0

الشيعة بين الموالاة والنصرة

عاطف عبد المعز الفيومي

الحمد لله - تعالى-، والصلاة والسلام على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فلا يزال المخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة، من الشيعة وأئمتهم، يتلاعبون؛ استخفافاً بعقول الكثيرين من أبناء أمتنا الإسلامية، ويصورون للأمة أنهم أهل الحق، وأصحاب البصيرة التي لا تخطئ، والفكرة التي لا تهدأ، والعاصفة التي لا تتوقف، مع أنهم قالوا: بتحريف القرآن الذي هو بين أيدي المسلمين اليوم، وقالوا: بلعن جل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل جعلوا لعنهم طاعة وعبادة يتقربون بها في صلاتهم لله - تعالى- إلا نفراً منهم يعدون على الأنامل، وقالوا: كذلك بقذف أمهات المؤمنين الطاهرات المبرءات من كل دنس وفجور، وقالوا: غير ذلك مما يعظم في نفوس أهل الإيمان والتوحيد، ومع كل هذا لا يتورعون عن كذبهم وبهتانهم على طول مسيرتهم في التاريخ.

ففي كل موطن يتغنون بحب آل البيت، ونصرتهم، والولاء لهم، ومحبتهم والدفاع عنهم، وحب فاطمة وعلى - رضي الله عنهما -، وكذلك قولهم في الحسين - رضي الله عنه - وعن أبيه، حتى أطلوا علينا في هذه القرون المتأخرة، يرفعون عقيرتهم، ويشهرون سيوفهم الزائفة، ويقولون نحن سنحرر القدس، ونحن سندك اليهود، ونحن نصرة الإسلام وأعداء الأمريكان،... إلى غير ذلك مما يقولون ويزعمون، وحقيقة الأمر أنها دعاوى زائفة، متجردة عن الصدق والبرهان، والواقع خير شاهد على ذلك.

وإن أهل السنة اليوم أحق بذلك كله منهم، وأولى بهم منهم؛ لأن أهل السنة لا يحقرون أهل البيت، ولا يقللون من مكانتهم السامية، بل هم على خلاف ذلك أصلاً؛ لأنهم يعتقدون أن محبة آل البيت، ونصرتهم، وإجلالهم طاعة وقربى إلى الله - تعالى -، كما أن أهل السنة أحق وأولى بقضية القدس وفلسطين منهم، وأولى بمسرى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبفتح الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهنا لا بد لنا هنا من وقفات:

الوقفة الأولى: نحن أولى بآل البيت ونصرتهم من الشيعة:

نعم نحن أولى بآل البيت ونصرتهم ومحبتهم وموالاتهم من الشيعة أنفسهم لماذا... ؟؟

أولا: لأن محبة آل البيت واجبة على كل مسلم منتسب للإسلام، مصدق بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمر مسلم به لا إشكال فيه.

ثانياً: لأن المحبة تلزم أصحابها بقيود وشروط لا بد من الوقوف عندها، فمنها: الحب لله - تعالى -، والحب لشرف القرب والرحم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك المحبة لشرف الصحبة والمتابعة، ومنها كذلك ترك الغلو في المحبة، فلا تصل المحبة بأهلها إلى رفع المحبوب إلى منزلة لا تحل له، أو تصفه بما ليس فيه، أو تجعل له ما لا يكون إلا لغيره، ومنها كذلك الموالاة والنصرة فيما وافق الحق، وإلا لصارت مناصرة ومعاونة على الإثم والعدوان.

وحقيقة ذلك أن الشيعة لم يقفوا عند قيود المحبة والموالاة التي جاءت في كتاب الله - تعالى -، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلقد تعدوا حدود الله - تعالى -في محبتهم وموالاتهم حتى وصل بهم الأمر إلى أن يضعوا النصوص الحديثية فيما يقرب من ثلاثمائة ألف حديث لمدح آل البيت، مع أن الشريعة نهت عن الإطراء والمدح الذي يصل بالعبد إلى الغلو في الممدوح، حتى زعموا وقالوا: "إن السماء أمطرت دماً عبيطاً يوم قتل الحسين، وأنه ما رفع مسجد في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط"، قال ابن تيمية - رحمه الله -: كل ذلك كذب.

وكل الأحاديث التي جاء فيها سبي يزيد لأهل البيت، وتقبيح معاوية والصحابة خاصة أبو بكر وعمر فكل هذه الأحاديث مكذوبة لا أصل لها، وكذا الأحاديث التي جاءت في المغالاة ورفع علي - رضي الله عنه - عن مكانة البشر وعلوه إلى مكانة الإلوهية كلها كذب ومن أمثلة هذا ما زعموه أن علياً في خيبر نصب يده ليمر عليها الجيش فوطئته البغلة فقال لها: قطع الله نسلك فانقطع نسلها بدعائه. (انظر الفوائد الموضوعة للشيخ مرعي الكرمي).

وكذلك غلوهم في مسألة الإمامة وتفضيل على - رضي الله عنه - على أبي بكر وعمر فيها - رضي الله عنهما -، وأنه أحق بها منهم، مما جعل الشيعة يدخلون في لعنة أبي بكر وعمر، ولا أدري متى كانت أولوية الإمامة تستوجب لعناً وغضباً حتى يصير سنة متبعة وعبادة في مذهبهم وعقيدتهم.

وخلاصة ذلك: أن الشيعة تعدوا حدود الله تعالى في المحبة والنصرة والولاية لآل البيت وزعموا فيهم ما ليس لهم، حتى قالت السبئية منهم برجعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا كذلك بوصاية ونبوة علي - رضي الله عنه -، وقالوا أيضاً بالحلول وبالألوهية وغير ذلك، ومنهم القائلون بتكفير الصحابة والطعن فيهم وهذا واضح في صلاتهم وخطبهم.

