقت الطوائف جميعاً من معتزلة وأشاعرة وكرامية وأهل السنة على أنهم كفار خارجون عن دين الإسلام.

ثم استدرك عليه بقوله: "أما قول الشيخ: والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس، باعتبار أن الكل منه، لا أن الأعيان تحصل بتجليه الأولى، هذا وإن كان لكلام هذا المصنف أيضاً وجه صحة" أي أنه يستدرك عليه بعض الاستدراك، إلى أنه يقبل كلامه كله أو بعضه على تفصيل.

الذات الإلهية في عقيدة الرافضة

يقول: "فاعلم أن الذات الإلهية لما كانت تامة فوق التمام، بسيطة فوق البساطة، فهي كل الأشياء بوجه بسيط إجمالي، منزه عن قاطبة الكفرات الخارجية والخيالية والوهمية والعقلية، فهي كل الأشياء وليس بشيء منها" يقول: الذات الإلهية هي كل الأشياء وليست شيئاً منها.

ثم يقول: "وهذه قاعدة ثابتة في مستورات أصحاب الحكمة المتعالية، مبرهنة في الفلسفة الإلهية، مكشوفة ذوقاً عند أصحاب القلوب وأرباب المعرفة" بمعنى أنه إن قيل له: ما دليلك يا خميني على أن الذات الإلهية هي كل الأشياء الموجودة؟ قال: إنها ثابتة في أسفار كتب الحكمة، ومبرهنة في كتب الفلسفة الإلهية، أي: موجودة في كلام فلاسفة اليونان الضالين القدماء، وأيضاً مكشوفة ذوقاً.

بمعنى أنه دل عليها العقل كما عند اليونان، ودل عليها الذوق كما عند الصوفية.

أما الذين لا يستدلون إلا بالقرآن أو السنة.. أصحاب الظاهر.. فهم لا يعرفون هذه الأسرار وهذه العلوم ولا المكاشفات.

يقول: "مسددة بالآيات القرآنية، مؤيدة بالأحاديث المروية"، وهذا من الكذب على الله وعلى رسوله، إذ يدعي أن الآيات والأحاديث تدل على هذه العقيدة التي هي أبطل وأفسد عقيدة.

يقول: "وإلا فالمشاهدات العرفانية والذوقيات الوجدانية غير ممكنة الإظهار بالحقيقة.. والاصطلاحات والألفاظ والعبارات للمتعلمين طريق الصواب، وللكاملين حجاب في حجاب".

ومن اصطلاحاتهم: الفناء في الله، أو الاتحاد أو المحو أو السكر أو الوجد، فـالخميني يزعم أن هذه العبارات وضعها الكاملون الذين عرفوا هذه الحقيقة -التي هي أبطل الباطل- وضعوها للمتعلمين والمريدين حتى يفهموا ماذا يريدون أن يقولوا، فهذه العبارات بالنسبة للمتعلمين طريق الصواب، فلا بد للمتعلم أن يتعلمها حتى يفهم، أما الكاملون الذين يرون الذات عياناً، فهي حجاب في حجاب، أصبحت العبارات حجاباً تحجبهم، فهم يرون الأمور انكشافاً على حقيقتها من غير عبارات ولا وصف ولا ألفاظ.

المصدر: موقع الشيخ - شرح العقيدة الطحاوية الرافضة - الحلقة الثانية

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top