أما أهل السنة فقد أنزلوا آل بيت النبوة مكانتهم، وعرفوا لهم قدرهم من الإجلال والإكبار والحب والتوقير ما ليس عند غيرهم، بل ويصلون عليهم في كل صلاة من صلواتهم ويسلمون، بل وفي دعائهم يقولون كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد"، ومع ذلك لا يزعمون فيهم العصمة لأنها ليست إلا للأنبياء والرسل، ولا ينتقصون قدرهم، بل يقفون مع الأدلة التي أمرت بالمحبة والموالاة والنصرة فيما لا تعدي فيه على حدود الله ورسله.

الوقفة الثانية: نحن أولى بفلسطين والقدس من الشيعة:

نعم ونحن أولى منهم كذلك بمناصرة قضيتنا الكبرى القدس والأقصى، بل وكل مقدس إسلامي الهوية والمنشأ..

وهنا أقف سريعاً أمام نصين:

الأول: للأستاذ محمد كرد علي في كتاب خطط الشام حيث يقول: " والغريب أن شيعة جبل عاملة كانوا من حزب الصليبيين على المسلمين إلا قليلاً، كما أن هوى الموارنة مع الصليبيين ويعملون عندهم أدلاء وتراجمة".

الثاني: ما نقل عن بعض المؤرخين في النجوم الزاهرة لابن تغري: "قال ولم ينهض الأفضل أي الفاطمي بإخراج عسكر مصر أي عند دخول الصليبيين فلسطين وما أدري ما كان السبب في عدم إخراجه مع قدرته على المال والرجال".

وهذا كما قال ابن تغري يظهر عدم اكتراث أهل مصر بالفرنج من كل وجه، ومن هنا نعلم حقيقة الشيعة الفاطميين الذين كانوا سبباً كبيراً كذلك في احتلال القدس وسفك الدماء وتمزيق الأشلاء من المسلمين بالآلاف المؤلفة، في يوم دخلوا فيها القدس حررها الله من كل دنس فالدولة الفاطمية بتتبع تاريخها القاتم في هذه المرحلة نرى أنها تكاسلت تماماً عن قضية الصليبيين والقدس بل والشام، حماية لأملاكهم وأطماعهم من شر السلاجقة، حتى أن أسد الدين شيركوه استعان بالوزير الفاطمي المسمى ضرغام ليكون وسيطاً بينه وبين الصليبيين، فلما علم تدبيره لهم باغته يومها في تل بسطة وانتصر عليه، وظلت هكذا حتى بعث لها صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله تعالى -، فطارد الصليبيين، وأنكى الهزيمة بالمذهب الشيعي في مصر والشام.

واليوم يظهر الشيعة من جديد ليقولوا للعالم كله في خداع ومكر وخبث شديد أننا محرروا القدس، وناصروا الإسلام والمسلمين، ولا أدري كيف ينصر القدس ويحرر الأقصى من سلمها لأعداء الأمة بيد بيضاء... ؟، ولا أدري كذلك كيف يفتحون القدس ويحاربون اليهود، وقد فتحها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهم يلعنون عمر وحزب عمر، فكيف يفتحها بعد عمر من عبادته في صلواته لعن عمر والصحابة... ؟؟؟، والتاريخ اليوم خير شاهد على ذلك.

وأين كانت صواريخ حزب الله من الصهاينة يوم أن دخلوا جنين والخليل والضفة، وأين كانت دباباتهم يوم أن حاربوا بسيف من البطش والحقد الأسود الدفين في غزة، ولماذا إلى اليوم لم يحرروا القدس وفلسطين فضلاً عن العراق والجولان.. ؟؟؟.

الجواب: إنه المكر والخداع، والحرب الكلامية والسياسية التي لا تكون إلا في حوزتهم ومصالحهم وأطماعهم، وكما قلت من قبل: لقد تحول مسارهم إلى مطامع سياسية وجغرافية إلى كونهم معتقد خبيث ماكر جمع من كل ملة ما يهوى وخلط ما بين اليهودية تارة والنصرانية تارة أخرى والصوفية وغيرها.

فليس للقدس اليوم إلا أهل السنة الذين فتحوها أول الأمر ودخلوا المسجد بالتوحيد والتمكين فاتحين مناصرين، ولن ينصر القدس يوماً من سلمها لأعدائه بيد بيضاء مخزية.

الوقفة الثالثة: نداء إلى المخدوعين بزيف الشيعة:

أقول هل يفيق النائمون، وهل يعقل الجاهلون، وهل يدرك الخطر الداهم والمكر القاتم، كل منتسب لأهل السنة لا يزال يوالي هؤلاء المخادعين، ولا يزال يضع يده في أيديهم وينادي بالتقارب بيننا وبينهم، ونزع العداوة من أهل السنة لهم، وإني لأقول: أهل السنة لا يعادون بهوى ولا لهوى إنما هم قائمون على حدود الله فيها، لا إفراط ولا تفريط، فليترك الشيعة عداوتهم لمن أمر الله ورسوله بمحبته ونصرته، وليتوقفوا عن مناصرة أعداء الأمة من الشرق والغرب ضد إسلامهم الذي يزعمون، عندها لن يكون إلا مناصرتهم ومحبتهم إن استقاموا على شريعة الإسلام ومحبة أهل السنة المتبعين لآل البيت وسائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

المصدر: موقع المختار الإسلامي.

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

 
Top